العالم بأسره على خطأ، ونحن محقّون، ولكن...
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • إليكم حصادنا الدبلوماسي خلال الأسبوع الماضي وحده: تلقينا رسالة غير مسبوقة من واشنطن، موقّعة من جانب كلٍّ من وزيرَي الخارجية والدفاع، وتتضمن تهديداً بفرض حظر أسلحة على إسرائيل؛ استمرار المواجهة العلنية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؛ إعلان وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن الأمين العام للأمم المتحدة "شخصية غير مرغوب فيها" في إسرائيل؛ والرئيسة الإيطالية وهي الزعيمة الأكثر يمينيةً في أوروبا الغربية انتقدت إسرائيل بشدة في البرلمان.
  • طبعاً، إسرائيل على حق في جميع هذه المواجهات. هؤلاء لا يفهمون. وهم غير قادرين على رؤية معركتنا الوجودية، ولا نوع الأعداء الذين نواجههم. المتظاهرون في شوارع هؤلاء يستسلمون للدعاية التي تمولها إيران وتدسّها إلى العالم الغربي. إنهم ينساقون خلف "الغباء المقدس" الذي يمارسه بعض "منظمات حقوق الإنسان" التي تساعد المنظمات "الإرهابية" الراديكالية العنيفة، بدلاً من الدفاع عن "دولة ديمقراطية تكافح من أجل البقاء".
  • هذا كلّه صحيح، ومثير للحنق. ومع ذلك، يجب علينا أن نذكّر بأن دور حكومة إسرائيل مختلف عن دور الذين يجلسون خلف الشاشات، ويكتبون التعليقات في الإنترنت. لا يتمثل دور إسرائيل في إشعال النيران لكسب التصفيق من المتابعين، ولا في تصعيد الأزمة، بحيث يُقال لها "واو، لقد تمكنتِ من إفحامهم!" قد يكون هذا ممتعاً، وربما جيداً للانتخابات الداخلية في الأحزاب، لكنه ليس مهمة المسؤولين الإسرائيليين الحقيقية. يجب على إسرائيل أن تتحلى دائماً بالكرامة الوطنية، وتوضح أنه لا يمكن لأحد أن يدوس عليها، لكن يجب على دولتنا أيضاً استخدام الحكمة الدبلوماسية لتحسين مكانتنا باستمرار، فالعلاقات الخارجية تشكل ركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي الإسرائيلي، ودور الحكومة هو تحسين علاقاتنا الدولية، لا جعلها تتدهور. يتمثل دور الحكومة في محاولة حلّ النزاعات، لا تعقيدها.
  • إيمانويل ماكرون صديقي، لكنني غاضب من تصريحاته الأخيرة. إنها تصريحات خاطئة، ولم يكن ينبغي أن تُقال، وتعلم الحكومة بأنني وضعت اتصالاتي بفرنسا تحت تصرفها في هذا الشأن. لا مكان لحظر الأسلحة على إسرائيل، ولدينا الحق الكامل في الدفاع عن أنفسنا بالقوة. ولم يكن يجب أن نصل إلى هذا الوضع، حيث يدخل رئيس فرنسا في مواجهة علنية مع إسرائيل، ويعلن حظر الأسلحة. لو كان لدينا إدارة جيدة، لكان من الممكن تجنُّب ذلك أيضاً.
  • من شأن إدارة مسؤولة وشاملة للسياسة الخارجية أن تتوقع المشكلة مسبقاً، وتعالجها قبل انفجارها، وتحول دون صدور مثل هذا الإعلان. فإن لم ننجح، علينا الرد بحزم، لكن من دون حرق الجسور. فقد نحتاج، في وقت لاحق، إلى إتاحة الفرصة لماكرون للتراجع. علينا أن نخلق الظروف التي تمكّن من ذلك. فالغضب ليس سياسة. إن فرنسا دولة مهمة لإسرائيل. وهي عضو دائم في مجلس الأمن الهيئة الوحيدة التي لها تأثير حقيقي في مؤسسة الأمم المتحدة الفاشلة وفرنسا مهمة لعلاقاتنا بدول مثل المغرب، وهي لاعب رئيسي في أيّ تسوية مستقبلية في لبنان. وباختصار، تقتضي المصلحة الوطنية الإسرائيلية في الحد من الخلاف، لا توسيعه.
  • ومثلما هي حال أيّ مسألة أُخرى تتعلق بشؤون الدولة، سواء أكانت أمناً، أم اقتصاداً، فإن السياسة الخارجية هي أيضاً أمر يجب ممارسته بطريقة منظمة، وليس بعشوائية. قبل الانتخابات الأخيرة في فرنسا، صرّح الوزير شيكلي أنه "من الرائع أن تصبح مارين لوبان رئيسة فرنسا". لم يكن في إسرائيل صدى كبير لهذا التصريح، بعكس ما جرى في فرنسا. لقد اعتبروه، وبحق، تدخلاً في حملة انتخابية شديدة التوتر والتقارب، حيث كان للصوت اليهودي دور مهم. في مناسبة أُخرى، صرّح الوزير شيكلي مجدداً، أنه كان ليصوت لترامب، وقد أطلق تصريحه هذا في الوقت الذي كان الدعم العسكري الأميركي الواسع في قيد النقاش، وهو يعتمد على أصوات الديمقراطيين. صحيح أن الأميركيين يفهمون الخريطة السياسية الإسرائيلية أفضل من الفرنسيين، لكنهم أدركوا أيضاً أن هناك غياباً لإدارة مركزية لعلاقاتنا الخارجية. فكل شخص في حكومتنا يفعل ويقول ما يحلو له، واعتبارات السياسة الداخلية تسيطر على كل شيء.
  • هناك مشكلة أُخرى تتمثل في أن إسرائيل لا تفي بوعودها. لقد جرت المناقشات، مراراً وتكراراً، وأطلقت أعلى المستويات في دولتنا وعوداً بتنفيذ أمور معينة، سواء فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، أو القضايا الأمنية ثم حدث العكس تماماً. إن العلاقات بين الدول، وكذلك العلاقات الشخصية بين القادة، تقوم على الثقة. وحالياً، تتآكل هذه الثقة بصورة كبيرة لدى الولايات المتحدة، كما هي حالها مع الدول التي وقّعت اتفاقيات أبراهام. إن دولاً مثل ألمانيا، وهي ثاني أكبر مصدّر للأسلحة إلى إسرائيل، وتتعامل بحرص شديد مع مسألة صدقيتها في العلاقات الخارجية، تتوقع أن يتصرف حلفاؤها بالطريقة نفسها.
  • ما الذي يجب فعله؟ يجب على طواقم فرق العمل في وزارة الخارجية الإسرائيلية المتابعة مع كل دولة من الدول التي توجد معها مشكلات في إسبانيا، على سبيل المثال، هناك كثير من العمل الذي لم يُنجز، وفي بريطانيا، هناك حرائق يمكن ويجب إخمادها، وهي لا تزال صغيرة. يجب على إسرائيل أن تبذل جهداً خاصاً مع كايا كالاس، التي ستتولى منصب وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، خلفاً لجوزيف بوريل الإشكالي. نحن بحاجة إلى شخص يتولى العمل مع الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، لأن رون ديرمر غير مقبول من كثيرين من الديمقراطيين بسبب علاقته بترامب والحزب الجمهوري. يجب توزيع العمل بين وزارة الخارجية ومكتب رئيس الوزراء بطريقة مختلفة تماماً. كان من الصعب هذا الأسبوع التجاهُل أن الرسالة التي أرسلها وزير الخارجية الأميركي كانت موجهة إلى رون ديرمر. هذا كلّه نتيجة إضعاف منهجي وضار لوزارة الخارجية الإسرائيلية وقدرتها على صوغ السياسات.
  • يمكن للمرء أن يفصّل أكثر في هذا الشأن، لكن من غير المؤكد أن الأمر يستحق العناء. فالحكومة الحالية لن تفعل ذلك. إنها لا تعرف كيفية القيام بذلك. إن العمل المنهجي هو نتاج ثقافة تنظيمية لا تتوفر في هذه الحكومة، بكل بساطة. إن الإنجازات الدبلوماسية هي نتائج سيرورات مهنية طويلة الأمد تتطلب ضبط النفس الدبلوماسي. هذه الثقافة لن تحظى بكثير من التقدير في القواعد الانتخابية، ولن تحظى بالثناء في برامج القناة 14 [القناة الشعبوية المؤيدة لنتنياهو]، لكنها ستحول دون وقوع الأزمة التالية. تخوض إسرائيل حرباً وجودية. وعليها أن تجنّد جميع القوى الدولية لاستعادة الأسرى وهزيمة "الإرهاب" الإسلامي الراديكالي. وأحياناً، يكون من المفيد التخلي عن نشر مقطع فيديو شعبوي حماسي آخر، في سبيل إتاحة المجال أمام حصول جنود الجيش الإسرائيلي على الأسلحة والذخيرة التي يحتاجون إليها لخوض "حربهم العادلة".

 

 

المزيد ضمن العدد