روح جديدة وشرق أوسط جديد
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان: "في السنة الأخيرة، شاهد العالم طبيعة إسرائيل الحقيقية"، وذلك في إطار كلمة ألقاها في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، متهماً إسرائيل بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، كما قدّم أيضاً توصيفاً دقيقاً ومشجعاً: "إسرائيل بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر تتكشف بطبيعتها الحقيقية؛ مصممة، وجريئة، ومتطورة، وحازمة في مواجهة كل من يقف في وجهها."
- هذه هي الصورة التي يرونها الآن في طهران خلال النقاشات بشأن الرد على اغتيال نصر الله وسبل تدخّل إيران فيما يجري. وقد اضطر الإيرانيون إلى نقل المرشد الأعلى إلى "المكان الآمن"، وأن يأخذوا في حسابهم "الحساب المفتوح" مع إسرائيل، وقائمة "آثامها" الطويلة.
- فنصر الله الذي لطالما تباهى بأنه يعرف إسرائيل ككتاب مفتوح، لم يأخذ هذا في الحسبان، وأخطأ في 8 تشرين الأول/أكتوبر عندما قرر التدخل في النزاع وتعريض لبنان وحزبه للخطر من أجل أهواء السنوار، وأخطأ مرة أُخرى في الأسابيع الأخيرة عندما أصر على الاستمرار في تأييده غير المجدي لـ"حماس" في غزة. وكما جرى في حرب لبنان الثانية؛ عندما أصر على موقفه إزاء إسرائيل، فقد سقط هذه المرة أيضاً ضحية نظرية "خيوط العنكبوت" التي طورها عقب انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان، والخطوات التي سبقت ذلك...
- وكالكثير من الأعداء والأصدقاء، لم يستوعب نصر الله التأثير العميق لـ7 تشرين الأول/أكتوبر في الجمهور الإسرائيلي وزعاماته، والاضطراب الذي أحدثه في التفكير والسلوك الإسرائيليَين.
- وقد اعترف نصر الله في خطابه الأخير بأن "الضربة الإسرائيلية التي تلقّاها الحزب في الأسابيع الأخيرة كانت غير مسبوقة"، ومع ذلك، لم يدرك ضخامة التغيير...
- إن السنة الماضية، والأحرى أن نقول أسابيعها الأخيرة، بدأت تزعزع النظرة التي على أساسها استندت العلاقة إزاء إسرائيل؛ إذ دحضت التقديرات بشأن عدم قدرة إسرائيل على خوض حرب طويلة في ساحة واحدة، "فكيف في عدد من الساحات؟"، وأنها ستضطر إلى التساهل في أهدافها في ظل ثمن الحرب، والضغوط الكبيرة من الداخل والخارج بشأن المخاطر التي تجرها على نفسها بأعمالها. هذه الافتراضات لم تأخذ في الحسبان "الطبيعة الحقيقية" لإسرائيل.
- والآن، ليس الإيرانيون وحدهم، ومن يدور في فلكهم في شتى أنحاء الشرق الأوسط، ينظرون إلى ساحة المعركة المستمرة، بل أيضاً من يعانون جرّاء أذرع إيران، وينتظرون اللحظة التي يستطيعون فيها أن يرفعوا رأسهم في مواجهة "الأخطبوط" الإيراني. لدى القوى اللبنانية الآن فرصة – كانت حلماً– كي تتحرر من الظل الثقيل لحزب الله، وأيضاً زعماء الدول السنية لديهم فرصة لوضع خط أحمر للوجود الإيراني في أراضيهم أو على حدودهم.
- وما يجري في الشرق الأوسط يتابعه أيضاً المتنافسان على الرئاسة في الولايات المتحدة، وإذا كان لديهم شك في رصيد إسرائيل بالنسبة إلى واشنطن، فقد جاءت أحداث الأيام الأخيرة لتبدد هذا الشك. وإذا كان هناك شك في أن إسرائيل هي رأس الحربة في المواجهة ضد قوى "الشر" في إيران، فإن الحرب الأخيرة قدّمت الدليل على ذلك. هذا بالإضافة إلى التخوف من اندلاع حرب شاملة، ويمكننا أن نشعر بالتفاؤل الذي خلفته إنجازات المعركة.
- كما أن روسيا أيضاً تنظر إلينا، وكذلك الصين، والسعودية، وإندونيسيا، ودول أُخرى كثيرة. وسوف تؤثر نتائج المعركة وتطورها في موقف هذه الدول إزاء إسرائيل.
- لقد ضُرب أعداؤنا في لبنان وغزة بشدة، لكن هذه الضربة القاسية والمفاجئة ليست بالضرورة حاسمة أو بالغة الخطورة، والفارق بينهما [غزة ولبنان] هو القدرة على التعافي منها، والوقوف مجدداً، والاستمرار في العمليات في وقت حساس. إن المهمة لا تزال كبيرة، ولن تنتهي قبل استعادة المخطوفين وإعلان خسارة "الأخطبوط" الإيراني لأذرعه.
- في نظرة واقعية إلى الأمام، هكذا نرى خريطة الأهداف والتحديات في السنة اليهودية الجديدة كالتالي:
- إيران: تتعرض إيران لضغط دولي كبير سياسي وأمني واقتصادي، من شأنه زعزعة النظام الإسلامي، وهو ما يدفعها إلى الانسحاب من المشروع النووي العسكري، وفك حلقة النار، ووقف نشر السلاح.
- الجبهة الشمالية: تعرُض حزب الله لضربة عسكرية وسياسية، وعدم وجود قواته في مجال يشكّل تهديداً على مستوطنات الشمال، وعودة الأخيرين إلى منازلهم بأمان، وتفعيل الدولة خطة من أجل تعزيز الشمال.
- قطاع غزة: أن يصبح منزوع السلاح، وتحت سيطرة أمنية إسرائيلية، وإدارة إسرائيلية لتوزيع المساعدات من دون قدرات سلطوية أو تنظيمية لـ "حماس"، وإعادة المخطوفين، وإعادة إعمار مستوطنات الغلاف.
- الضفة الغربية: معالجة معاقل "الإرهاب"، وتدمير القوة التنظيمية والاقتصادية لـ"حماس"، وتعزيز الدفاع في المنطقة الفاصلة، وتنفيذ أدوات الضغط على السلطة الفلسطينية، وتعزيز المستوطنات والحوكمة.
- ائتلاف إقليمي واتفاقات تطبيع: عملية تقودها الولايات المتحدة لكن انطلاقاً من قوة إسرائيلية وبعد انتصار واضح في الحرب.
- إسرائيل: التوصل إلى خطة وطنية لتعزيز القوة في كل المجالات والأبعاد، وتسخير كل القوى في الداخل من أجل خفض التوترات الداخلية وتعزيز اللُحمة والوفاق.
- ما زالت النيران تشتعل في مرفأ الحُديدة، ولم تنقشع سحب الدخان والغبار في سماء بيروت، والعالم تكيَّف مع الواقع الجديد في قطاع غزة، وكذلك مع تصاعد القتال ضد البنى التحتية "الإرهابية"، ويشعر أعداؤنا بالحرج؛ فاستمرار الخطوات العسكرية الإسرائيلية توضح أنها مصرّة على إحداث تغيير جذري، ولن تكتفي بصورة انتصار.
- في 7 تشرين الأول/أكتوبر، اهتزت الأرض بشدة في إسرائيل، والجروح كبيرة ومؤلمة ولم تلتئم بعد، والصدع لم يندمل. لكن من أهوال الحرب، ظهر الحمض النووي الإسرائيلي الحقيقي؛ "الطبيعة الحقيقية"، فقد وجد أعداؤنا في مواجهتهم عدواً قوياً كالأسد، وآلة حرب هائلة، وجبهة داخلية قوية ومتينة. لقد شهد شعب إسرائيل كوارث كبيرة في التاريخ، ولم نغرق قط في هاوية اليأس، ومعنوياتنا لم تنكسر، وعندما سقطنا، عدنا ووقفنا، ومن كل أزمة خرجنا أقوياء.