من دون الأونروا، مَن يقدّم التعليم والخدمات الصحية إلى مئات الآلاف من الفلسطينيين؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • كانت الأونروا مسؤولة طوال 75 عاماً عن حماية اللاجئين الفلسطينيين وتأمين رفاهم، وكان من المفترض أن تكون تدبيراً موقتاً، وكان من المتوقع انتهاء عملها منذ تأسيسها. والخيار الذي نواجهه اليوم هو ذهاب عشرات الأعوام من العمل هباء عبر التفكيك الفوضوي والمتسرع للوكالة، أو اختيار عملية سياسية تتيح لها تأمين التعليم والمعالجة الصحية لملايين اللاجئين الفلسطينيين إلى أن تتمكن المؤسسات الفلسطينية من القيام بذلك.
  • في الشهر المقبل، من الممكن أن تضطر الوكالة إلى وقف عملها في الأراضي الفلسطينية المحتلة إذا جرى تطبيق القرار الذي أقره الكنيست، وستؤدي القوانين الجديدة إلى توقف العمل الإنساني في قطاع غزة، وتوقُف الخدمات الضرورية التي تقدَّم إلى ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، كما ستؤدي إلى زوال الطرف الذي يشهد على الفظائع والظلم الذي يعاني جرّاءه الفلسطينيون منذ عقود.
  • إن رغبة شعوب العالم يجري التعبير عنها عبر قرارات الأمم المتحدة التي تحاول الحكومة الإسرائيلية الآن إفشالها وتفكيك وكالة تعمل فيها. وقد قوبلت هذه المحاولة في البداية بإدانة وغضب شعبيَين، لكن هذا تبدد لافتقاره إلى العمل السياسي. وإن عدم وجود شجاعة سياسية وزعامة أخلاقية لا يبشر بالخير لنظامنا الدولي.
  • إن المطروح على المحك هو حياة اللاجئين ومستقبلهم؛ فمنْع حصولهم على التعليم والخدمات الصحية والاجتماعية الأُخرى سيكون بمثابة كارثة لأجيال طويلة. والتعاون مع هذه المحاولة سيقوّض إنسانيتنا جميعاً وشرعية النظام الدولي. إن انتهاك معاهدة روما لا يترافق مع عقوبات سياسية واقتصادية أو قضائية، وقرارات مجلس الأمن والجمعية العمومية تُستقبل بتجاهُل مطلَق تقريباً، وأحكام المحكمة الدولية للعدل قوبلت بالتحدي. وكل هذا يشكل استخفافاً بالقانون الدولي والمبادئ التي يستند إليها.
  • تترافق الحرب على القطاع وعلى الفلسطينيين مع هجوم على كل من يخرج للدفاع، سواء بالكلام أو بالأفعال، عن حقوق الإنسان والقانون الدولي، وضحايا الحرب. إن العاملين في المجال الإنساني الذي أمضوا سنوات في خدمة المواطنين يتعرضون للهجوم ويوصَفون فجأة بـ"المخربين" أو مؤيدي "الإرهاب"، وكل من ينتقد سياسة إسرائيل وأعمالها يصبح هدفاً للملاحقة والترهيب، وتنتشر الدعاية التحريضية لوزارة الخارجية الإسرائيلية على المواقع الرئيسية في الولايات المتحدة وأوروبا، وكل ذلك لتحويل الانتباه عن وحشية الاحتلال غير القانوني والجرائم التي تُرتكَب من دون عقاب.
  • وتُبرر الحكومة الإسرائيلية والجهات المرتبطة بها مواقفها ضد الأونروا بحجة أن "حماس" اخترقت الوكالة، وقد جرى التحقق من كل هذه الاتهامات مدعومة بالأدلة. وفي هذه الأثناء، تتهم "حماس" قيادة الأونروا بالتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي، وتعارض جهود الوكالة من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان والمساواة الجندرية. إن الأونروا ليست طرفاً في الحرب، إنما هي إحدى ضحاياها.
  • إن الجهود المبذولة لتشويه سمعة الأونروا تهدف إلى إلغاء وضع اللجوء عن الفلسطينيين، ويُعتبر هذا تغييراً من طرف واحد للإطار الذي وُضع للحل السياسي للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. وكل ذلك عبر تجاهُل علاقة الأونروا ووضع اللاجئ الفلسطيني، وعبر تحديد الأمم المتحدة هذا الوضع قبل قيام الوكالة.
  • يقف المجتمع الدولي أمام منعطف طرق؛ فإمّا أن يتخلى عن واجبه بتقديم حل سياسي لقضية فلسطين، ونكون إزاء عالَم بائس تكون فيه إسرائيل هي القوة المحتلة والمسؤولة الوحيدة عن السكان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو ربما عبر تلزيم الاحتلال إلى مقاولين ثانويين أو أطراف خاصة أقل التزاماً إزاء المجتمع الدولي، وإمّا، في الاتجاه الآخر، يكون عالماً يدافع بثبات عن النظام العالمي، ويجري فيه تسوية القضية الفلسطينية بالوسائل السياسية. هذا هو الاتجاه الذي اختاره التحالف العالمي من أجل تحقيق "حل الدولتين" بقيادة السعودية والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية. ويهدف هذا الجهد إلى إحياء مبادرة السلام العربية، ويطمح إلى تعبيد الطريق نحو حل الدولتين وبناء قدرة حُكم فلسطينية تقود دولة فلسطينية عتيدة تشمل قطاع غزة.
  • هذا هو المسار الذي من المفترض أن تدعمه الأونروا منذ تأسيسها، وما دامت لم تنشأ دولة فلسطينية، فإن الوكالة مكلفة بألاّ يُحكم على الأطفال في غزة بالعيش في قرى مدمرة من دون تعليم أو أمل. ولن تتمكن أي هيئة أُخرى غير الدولة من تأمين التعليم لمئات الآلاف من الأطفال، وتقديم الخدمات الطبية الأولية إلى ملايين الفلسطينيين. وكجزء من الحل السياسي، تستطيع وكالة الأمم المتحدة للّاجئين أن تنهي بالتدريج دورها المنوط بها بحيث ينضم المعلمون والأطباء لديها إلى المؤسسات الفلسطينية المعززة.
  • لن نتخلى عن فرصة إحباط مستقبل كارثي تشكل فيه قوة النار والدعاية حجر الزاوية في النظام العالمي، وهما اللذان يحددان أين ومتى يتم تطبيق حقوق الإنسان وسيادة القانون. إن الأدوات والمؤسسات اللازمة لحماية النظام الدولي كافية، وما علينا إلاّ أن تكون لدينا الشجاعة المطلوبة من أجل استخدامها.