انسحاب قطر من المشاركة في المفاوضات يعفي الحكومة الإسرائيلية من صفقة المخطوفين
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- إن إعلان قطر وقْف مشاركتها في المفاوضات لتحرير المخطوفين يجب ألاّ يفاجئ أحداً، ومع ذلك، فهو لا يعني إغلاق قناة الوساطة القطرية بصورة نهائية. واستناداً إلى بيان الناطق بلسان الخارجية في الدوحة ماجد الأنصاري، فإنه "ستعود قطر إلى مساعي الوساطة عندما يُظهر الطرفان رغبة جدية في وقف الحرب الوحشية في غزة وإنهاء معاناة المدنيين هناك. بالنسبة إلى قطر فإنها ستكون أول من يقف من أجل توظيف كل المساعي لإنهاء الحرب وإعادة المخطوفين والأسرى." وفي غضون ذلك، كذبت "حماس" بأنه طُلب منها مغاردة قطر.
- وكانت قطر في أيار/مايو الماضي قد أوضحت أنها تعيد درس مهمتها كوسيط في ضوء جمود المفاوضات، ويبدو أنها الآن وصلت إلى خلاصة فحواها أنه لا فائدة من استمرار وساطتها، وهذا ليس بشأن الاتصالات بحد ذاتها، إنما الأمر سيكون كذلك طالما الطرفان لا يُظهران استعدادهما لإبداء مرونة في مواقفهما. والمغزى العملي للخطوة هو أنه لم يعد لدى إسرائيل و"حماس" الآن قناة تحاوُر ناجعة.
- ويجري هذا في الوقت الذي تبيَّن فيه أن الضغط العسكري الذي قدّمته إسرائيل على أنه السبيل الوحيد القادر على تحقيق الصفقة أثبت فشله، كما فشل الضغط الذي مارسته إسرائيل على قطر. صحيح أن عملية الاغتيالات لكبار قادة "حماس"، وعلى رأسهم يحيى السنوار، ساهمت في رفع المعنويات الإسرائيلية، وقوضت بصورة كبيرة قوة "حماس"، لكن الهدف الأساسي الذي وُضع كهدف للحرب، وهو تحرير المخطوفين، لم يتحقق.
- ويأتي قرار قطر متزامناً مع التسريبات الأميركية بشأن طلب الإدارة الأميركية من قطر طرد قيادة "حماس" من أراضيها، وهو مطلب يبدو تكراراً لطلب سابق أثار حساسية؛ ففي وقت مبكر من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، نُقل عن وزير الخارحية بلينكن أنه تحدث إلى نظيره القطري محمد بن عبد الرحمـٰن آل ثاني، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس الحكومة، بشأن إمكان طرد قيادة "حماس" كوسيلة ضغط للتوصل إلى صفقة مخطوفين.
- حينها، أعلنت قطر أنها تبحث في الموضوع، وكان الافتراض حينها أن قطر لا تضغط بما فيه الكفاية على "حماس" على الرغم من أن لدى الأولى أداة ضغط استراتيجية، وهي استضافتها لقيادة الحركة، والتهديد بهذه الأداة يمكنه أن يغير مواقف السنوار. لكن قطر أوضحت في المراحل الأولى من المفاوضات أنها مستعدة للتوسط والإقناع، لكن طرد قيادة "حماس" ليس "سلاحاً استراتيجياً"، لأنه ليست لدى قيادة الخارج فعلاً أي قدرة فعلية على إقناع السنوار لتغيير مطالبه ووقف القتال وانسحاب إسرائيل من القطاع.
- وفي آذار/مارس، جرى من جديد فحص خيار الطرد، عندما أرسل بلينكن رسالة إلى محمد بن عبد الرحمـٰن آل ثاني طرح فيها من جديد مطالبته، وقد رد على ذلك الناطق بلسان الخارجية القطرية الأنصاري بالقول: "لا يوجد سبب لإنهاء وجود ’حماس‘ في قطر ما دامت مساعي الوساطة لإنهاء الحرب في غزة مستمرة. قطر ملزمة بالوساطة لكنها ستعيد النظر في مهمتها."
- وفي نيسان/أبريل، تعرضت قطر لهجوم دبلوماسي أميركي، عندما طلب عضو الكونغرس الديمقراطي ستاني هوير من الرئيس بايدن "إعادة فحص علاقة الولايات المتحدة بقطر إذا لم تضغط هذه الأخيرة على ’حماس‘." وردّ رئيس الحكومة القطرية بغضب على المطلب قائلاً: "قطر ستفحص استمرار مشاركتها في التوسط في صفقة المخطوفين." ...
- وفي حزيران/يونيو، تناول وزير الدفاع القطري في مؤتمر عُقد في جامعة في تركيا الموضوع، فقال: "لا تعتقدوا أن مكاتب ’حماس‘ في قطر ستغلَق، ليس لأننا نريد بقاءها في قطر، إنما لأننا نريد تسهيل المفاوضات مع الطرفين، والسماح بالتواصل معها بصورة مباشرة..."
- وبات واضحاً لقطر أن الوساطة في صفقة المخطوفين تهدد مكانتها السياسية في المنطقة، وأساساً إزاء الإدارة الأميركية. وبقدر ما تحمّل الإدارة الأميركية وإسرائيل "حماس" المسؤولية عن فشل المفاوضات، فإن قطر التي تمنح الحركة رعايتها وتمثّل مواقفها في المفاوضات تحولت إلى هدف مباشر لهجوم دبلوماسي، الأمر الذي يمكنه أن يُلحق الضرر بعلاقة قطر بإدارة بايدن.
- وبعد انتخاب ترامب، عرفت العلاقات معه صعوداً وهبوطاً بما ساهم في زيادة غموض الوضع؛ ففي 2017، دعم ترامب قرار السعودية ومصر ودولة الإمارات فرض حظر وحصار على قطر، لكن في المقابل، فشل ترامب في محاولته مصالحة دول الخليج مع قطر. وبعد مرور عام، تراجع ترامب وأبرم صفقة بيع للسلاح مع قطر بقيمة 300 مليون دولار.
......
- من ينتظر بفارع الصبر أن يلوّح ترامب بسوطه فوق رأس قطر، عليه ألاّ يتحمس كثيراً. وقبل أن يدخل ترامب البيت الأبيض ويترجم بالأفعال تقديره العميق لأمير قطر، فإن قطر تعتمد على أساس متين من مكانتها المؤثرة في الولايات المتحدة؛ فمنذ سنة 2022، أصبحت لقطر مكانة رسمية كدولة حليفة رفيعة المستوى في الناتو من كونها عضواً في الناتو، كما اكتسبت مكانة عالمية بسلسلة مبادرات وساطة ناجحة قامت بها؛ منها الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان، وتبادُل الأسرى بين الولايات المتحدة وإيران، وخطة لحل النزاع الدموي في تشاد، ومساعي الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران في قضية اتفاق نووي جديد لم تثمر عن نتائج، ومؤخراً كانت قطر فاعلة جداً في المساعي للتوصل إلى حل للأزمة السياسية الخطِرة في لبنان.
- لقد تحولت الوساطة القطرية في النزاعات الإقليمية في نظر الإدارة الأميركية إلى رصيد استراتيجي، وخصوصاً في ضوء اللامبالاة وعجز الدول العربية الأُخرى، كمصر والإمارات أو السعودية. وقرار قطر أن تكون العرابة الأساسية لصفقة مخطوفين هو نتيجة منظومة العلاقات هذه، وإذا فعلاً قررت الانسحاب من الوساطة، فإنها بذلك لا تعبّر فقط عن خيبة أملها العميقة، بل أيضاً عن رغبتها في تقليص الخسائر على المستوى السياسي....
- يمكن الآن توقُّع أن يحاول كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، وعلى رأسهم رئيس السي آي إي وليام برينز ووزير الخارجية بلينكن اللذان وظّفا جهوداً كبيرة للدفع بخطة تحرير المخطوفين، إقناع قطر بالعودة عن قرارها، وتدل لهجة البيان القطري الرسمي أن القناة القطرية لم تغلَق بصورة نهائية.
- لكن مجرد إعلان قطر انسحابها يعني أنها تريد إنقاذ نفسها من المأزق السياسي الذي يتهددها، وأيضاً "تعديل" النظرية الأميركية والإسرائيلية وتوزيع تهمة إفشال المفاوضات بالتساوي على الطرفين، ودفع الولايات المتحدة إلى الضغط على إسرائيل بالطريقة نفسها التي تطلب فيها واشنطن من قطر الضغط على "حماس". بالنسبة إلى المخطوفين وعائلاتهم، فإن هذا خبر سيئ لأنه لا يتركهم من دون وسيط فحسب، بل أيضاً مع حكومة ورئيس حكومة حاول أن يلقي التهمة كلها على "حماس" وقطر، والتنصل نهائياً من أي مسؤولية إزاء مصير أحبائهم.