حرب الوعي ضد إيران، والضربة التي من شأنها أن تردع الحوثيين
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • هذا النقاش الحاد في الإعلام الإسرائيلي والأميركي بشأن ضرب المنشآت النووية الإيرانية، ثم توجيه ضربات موجعة إلى الحوثيين في اليمن، هو أقرب إلى حرب وعي منه إلى نيات أو تخطيطات عملية ملموسة؛ إذ أثارت الإصابات المباشرة للصواريخ الباليستية التي أُطلقت من اليمن، والتي فشلت منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي في اعتراضها، إحباطاً كبيراً لدى الجهات السياسية والأمنية في إسرائيل وواشنطن. وقد أججت هذه الأحداث النقاش العلني بشأن ما إذا كان يمكن الاكتفاء بضربات موجعة للحوثيين لردعهم عن الهجمات على إسرائيل والملاحة الدولية، أم إن الأمر يستدعي استهداف الإيرانيين، الرعاة الرئيسيين للحوثيين والجهة التي تزودهم بالصواريخ والطائرات المسيّرة.

أنموذج يشبه الأنموذج الكوري الشمالي

  • ولتوضيح الأمور، فَلْنَعُدْ إلى توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في لبنان نهاية تشرين الثاني/نوفمبر، وانهيار النظام السوري مباشرة بعد ذلك. لقد وجّه هذان الحدثان ضربة قاسمة إلى محور المقاومة الشيعي بقيادة إيران، وأثارا مخاوف فورية من أن إيران المحبطة ربما تسارع نحو ملْك السلاح النووي، وهذا الأمر أثار قلقاً كبيراً في كل من القدس وواشنطن، إذ كان واضحاً أن النظام الإيراني، الذي خسر مواطئ قدمه الأمامية والأنشوطة النارية التي حاول لفها على عنق إسرائيل، سيبحث عن بديل ملائم على غرار كوريا الشمالية؛ إذ اندفعت الأخيرة نحو ملْك السلاح النووي، وهو ما أكسبها حصانة ضد أي هجوم من جانب الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
  • ولردع إيران، فقد عُقدت جلسات إحاطة تم خلالها التلميح بوضوح إلى أن موضوع ضرب منشآت إيران النووية بات مطروحاً على الطاولة. ويأتي ذلك بعد قيام سلاح الجو الإسرائيلي في أواخر تشرين الأول/أكتوبر بشن غارة دمرت المكونات الرئيسية لأنظمة الدفاع الجوي الإيراني، بالإضافة إلى القدرات الإيرانية لإنتاج الوقود الصلب للصواريخ وتجديد المخزون الإيراني المتناقص من الصواريخ الباليستية.
  • وفي هذه الأثناء، لمّحت الجهات الأمنية في إسرائيل والولايات المتحدة إلى أن إيران لا تستطيع فعلياً المجازفة بالتقدم نحو تطوير السلاح النووي، لأنها لن تتمكن من إحراز تقدُم كبير قبل أن تُستهدف من جانب إسرائيل، وربما أيضاً من الولايات المتحدة.
  • ويُضاف إلى ذلك المصاعب الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها إيران حالياً. والأهم من ذلك أنه على الرغم من أن إيران تملك كمية كافية من اليورانيوم المخصب بدرجة عالية تكفي لصنع 4 أو 5 قنابل نووية بقوة التدمير التي دمرت هيروشيما وناغازاكي، فإنها لم تتمكن بعد من تطوير جهاز التفجير، ولم تتمكن من تصغير جهاز التفجير النووي المصنوع من اليورانيوم المخصب ليصبح رأساً حربية يمكن تركيبها على صاروخ باليستي يصل إلى إسرائيل.
  • صحيح أن إيران، من حيث تخصيب اليورانيوم، تُعتبر فعلاً دولة على العتبة النووية، لكن وفقاً لتقديرات أجهزة الاستخبارات في إسرائيل والولايات المتحدة، فإنها لا تزال على بُعد 10 أشهر، إلى سنة ونصف السنة من القدرة على تصنيع قنبلة نووية.
  • إن الوضع الحالي، الذي تملك إيران فيه فعلاً كمية كافية من اليورانيوم المخصب لتصنيع 4 رؤوس حربية نووية في غضون أسابيع قليلة، لكنها تفتقر إلى المعرفة والقدرة والوسائل لتصنيع تلك الرؤوس النووية القابلة لتثبيتها على صواريخ باليستية، يجعل ضرب المنشآت النووية أمراً غير ذي جدوى كبيرة؛ فحتى لو قامت إسرائيل، بمساعدة الولايات المتحدة أو من دونها، بقصف المنشآت النووية في نطنز وفوردو الواقعتين في أعماق الأرض، فإن اليورانيوم المخصب، الذي تم تحويل جزء منه إلى كرات معدنية من اليورانيوم تشكّل نواة القنبلة، لن يكون في الإمكان تدميره، وهذا اليورانيوم مخفي في أعماق الأرض، في مكان ما داخل إيران، وتدميره يتطلب قدرات أكبر كثيراً.
  • بكلمات أُخرى؛ إن القدرة على إحباط عملية تخصيب اليورانيوم فاتتنا فعلاً، بينما لا تزال إيران مفتقرة إلى القدرة على تطوير جهاز تفجير نووي ومأسسة المعرفة والقدرة، وتحويله إلى رأس حربي نووي للصواريخ.

الهدف: التوصل إلى معاهدة نووية

  • وفقاً لتقارير أجنبية، فإن المنشأة الرئيسية التي كانت إيران تعمل فيها على تطوير جهاز التفجير والرأس الحربي النووي استهدفتها إسرائيل ودمرتها في تشرين الأول/أكتوبر من هذه السنة، وبالتالي، فإن ما تبقّى الآن هو محاولة استهداف مكون آخَر من مكونات البرنامج النووي الإيراني، وهو الصواريخ الباليستية، ومنصات الإطلاق، ووسائل الإنتاج. لكن هذه العناصر موزعة على عشرات المواقع في إيران، وستحتاج إسرائيل، لضربها، إلى عدد كبير من الطائرات والصواريخ في الموجة الأولى، ثم استكمال المهمة على مدى أيام طويلة.
  • وعلى سبيل المثال؛ يمكن الإشارة إلى عملية "حيتس هبشان"،[1]  إذ دمر سلاح الجو الإسرائيلي الأسلحة الاستراتيجية، وسلاح الجو، ومنظومات الدفاع الجوي السورية. وقد استغرقت الضربة الأولى 72 ساعة، لكن بعد ذلك، اضطر سلاح الجو إلى مواصلة الهجمات على أهداف إضافية لمدة 10 أيام، وما زال ينفذ هجمات في سورية حتى اليوم.
  • أمّا في إيران، فإن السيناريو المتوقع هو أنه بعد الضربة الأولى، فسنحتاج إلى إدارة حرب استنزاف على مسافات تتراوح بين 1600 كيلومتر و2000 كيلومتر، ولمدة أيام طويلة. وفي كل الأحوال، فستكون هناك حاجة إلى دعم من الولايات المتحدة.
  • وبناءً عليه، فإن شن هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية ليس هو التحرك الموصى به حالياً لدى دوائر صنع القرار في الحكومة الإسرائيلية، ولا لدى قيادات المنظومة الأمنية. ومع ذلك، فمن الجيد جداً أن الإيرانيين يعتقدون أننا يمكن أن نُقْدِمَ على ذلك، فهذا ما يردعهم عن الانطلاق بسرعة نحو تصنيع القنبلة النووية. إن التهديد الإسرائيلي الضمني بالتحرك ضد إيران يهدف أيضاً إلى مساعدة الرئيس ترامب في تحقيق التسوية الدبلوماسية التي يسعى لها مع إيران.
  • لا يريد ترامب حرباً في الشرق الأوسط، إنما يريد التوصل إلى اتفاق نووي جديد وجيد يحل محل الاتفاق الذي وقّعه الرئيس أوباما سنة 2015. وفي هذا الصدد، سيساعد التهديد الإسرائيلي الذي يثير الذعر في طهران ترامب في تحقيق هدفه عندما يتولى منصبه في البيت الأبيض في 21 كانون الثاني/يناير. ترامب لا يريد حرباً في الشرق الأوسط، إنما يريد إيران مقيدة وضعيفة، والعصا التي يستخدمها لتحقيق ذلك هي ذات شقَين: العقوبات الاقتصادية، والتهديد الإسرائيلي، أمّا الجزرة التي سيقدمها إلى الإيرانيين، فهي التوصل إلى اتفاق نووي جديد.

تحكُّم الحوثيين بطرق الملاحة البحرية بما يشمل الحاويات والسفن

  • ماذا بشأن الحوثيين إذاً؟ علينا أن نعلم، أولاً، أن الحوثيين ليسوا خاضعين لقيادة إيران أو إدارتها، إنما يقدّمون إليها المساعدة فقط، ولذلك، فإن استهداف إيران لن يغير شيئاً بالنسبة إلى النظام الحوثي. ويخوض الحوثيون حرب استنزاف ضد إسرائيل باستخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة، لأن دعمهم للقضية الفلسطينية يُكسبهم تأييداً داخلياً في اليمن وفي العالم العربي بصورة عامة. وبالإضافة إلى ذلك، فإنهم راضون كثيراً عن المكانة الدولية التي اكتسبوها بعدما أظهروا أنهم الجهة التي تقرر ما إذا كانت هناك تجارة بحرية في البحر الأحمر، ومنها إلى قناة السويس، أم لا.
  • وهذه المكانة، التي تجعل الحوثيين طرفاً عالمياً قادراً على تعطيل الاقتصاد العالمي، نالت إعجابهم، وهُم يحاولون، بصورة تكاد تكون منفصلة عن إيران، تغيير النظام العالمي، وكما أشار رئيس الوزراء، فالإيرانيون يزودون الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيّرة عبر عمليات تهريب عن طريق البحر.
  • وهناك صعوبة في مواجهة الحوثيين، وخصوصاً بسبب البُعد الجغرافي، وبسبب محدودية الموارد الاستخباراتية التي تستطيع إسرائيل تخصيصها للقيام بالمتابعة وجمْع معلومات بشأن أهداف دقيقة في اليمن. إن التحديات الاستخباراتية، وتلك التحديات المتعلقة بالمسافة الجغرافية تجعل من الصعب تنفيذ عمليات فاعلة لتعطيل وسائل إنتاج وإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة.
  • وهناك مشكلة رئيسية أُخرى، وهي أن الحوثيين لا يتأثرون بالضربات التي تستهدف بنيتهم التحتية الاقتصادية أو مؤسساتهم الحكومية؛ فقد خاضوا حرباً ضد السعودية والتحالف المساند لها في الفترة 2015 - 2019، ولم يؤثر فيهم مقتل عشرات الآلاف من مواطنيهم نتيجة القصف والمجاعة، ولم يمنعهم من مواصلة القتال. لذلك، فإن استهداف الأهداف والبنية التحتية المدنية لن يردع الحوثيين،
  • لكن الذي يمكنه أن يدفعهم إلى تغيير موقفهم هو بالضبط ما دفع حزب الله إلى ذلك، أي القضاء على القيادة الحوثية وتوجيه ضربات مدمرة إلى الصواريخ الباليستية، والطائرات المسيّرة، ومنصات الإطلاق، ووسائل إنتاجها. يتعيّن على إسرائيل، لردع الحوثيين، أن تفعل معهم ما فعله الجيش الإسرائيلي والموساد بقيادة حزب الله وسلاحه الاستراتيجي في لبنان ونظام الأسد في سورية. ونظراً إلى البُعد الجغرافي والعوائق الاستخباراتية، فلن تستطيع إسرائيل القيام بذلك بمفردها، فهي في حاجة إلى شراكة كاملة مع القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) والأسطول الخامس الأميركي في عملية كهذه، لأنهم موجودون في المنطقة، في البحر العربي والبحر الأحمر، مع حاملات الطائرات، ومدمرات الصواريخ، وغيرها من القدرات.
  • ولقد امتنعت إدارة بايدن من توجيه ضربة قاسية إلى اليمنيين خشية اندلاع حرب إقليمية. وعلاوة على ذلك، فقد حذّر البنتاغون البيت الأبيض من أن مخزون صواريخ الاعتراض التابعة لمنظومة "إيجيس" على السفن الحربية الأميركية آخذ في النفاد.
  • ولهذه الأسباب، امتنعت إدارة بايدن حتى أول أمس من توجيه ضربة مدمرة إلى مخازن الصواريخ ومقرات الحوثيين. وتأمل إسرائيل الآن أن يؤدي دخول ترامب البيت الأبيض إلى تغيير هذا الوضع، وأن يقوم ترامب بإزالة العوائق التي فرضها البيت الأبيض الحالي على القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) فيما يتعلق بشن الهجمات في اليمن. كما تأمل أن تتفق مع الولايات المتحدة، بعد تولّي ترامب الرئاسة، على عملية مشتركة تعيد تحجيم الحوثيين وتمنعهم من أن يصبحوا قوة مخلة بالنظام والاقتصاد العالميَين.
  • سيتولى ترامب الرئاسة في أوضاع تقصي خيار اندلاع الحرب الإقليمية عن المتناول الإيراني أو اليمني. وهذا ما قصده رئيس الوزراء، على الأرجح، عندما طلب بالأمس من مواطني إسرائيل التحلي بالصبر، مشيراً إلى الانتظار إلى أن يدخل ترامب البيت الأبيض، وعندها، سيتم التعامل مع الحوثيين بالصورة المناسبة.

_________

[1] عملية "حيتس هبشان" (أو "سهم الباشان" بالعربية) هي العملية العسكرية الإسرائيلية الجارية على الأراضي السورية عقب سقوط نظام الأسد. في الأيام الأولى للعملية، سيطر جيش الاحتلال الإسرائيلي على مواقع استراتيجية في قمة جبل الشيخ، ثم قام بمناورات في المنطقة الفاصلة بين الجولان المحتل سنة 1967 وباقي هضبة الجولان (حتى مسافة 20 كيلومتراً من دمشق). وبالتوازي مع ذلك، شملت العملية تدمير الجيش الإسرائيلي لما قيل إنه نحو 80% من القدرات الاستراتيجية للجيش السوري النظامي، عبر عمليات قصف جوي وبحري، خوفاً من انتقالها إلى جهات معادية لإسرائيل. وشملت الهجمات تدمير مقاتلات جوية، ومروحيات، وصواريخ، ومحطات رادار، ودبابات، وسفن حربية، وزوارق إضافية. وأدت العملية، حتى تاريخ 20 كانون الأول/ ديسمبر 2024، إلى الاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي السورية.

أمّا اسم "باشان"، فهو تسمية جغرافية توراتية تشير إلى منطقة تاريخية قديمة تقع شرق نهر الأردن، وتشمل أجزاء من مرتفعات الجولان السورية اليوم. وكانت هذه المنطقة معروفة في النصوص التوراتية بخصوبتها وأهميتها الزراعية، وغالباً ما يُشار إليها في سياقات دينية وتاريخية كجزء من أراضي "القبائل الإسرائيلية" التي ورد ذكرها في التوراة. فعلى سبيل المثال؛ ورد في سفر التثنية 3:10-11: "جميع مدن السهل، وكل جلعاد، وكل باشان حتى سلخة وإذراع، مدن مملكة عوج في باشان." [المترجم]