هذا ليس فقط اتفاقاً مع لبنان: التحدي الحقيقي الذي ينتظر إسرائيل
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- في هذه الأيام، يتنقّل المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين بين لبنان وإسرائيل من أجل وضع اللمسات الأخيرة على صيغة اتفاق لوقف إطلاق النار بين البلدين. والاتفاق المطروح، بالإضافة إلى أنه سيمهّد الطريق لعودة سكان الشمال إلى منازلهم، فإنه يشكل فرصة لعملية أوسع من أجل إعادة بلورة وجه الشرق الأوسط. إن إمكان تغيير الواقع الإقليمي بما يتلاءم مع المصالح الإسرائيلية، يتطلب منا النظر إلى الصورة الكبيرة والتركيز على التهديد المركزي الآن، وهو إيران، والامتناع من الإصرار غير المجدي على صيَغ غير ضرورية للاتفاق مع لبنان، والتي لا تتطلب موافقة، وهي مرتبطة في الأساس بقرار إسرائيلي، وبموافقة الجانب الأميركي.
نظام أمني جديد في الشمال
- ومن المنتظر أن يخلق الاتفاق الجارية مناقشته بين الأطراف نظاماً أمنياً أفضل ومتعدد الطبقات في الجنوب اللبناني، استناداً إلى قرار مجلس الأمن 1701، والغرض منه منع الوجود العسكري لحزب الله في جنوبي الليطاني، والذي يشكل تهديداً مباشراً لسكان شمال إسرائيل. هناك الجيش اللبناني في الطبقة الأولى، والذي سيزيد وجوده بصورة كبيرة، وسيعزز انتشاره في الجنوب اللبناني؛ في الطبقة الثانية، ستساعده قوات اليونيفيل التي ستعمل بصورة أكثر تشدداً من الماضي، على الرغم من أننا لا نعقد آمالاً كبيرة عليها؛ وإلى جانب الجيش اللبناني واليونيفيل، ستنضم آلية مراقبة وتنفيذ دولية، بقيادة الولايات المتحدة ومشاركة فرنسا وبريطانيا وألمانيا التي يعارض لبنان مشاركتها في هذه المرحلة.
- تحت هذا الغطاء، تسعى إسرائيل لعملية إقليمية ودولية متكاملة من أجل إغلاق حدود لبنان مع سورية من البحر والجو لمنع نقل السلاح إلى حزب الله، ويشمل هذا أيضاً الضغط على النظام السوري لمنع تهريب العتاد العسكري عبر سورية إلى لبنان، والابتعاد عن دائرة نفوذ المحور الراديكالي، بقيادة إيران. ومن المفيد أيضاً السعي لإيجاد إطار عمل لتنفيذ القرار 1559 الذي يطالب بنزع سلاح الميليشيات في لبنان، كمستند شرعي، وكأفق للمستقبل.
- فوق هذا كله، سيكون هناك طبقة الدفاع الأساسية في إطار تغيير الواقع الأمني في الشمال، والتي ستعطي إسرائيل حق فرض نزع السلاح من الجنوب اللبناني بالقوة، ومنع بناء حزب الله قواته وعودته إلى الجنوب اللبناني. ومن الواضح أنه انطلاقاً من تجربة الماضي، ومن ميزان القوى في لبنان، أن اليونيفيل والجيش اللبناني لن يتمكنا من مواجهة حزب الله بالقوة، ويمكن لآلية المراقبة الدولية تقديم أساس صلب لمنع إعادة تمركُز حزب الله، بخلاف القرار 1701، وربما فرض عقوبات على كبار الشخصيات اللبنانية، لكن يجب ألّا نتوقع أن تعالج الألية الدولية بنفسها خروق الاتفاق. كما أن قيام إسرائيل بفرض تطبيق الاتفاق مباشرةً، هو عملياً توسيع "المعركة بين الحروب" إلى لبنان، بالإضافة إلى سورية، وسينطوي هذا على مخاطر تصعيد من نوع أيام قتالية ستخرق الهدوء في الشمال. وحدها الأيام المقبلة، ستُظهر لنا كيف ستتصرف الحكومة الإسرائيلية بعد وقف إطلاق النار، في حال بدأ حزب الله ببناء قوته من جديد.
- إن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وعن مواطنيها، ليس موضع جدل، ومن المؤكد أنه ليس مرتبطاً بموافقة الحكومة اللبنانية في إطار اتفاق. الإصرار على الصيغ ضمن هذا الإطار لا لزوم له، وليس من الصواب الاستمرار في القتال وتعريض حياة جنودنا للخطر من أجل تحقيق هذه التعديلات، وبدلاً من ذلك، يجب التوصل إلى تفاهمات جانبية مع الولايات المتحدة، تضمن أن تقدم لها الدعم الاستراتيجي وشبكة أمان سياسية في الساحة الدولية، بالإضافة إلى ضمانات أميركية بشأن تقديم مساعدة من أجل التسلح الدفاعي والهجومي عندما تحتاج إسرائيل إلى العمل في لبنان لفرض الاتفاق.
- إن تغيير الواقع الأمني الذي تحقّق في لبنان يحسّن ظروف التشجيع على عودة السكان إلى منازلهم. لقد أزيلَ التهديد بغزو قوات الرضوان وإطلاق الصواريخ القصيرة المدى، وأيضاً جرى القضاء على آلاف "المخربين" وتدمير البنى التحتية العسكرية لحزب الله على خط القرى الأول، وإلى حد ما، على الخط الثاني، وتلقّت منظومة النار لدى الحزب ضربة قوية، وهو ما أدى إلى تقلُّصها بصورة كبيرة، وتم القضاء على القيادات العسكرية والسياسية للحزب. في مثل هذه الظروف، إن التغيير الأكثر جوهريةً، بعد الحرب، هو المتعلق بحرية عمل إسرائيل في لبنان والمحافظة على الإنجازات العسكرية وإعادة فرضها عند الضرورة. وإذا كانت القوة النارية القوية لحزب الله قد ردعت إسرائيل في الماضي عن العمل في لبنان، خوفاً من التدهور إلى حرب شاملة، فإن هذه الحرب أصبحت اليوم وراءنا، وتهديد حزب الله أصبح ضعيفاً، حتى لو لم يتم القضاء عليه تماماً.، ومثلما هي الحال في غزة، تستطيع إسرائبل أن تستخدم القوة والرد بشدة على أيّ هجوم على أراضينا.
- الأضرار التي لحِقت بحزب الله ووقف إطلاق النار سيسمحان للجمهور اللبناني بمحاسبة الحزب على المستوى السياسي بسبب جرّه لبنان إلى كارثة كانت معروفة مسبقاً، وبسبب الدمارالذي لحِق بأجزاء كبيرة من البلد، وكارثة أكثر من مليون مواطن اضطروا إلى مغادرة منازلهم، بالإضافة إلى الكارثة التي لحِقت بالاقتصاد الهش.
في الطريق إلى إعادة بلورة الشرق الأوسط
- منذ اللحظة التي سيدخل فيها وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، سيُفك الارتباط القتالي بين لبنان وغزة، وسيتلاشى حلم "وحدة الساحات" ويتبدد. وستجد "حماس" نفسها معزولة في المحور الراديكالي، لأن إيران أيضاً لا تريد الدخول في مواجهة مع إسرائيل، بعد الضربة الأخيرة التي تلقّتها من سلاح الجو الإسرائيلي، وخوفاً من خطوات الإدارة الأميركية المقبلة؛ وأيضاً في العراق، تزداد الانتقادات للميليشيات، خوفاً من أن تؤدي هجماتها إلى رد إسرائيلي.
- المطلوب من إسرائيل استغلال الفرصة من اجل تحقيق واجبها الأسمى، والموضوع في أعلى جدول أولوياتها الوطنية، أي إعادة المخطوفين في أسرع وقت ممكن بواسطة صفقة، ولو بثمن إنجازات موقتة لما تبقى من "حماس".
- إنهاء الحرب في لبنان، وخصوصاً ما إذا كان هذا سيؤدي إلى تهدئة وإطلاق سراح المخطوفين في غزة، ضروري أيضاً على المستوى الاستراتيجي، ويسمح لإسرائيل بـ"تنظيف الطاولة"، قبل دخول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض من أجل تركيز الحوار معه على معالجة التهديد الأكبر لنا، وهو إيران ومساعيها النووية.
- إنها فرصة حقيقية. فإيران والمنظومة الدولية هما على مسار تصادمي بشأن توسّع برنامج إيران النووي، حسبما ظهر في التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة النووية. التوجه الصقري للدول الأوروبية حيال طهران، يأتي على خلفية السلاح الذي تزود به روسيا في حربها ضد أوكرانيا. يصرّح موظفو ترامب بأنه منذ اليوم الأول لتولّيه منصبه، سيفرض "الضغط الأقصى" على إيران من أجل تجفيف موارد "الإرهاب" والصواريخ والنووي، وسيضغط عليها من أجل العودة إلى اتفاق أفضل...
- في الخلاصة، وفي ضوء التغييرات العسكرية والمهمة إزاء حزب الله والمحور الراديكالي عموماً، وإمكان إعادة بلورة ساحة الحرب والجبهات المتعددة، من مصلحة إسرائيل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق للنار مع لبنان، يخفف العبء الذي لا يُحتمل عن الاحتياطيين والاقتصاد. من جهة ثانية، يجب عدم الإصرار على أهداف غير واقعية، مثل نزع سلاح حزب الله، حسبما قال وزير الدفاع كاتس مؤخراً. وكما أثبتت الحرب في غزة، هذا الهدف الأقصى الذي يمكن أن يستنزف منظومة سلاح الاحتياط والاقتصاد في الجنوب اللبناني طوال سنوات. وفي أيّ حال، بعد توقيع الاتفاق، وبغضّ النظر عن الصيغ، ستقف إسرائيل أمام اختبار فرض نزع السلاح من المنطقة الواقعة في جنوبي الليطاني ومنع تهريبه من سورية.