المؤشرات المقلقة موجودة: ما يمكن أن يجري للجيش في غزة
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- فكرة الاحتلال الفعلي لشمال قطاع غزة، ومن الممكن القطاع برمته، واستعمال مصطلحات ضبابية متعددة، مثل"الحكم العسكري الموقت"،أو استخدام فكرة إنكار الحقيقة الموجودة، واستعمال شركات خاصة يؤمنها الجيش من أجل توزيع المساعدات، يتم تطبيعها في الرأي العام الإسرائيلي بسرعة لا تُصدق. ما كان حتى وقت قصيرمجرد فانتازيا يقودها المتطرفون في الحكومة، بات الآن واقعاًفي قيد التشكل من دون أيّ معارضة سياسية، أو جماهيرية حقيقية. أحد أسباب ذلك هو أن مَن يقود ذلك ليس المستوى السياسي الذي يستفيد منه، بطبيعة الحال، لأسبابه الخاصة؛ بل الجيش، فهو المبادِر والمركز لكل شيء.
- تحت غطاء "نحن لا نقوم بتنفيذ خطة الجنرالات (بما معناه، لا نجوّع المدنيين قصداً)"، ومصطلحات مهنية، مثل "زرع الفرقة بين كتائب حماس"، يقوم الجيش بخطوات تتضمن تهجير السكان وتدمير مناطق واسعة، وأيضاً قتل المدنيين في كثير من الأحيان. هذا ليس مقصوداً، لا سمح الله، لكنه يجري بالتتالي. بحسب تقارير الأمم المتحدة التي لا يتطرقون إليها في إسرائيل قط، في الفترة 24- 29 تشرين الأول/أكتوبر- أي خلال أقل من أسبوع من القتال، وقع ما لا يقل عن 7 مجازر بحق المدنيين. لا يتم التحقيق في هذه القضايا إلا إذا كان هناك تخوّف من تحقيق خارجي.
- تبلغ مساحة محور نيتساريم الآن 56 كيلومتراً - 15% من مساحة القطاع برمته. هناك خطط لبناء محاور كهذه في مناطق مختلفة في شمال القطاع. ومع استكمال البناء، سيكون هناك ما نسبته عشرات في المئة من مجمل القطاع عبارة عن أراضٍ مدمرة أقيمت عليها مبانٍ، وضمنها مواقع ثابتة للجيش. إن مصير المليوني إنسان- ممن يعيشون في شمال القطاع المحاصر والمحتل، ومَن يعيشون في الجنوب المحاصر فقط - يقع الآن على عاتق إسرائيل.
- كتبتُ هنا عدة مرات سابقاً عن الضرر الذي لا يمكن إصلاحه، نتيجة هذا، بمكانة إسرائيل الدولية واقتصادها وحصانتها الداخلية. آن الأوان لتفصيل الضرر الذي يلحق بالجيش نفسه، ويمكن أن يكون الضرر الذي يلحق بالجيش كبيراً جداً ويتغلغل في وقت قصير جداً. واستناداً إلى محادثات أجريتها مع الضباط في الميدان، والأخبار القليلة في الإعلام التي تتطرق إلى هذا الموضوع، وبعد الاطلاع على المعطيات التي يحتفظ بها الجيش لنفسه، أو تتسرب إلى الأخبار بين الحين والآخر، يبدو أن هناك صورة صعبة، لكنها معروفة: مَن يعرف تفاصيل ما جرى للجيش في الفترة 1983-1985 في لبنان، يشعر الآن بأنه يشاهد استعادة مضاعفة بأضعاف الأضعاف.
إخفاق المسؤولية القيادية يتغلغل في المستويات المتدنية
- لا أريد أن أدخل في النقاش بشأن ما حدث، على الرغم من أنه لا يزال يحدث. لكن إليكم ما يمكن أن يحدث خلال وقت قصير: في الوحدات المستنزفة بسبب القتال المستمر، وتحت غطاء الرسالة بأن كل شيء مسموح، فإن الانصياع للأوامر بات ضعيفاً لدرجة أن أحد الضباط وصف هذه الوحدات بأنها "عصابات". لقد استُنزف الانضباط داخل الوحدات، في الأساس، لأنه لم يتم حتى اليوم تحميل المسؤولية لأحد عن الإخفاق الكارثي يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. هناك مَن انسحب من الخدمة بسبب تأنيب الضمير؛ وامتنع الجيش من نشر أيّ تحقيق بعد نشر ما جرى من فضائح في "تحقيق بئيري". والسؤال هو كيف يمكن لضابط فشل هذا الفشل المدوّي أن يفرض شخصيته على جندي أقل رتبةً منه؟ الجيش هو تنظيم لديه مجموعة من القيم، وإن فُقدت، لن يملك أي ّ شيء. وحين لا يحترم الضباط الكبار هذه المجموعة من القيم، فلا يمكنهم فرضها على الجنود الأقل رتبة.
- الأرقام التي يجري عرضها في الجيش النظامي، وأيضاً الاحتياط، باتت كذبة متفق عليها اليوم، ويمكن أن تصبح الصورة أخطر كثيراً. ستتولد في الميدان أطر مفككة ذات كفاءة قتال بعيدة كل البعد عن الوضع المثالي. أمّا الضباط الصغار في السن، فلن يستمروا في الخدمة، بعضهم بسبب الاستنزاف، وبعضهم بسبب المعارضة الداخلية لتنفيذ مهمات لا يفهمونها، أو لا يوافقون عليها. عاش الجيش أزمة مماثلة في ثمانينيات القرن الماضي، واحتاج إلى أعوام طويلة للتعافي منها. وكلما تعمّق احتلال غزة وتحوّل إلى وضع قائم، كلما كانت عملية التعافي صعبة.
- وزير الدفاع السابق يوآف غالانت (الذي صادق على هذه الخطوات) قدّر أن حجم القوات المطلوبة لإدارة الحكم العسكري في غزة 4 فرق.كيف سيتم تجنيد هذه الفرق؟ عبر زيادة مدة الخدمة الإلزامية، أو عبر مزيد من الألاعيب لتهرّب الحريديم المستمر من الخدمة العسكرية؟ أم أن هذا سيجري عبر زيادة السن الأقصى للخدمة في جيش الاحتياط، أو مطالبتهم بالخدمة للمرة الرابعة والخامسة وزيادة الثقل الاجتماعي والاقتصادي والقيمي الذي لا يُحتمل في الوقت الذي تشجع الحكومة على التهرب من الخدمة؟
- لن تُستغل ميزانية الأمن، التي تتضخم باستمرار على حساب الاقتصاد والنمو،من أجل تجهيز القوات لمواجهة مستقبلية، أو من أجل إحداث تغييرات مطلوبة في أعقاب استخلاص دروس الحرب في غزة، إنما ستُستعمل للحفاظ على الاحتلال في القطاع. خلال الأشهر التسعة الأولى من القتال، كانت تكلفة الموارد البشرية 25% من الإنفاق الحربي. إذا حدث هذا السيناريو، فإن هذه النسبة سترتفع فقط على حساب التزود بالسلاح والتدريبات.
- انتهاكات القيم الأخلاقية للقتال التي تتعامل معها فئات داخل المجتمع الإسرائيلي على أنها عبء تحررنا منه بسبب "وحشية" العدو، يمكن أن تتحول إلى شيء يومي. وإذا حدثت هذه الانتهاكات، فلن تسمعوا عنها لأن الإعلام لا ينشر الأخبار عنها، وستعرفون فقط من بعض الجنود الذين يلتقطون الصور في شبكات التواصل الاجتماعي. في هذه الحالة، ستتسع الفجوة ما بين ما يسميه الجنرال غاي حزوت "جيش السايبر وجيش الفرسان": مَن لا يريد المخاطرة بنفسه، حرفياً، في خدمة من هذا النوع، سيجد مكانه في الجيش الذي لا تدوس أقدامه أرض غزة.
- هذا السيناريو ليس مبالغاً فيه، وجزء منه يجري فعلاً، ويمكن للبقية أن تحدث مستقبلاً لأن هذا ما حدث سابقاً. يتحدث كبار الضباط عن هذا السيناريو بصوت منخفض لأن الحديث عنه بصوت مرتفع يمكن أن يعرّض حياتهم المهنية للخطر. الطريقة الوحيدة لمنع ذلك هي أن تعود القيادة العليا إلى رشدها وترص صفوفها ضمن قيَم الجيش نفسه، وأن تقف في مواجهة المستوى السياسي، الذي يكنّ جزء منه العداء لها، بينهم رئيس الحكومة، ويريد أن يحمّلها المسؤولية الحصرية عن الإخفاق، وأن تقول الحقيقة له ولنا. نحن نقاتل منذ 14 شهراً، ومثل هذا لم يحدث قط من ذي قبل.