عين على إيران والثانية على الولايات المتحدة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • قبل يوم من مرور عام على أفظع "مذبحة" شهدناها في تاريخنا، تغرق إسرائيل غرقاً عميقاً في حرب متعددة الجبهات؛ فها هي اليوم تستعد لتحقيق تهديدها ومهاجمة إيران رداً على الهجوم الصاروخي الإيراني الواسع النطاق في 1 تشرين الأول/أكتوبر، وفي لبنان تزداد المؤشرات على اغتيال هاشم صفي الدين، الخليفة المنتظَر للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في هجوم جوي آخر على الضاحية، وفي الوقت عينه، تقوم قوات الجيش الإسرائيلي بتمشيط قرى في جنوب لبنان، وتصطدم بعناصر حزب الله الذين يخوضون معارك دفاعية صعبة. وفي الساحة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، هناك حالة جهوزية عالية لمواجهة محاولات القيام بهجمات، من أجل إثارة أصداء كبيرة في الغد. وثمة أمر لا شك فيه؛ إن صفقة المخطوفين مع "حماس" عالقة تماماً، و101 مخطوف نصفهم على قيد الحياة، ويمكن أن يبقوا في الأَسر لمدة طويلة.
  • وعندما سينقشع الغبار بعد الهجوم الإيراني الذي شمل، وفقاً للتقارير، 181 صاروخاً باليستياً، سيتضح أمران: مع الضرر الكبير الممكن للقصف، فقد كانت نتائجة محدودة نسبياً. ولم تقدّم إسرائيل تفاصيل بشأن الأضرار التي لحقت بالمنشآت العسكرية باستثناء البيان بعدم تعرض قيادة سلاح الجو للضرر نتيجة سقوط الصواريخ (والتقارير بشأن عدم سقوط إصابات بين المدنيين باستثناء جرحى بشظايا). والصور التي التُقطت لسقوط صواريخ في هشارون، وتحليل صور الأقمار الصناعية لعدة منشآت أمنية من طرف خبراء دوليين، كلها تدل على حجم الضرر الذي حدث، على الرغم من عدم سقوط خسائر في الأرواح.
  • إن النجاح الإسرائيلي المذهل في اعتراض إطلاق الصواريخ من لبنان لا يشبه مواجهة تحدي الصواريخ الباليستية من إيران، والنظام الإيراني يشعر بخيبة الأمل من الحصيلة الضئيلة في الضحايا والأضرار، بعد أن أطلق أكثر من 300 صاروخ باليستي على مرحلتين في نيسان/أبريل وتشرين الأول/ أكتوبر، لكن على ما يبدو، فقد تكوّن لديه انطباع أن الصلية الثقيلة من الصواريخ قادرة على دفع القدرة الدفاعية الإسرائيلية إلى حدها الأقصى، وعلى المدى البعيد، يبدو من الصعب توقُع نهاية للمواجهة الإيرانية - الإسرائيلية في وقت قريب، وسنشهد سباقاً بين وتيرة الإنتاج المتطور للمنظومات الهجومية الإيرانية، ومنظومات الاعتراض الإسرائيلية، والتوصل إلى قدرة عملانية لاستخدام منظومة الاعتراض التي تستند إلى اللايزر من الأرض، والتي من المفترض أن يبدأ تشغيلها السنة المقبلة. كل هذا يمكن أن يساعد في الجهد الإسرائيلي في مواجهة التهديدات القصيرة المدى من لبنان.
  • لكن الجهد ليس دفاعياً فقط، فالمعلوم أن إسرائيل هددت بمهاجمة إيران رداً على موجة الصواريخ، وتُجري الولايات المتحدة نقاشات حثيثة في محاولة لفرض قيود على الرد، ومنع تدهوُر إقليمي إضافي، ومع ذلك، فقد بدأت هنا الحرب الإسرائيلية - الإيرانية الأولى. وقد عبّر الرئيس الأميركي بايدن علناً عن معارضته لمهاجمة المنشآت النفطية الإيرانية، وفي الخلفية، هناك تخوف من أزمة طاقة دولية تؤثر سلباً في فرص فوز الديمقراطيين بالانتخابات الرئاسية بعد أقل من شهر. وفي الوقت عينه، نقل الأميركيون رسائل إلى إسرائيل ضد مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وهي مهمة تتطلب تنسيقاً وثيقاً بين الدولتين.
  • وقد وصل الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي سانتكوم، أمس إلى إسرائيل من أجل تنسيق الجهود الدفاعية في ضوء التصعيد في مواجهة إيران وحزب الله. وفي البنتاغون، يشعرون بحسب تقرير الـ"نيويورك تايمز" بقلق شديد من أن تسمح زيادة الوجود العسكري للولايات المتحدة الرامية إلى المساعدة في احتواء الأزمة لإسرائيل بزيادة حدة أعمالها الهجومية لمعرفتها بوجود دعم أميركي لها.
  • لكن إدارة بايدن لم تعبّر عن تحفّظها الشديد على خطوات الجيش الإسرائيلي، وهي تصرح علناً بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بخطوات هجومية ضد أعدائها، وينطبق هذا على الهجوم على إيران، الذي يمكن أن يكون موجهاً ضد منشآت عسكرية، كما ينطبق على العملية البرّية في جنوب لبنان. وقد وافقت الولايات المتحدة بصورة غير مباشرة على تحرك الجيش الإسرائيلي بضعة أسابيع، بينما حرص موفد الرئيس الأميركي عاموس هوكشتاين على توضيح أن الإدارة لم تعطِ الضوء الأخضر مسبقاً للعملية...
  • وفي هذه الأثناء، لا تزال العملية الإسرائيلية في جنوب لبنان محدودة في حجمها وأهدافها على الرغم من الخسائر. وتحتل قوات الجيش أراضيَ نشر فيها حزب الله مواقع عسكرية بالقرب من السياج الحدودي وتمشطه، وتقوم باقتحام عدة قرى شيعية تبعد بضعة كيلومترات شمالاً. وتكرر مصادر عسكرية التشديد على أن النية هي إنهاء العمليات في لبنان في غضون أسابيع، والتركيز على تدمير البنى العسكرية لحزب الله، لكن كما تعلمون، فإن هناك علاقة ضعيفة في لبنان في الماضي بين الخطط الأساسية أو التصريحات الإسرائيلية والطريقة التي تتطور فيها الأمور على الأرض عندما تبدأ الاحتكاكات مع العدو. وهناك صعوبة في خوض حرب تتقدم ببطء، وإن أحد المبادئ المهمة في الحرب هو السعي لتحقيق نصر سريع، وإسرائيل لم  تتصرف بهذه الطريقة: أولاً في غزة، والآن في لبنان.
  • وكما لمّح هوكشتاين، فإن هناك محاولات أميركية تجري الآن لإيجاد مخرج من الأزمة قبل وقوع المزيد من القتلى والخسائر في إسرائيل ولبنان، وتزداد حدة المواجهات بين القدس وطهران. وقد زار وزير الخارجية الإيراني بيروت يوم الجمعة، وقدّم دعم بلده إلى حزب الله. وعلى الأقل رسمياً، يعطي الإيرانيون زعامة الحزب، على افتراض أنهم يعرفون هويتها الجديدة، حرية اتخاذ القرار بوقف إطلاق النار مع إسرائيل في لبنان، أو الاستمرار في القتال ما دام القتال مستمراً في غزة، كما تعهّد حسن نصر الله حتى اغتياله في27 أيلول/سبتمبر.
  • وفي غضون ذلك، في غزة التي تحولت إلى جبهة ثانوية في الأسابيع الأخيرة، لا يزال الجيش قادرا نظرياً على تركيز جهده الهجومي في مواجهة "حماس" في مناطق لم تشهد في الأشهر الأخيرة مناورة برّية. لكن قلائل في إسرائيل ما زالوا يصدقون أن الضغط العسكري سيؤدي إلى إطلاق المخطوفين. والضغط العسكري على بقايا قيادة "حماس" تراجع، وفي كل الأحوال، فإنه ما إن تظهر عملية إنقاذ للمخطوفين، فإن قيادة "حماس" "تعطي أوامر واضحة لحراس المخطوفين بقتلهم".
  • من المؤلم أن نرى تراجع قضية المخطوفين الملتهبة على جدول الأعمال الإعلامي والشعبي إزاء الحرب في لبنان وإيران، التي ساهمت بصورة كبيرة في مساعي الحكومة في تقليص الاهتمام بالذكرى السنوية الأولى لـ"المذبحة".
  • من الواضح أن هذه الحكومة لا يهمها ما يشعر به أغلب مواطنيها، سواء هؤلاء الموجودون في أنفاق غزة أو الذين جرى إجلاؤهم من منازلهم في الجليل أو من مستوطنات الغلاف، أو الذين يحاولون الالتحاق بوحداتهم من الاحتياط في الشمال بموجب أمر الاستدعاء رقم 8، ووجدوا أن الدولة لم تهتم بتنظيم وسائل النقل يوم السبت، ولم تحرص على زيادة الرحلات الجوية لنقل الذين جرى استدعاؤهم للعودة سريعاً إلى البلد من الخارج.