حل المشكلة الحوثية ليس في إيران
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • منذ اندلاع حرب "السيوف الحديدية"، يعمل الحوثيون في اليمن ضد دولة إسرائيل بهدف ممارسة ضغط عليها لإنهاء المعركة في قطاع غزة، ويرتكز نشاطهم على إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة في اتجاه أراضي دولة إسرائيل (بدأ الأمر بمهاجمة منطقة إيلات، ومع التحسينات التكنولوجية التي نفذها الحوثيون، باتوا يستهدفون أيضاً منطقة "غوش دان")،[1]  بالإضافة إلى شن هجمات في المجال البحري ضد أي سفينة تعبر مضيق باب المندب، وتكون وجهتها إسرائيل.
  • وردّاً على نشاطات الحوثيين ضدها، فقد اكتفت إسرائيل بردود محدودة تستند إلى قدرات سلاح الجو الإسرائيلي، الذي نفذ أربع ضربات خلال السنة الماضية استهدفت مواقع بنى تحتية في اليمن، وخصوصاً في منطقة ميناء الحديدة والعاصمة صنعاء، وفي الهجوم الأخير الذي نُفذ في 26 كانون الأول/ديسمبر، كان مطار صنعاء الدولي هدفاً للهجوم الإسرائيلي. وربما تكون هذه النشاطات قد حققت نجاحاً على المستوى العملياتي، لكنها لم تغيّر الواقع الحالي بصورة فعلية، وذلك لأن الحوثيين لم يتوقفوا عن قصف إسرائيل، وهو ما أدى عملياً إلى "تجفيف" نشاط ميناء إيلات، الذي أصبح نشاطه معطلاً بالكامل حالياً.
  • يبدو مؤخراً أن الحوثيين تحولوا إلى مرحلة جديدة في معركتهم مع إسرائيل، إذ يحاولون الآن إنهاك سكانها عبر إطلاق صواريخ نحو "غوش دان" بصورة شبه يومية خلال الليل. ويفترض الحوثيون أنه حتى لو تم اعتراض هذه الصواريخ، فإنها تؤدي غرضها، لأنها تفرض ضغطاً على السكان الإسرائيليين؛ إذ إن صافرات الإنذار الليلية تُطلَق في مناطق واسعة من "غوش دان" - وتظل كذلك حتى بعد اعتراض الصواريخ بنجاح - بسبب الخوف من سقوط شظايا الاعتراض.
  • ونظراً إلى عدم فاعلية الرد الإسرائيلي ضد الحوثيين، والتحدي العملياتي الذي يفرضونه على دولة إسرائيل، فقد بدأت أصوات بارزة في المنظومة الأمنية الإسرائيلية تدعو إسرائيل إلى التفكير في استهداف إيران مباشرة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى وقف إطلاق الصواريخ من اليمن. وتستند هذه الدعوة أساساً إلى حقيقة أنه بعد ضعف حزب الله الملحوظ، ونتائج الهجوم الإسرائيلي في 26 تشرين الأول/أكتوبر الذي أضر بشدة بمنظومة الدفاع الجوي في طهران، وقدرات إيران على إنتاج الصواريخ، أصبحت قدرة إسرائيل على العمل ضد إيران وداخل أراضيها أسهل نسبياً.
  • ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه حتى لو كانت إسرائيل قادرة عملياتياً على التحرك علناً ضد إيران، فإن هناك شكوكاً كبيرة جداً بشأن ما إذا كان الهجوم على إيران سيغير شيئاً في حسابات الحوثيين بشأن استمرار نشاطاتهم ضد إسرائيل، لأن علاقة إيران بالحوثيين بعيدة كل البعد عن كونها علاقة راعٍ بربيب. صحيح أن الحوثيين يستفيدون من دعم إيران في بناء قوتهم العسكرية، بما في ذلك تزويد إيران إياهم بأسلحة استراتيجية، لكنهم فيما يتعلق باتخاذ القرارات يحافظون على استقلاليتهم، ولا يأخذون بالضرورة المصالح الإيرانية في الحسبان. وعلى سبيل المثال، فإنه عندما هددت الإدارة الأميركية إيران وطالبتها بالضغط على الحوثيين لوقف إطلاق النار على السفن الأميركية المارة في البحر الأحمر، لم يغير الحوثيون من طرائق عملهم. وسواء أكانت إيران قد توجهت إلى الحوثيين وتلقّت رفضاً أم لم تتوجه إليهم مطلقاً، فقد كانت النتيجة واحدة؛ إن قدرة طهران على التأثير في قرارات الحوثيين محدودة للغاية.
  • ويرى الحوثيون أن نشاطاتهم ضد إسرائيل تُدخلهم دائرة "اللاعبين الكبار"، سواء في نظر بقية أعضاء المحور (الذين يتجنب معظمهم استخدام القوة ضد إسرائيل)، أو في نظر دول المنطقة التي تدرك أنهم قوة يجب أخذها في الحسبان. وعلاوة على ذلك، يكاد يكون من المستحيل إنشاء معادلة ردع في وجه الحوثيين الذين لا يملكون ما يخسرونه تقريباً، بل أيضاً إن استمرار نشاطاتهم ضد إسرائيل والولايات المتحدة يعزز مكانتهم أمام السكان المحليين الذين يعانون اقتصادياً تحت حُكمهم.
  • وبناءً عليه، فإنه يبدو أن استمرار النمط الحالي من النشاط الإسرائيلي في اليمن، وحتى شن هجوم مباشر على إيران، لن يغير فعلياً الواقع الحالي في علاقة إسرائيل بالحوثيين. وبالإضافة إلى ذلك، فمن المرجح أن يؤدي الهجوم الإسرائيلي على إيران إلى دفع القيادة الإيرانية إلى الرد ضد إسرائيل، وهو رد يمكن أن يُدخل المنطقة معركةً واسعة النطاق، وهو أمر يُشَك في أن الإدارة الأميركية الحالية أو المستقبلية ترغب فيه في الوقت الراهن.
  • وتعتمد القدرة على وقف، أو على الأقل تقليص، النشاطات الحوثية بصورة كبيرة ضد إسرائيل على تغيير السياسة الإسرائيلية وسياسة التحالف بقيادة الولايات المتحدة في البحر الأحمر، والتي يجب أن تستند إلى عدد من المبادئ الرئيسية، منها:

الاستمرارية:

  • يجب العمل باستمرار وديمومة ضد التنظيم "الإرهابي" اليمني، سواء أهاجم إسرائيل أم لم يهاجمها. وينبغي أن يكون التنظيم وأفراده في حالة دفاع دائمة (بمعنى أن عليهم دائماً أن يفكروا في الدفاع، لا الهجوم). وبالإضافة إلى ذلك، فإنه على إسرائيل دراسة إمكان تعزيز وجودها الدائم في منطقة البحر الأحمر و/أو تنفيذ ضربات متواصلة في اليمن، بدلاً من الاكتفاء بهجمات متقطعة ذات تأثير محدود بصورة واضحة.

التنسيق:

  • إلى جانب تعزيز النشاط الإسرائيلي (مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لا يمكن تكرار نمط العمليات المتبع في لبنان أو قطاع غزة نفسه في اليمن)، فإن هناك حاجة إلى تغيير جذري في نمط عمل التحالف، الذي يتيح له وجوده المادي بالقرب من اليمن مجالاً واسعاً للعمل ضد الحوثيين. ويجب أن تكون نشاطات التحالف أكثر كثافة، وأن تستهدف مجموعة واسعة من الأهداف التي يستخدمها الحوثيون. كما يجب أن يكون التنسيق بين إسرائيل والتحالف مثالياً، مع التركيز على تحديد المناطق الحساسة التي يمكن أن يسبب استهدافها ضرراً كبيراً لسلطة الحوثيين.

تنويع الأهداف:

  • يجب إثارة شعور بالاضطهاد لدى القيادة الحوثية عبر الاستهداف المستمر والمتواصل لكبار المسؤولين في السلطة، مع التركيز على العناصر المنتمية إلى قبيلة الحوثي بقيادة عبد الملك الحوثي وإخوته، الذين يشغلون مناصب بارزة في القيادة اليمنية.

إيران:

  • كما أسلفنا أعلاه، ليس من الحكمة استهداف إيران مباشرة، لكن لا شك في ضرورة العمل لمنع قدرتها على تقديم الدعم العسكري إلى الحوثيين، ويمكن تحقيق ذلك عبر استهداف عناصر فيلق القدس الإيراني الموجودة في اليمن، بقيادة عبد الرضا يوسف شهلائي، الذين يقدمون دعماً كبيراً من أجل بناء القوة العسكرية اليمنية.

العمل الاستخباراتي:

  • تتمثل إحدى المشكلات التي تترافق مع المعركة ضد الحوثيين في صعوبة إنتاج معلومات استخباراتية عالية الجودة وفي الوقت الفعلي، تتيح استهداف مراكز الثقل في السلطة. وإلى جانب بناء القدرات في هذا المجال، فمن المناسب تعزيز العلاقات مع دول الخليج، وخصوصاً الإمارات والسعودية، والتي حتى وإن لم تتمكن [أي دول الخليج] من العمل مباشرة ضد الحوثيين، فإنها تستطيع تقديم المساعدة الاستخباراتية نظراً إلى فهمها العميق لتنظيم "الإرهاب" اليمني.
  • تجدر الإشارة هنا إلى أن مشكلة الحوثيين ليست تحدياً يواجه إسرائيل وحدها، وينبغي عدم تحويلها إلى قضية إسرائيلية فقط، فهي مشكلة تواجه دول المنطقة والمنظومة الدولية ككل، نظراً إلى اعتماد حركة الملاحة البحرية في منطقة باب المندب عليها. ونظراً إلى تعقيد العمليات على مسافة بعيدة كهذه عن الحدود الإسرائيلية، فمن المناسب الاعتماد، إلى جانب النشاط الإسرائيلي، على عمليات التحالف الدولي والتوصل إلى تفاهم مع إدارة الرئيس القادم ترامب بشأن الحاجة إلى تعزيز نشاط التحالف بصورة كبيرة ضد الحوثيين.
  • وعلى المدى البعيد، فحتى لو انتهت المعركة في قطاع غزة، وأوقف الحوثيون هجماتهم بحلول ذلك الوقت، فإنه في نهاية المطاف لا مفر من إسقاط النظام الحوثي في اليمن. ولن تكون هذه المهمة سهلة، لكن بخلاف العديد من الدول الأُخرى في الشرق الأوسط، فهناك في اليمن قوى، وخصوصاً في جنوب البلد، تعتمد على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ويمكنها أن تتحمل المسؤولية عن اليمن في حال انهيار النظام الحوثي، على الرغم من وجود خلافات بينها بشأن توحيد أجزاء البلد.
  • وإذا كان هناك درس تعلّمه الحوثيون من الأحداث الحالية، فهو يتعلق بقدرتهم على استخدام القوة العسكرية التي بنوها بمساعدة إيران لتحصيل تنازلات سياسية من دول المنطقة ومن غيرها. وبناءً على ذلك، وحتى لو توقف القصف الحوثي نحو إسرائيل موقتاً، فمن المرجح أن يُستأنف في المستقبل لأسباب أُخرى (على سبيل المثال، بسبب علاقة الحوثيين بالسعوديين، أو النشاط الإسرائيلي ضد عناصر أُخرى في المحور). وعلاوة على ذلك، فإن المعرفة التي اكتسبها الحوثيون خلال المعركة مع إسرائيل ستُنقَل إلى وكلاء آخرين لإيران في منطقة الشرق الأوسط، كالميليشيات الشيعية في العراق، وهو ما يشكل سبباً إضافياً لضرورة العمل على إسقاط النظام الحوثي. ومع افتراض أن هذا الهدف قابل للتحقيق، فإنه سيمثل ضربة قاسية لجهود إيران في بناء قوتها وترسيخ نفوذها في منطقة المضائق وصولاً إلى القرن الإفريقي.

الخلاصة:

  • من الواضح أن ما تم القيام به حتى الآن لم يكن كافياً لتغيير الواقع في مواجهة الحوثيين. صحيح أن الساحة اليمنية لم تكن على رأس الأولويات الإسرائيلية، ولذلك، فإن إسرائيل تدفع ثمناً يتمثل في قدرتها المحدودة على التحرك بفاعلية ضد التهديد اليمني، لكن حان الوقت لتغيير الوضع جذرياً، ومن المشكوك فيه وجود بديل آخر.
  • ويتطلب التحدي الحوثي من إسرائيل أن تعترف بأن المسافة والتحدي العملياتي يعنيان أن اللجوء إلى ضربة واحدة وقاسمة تحسم المعركة ليس ممكن التحقق في معركتها ضد الحوثيين. ولذلك، فمن الأفضل أن يكون الرد على هذا التحدي مشتركاً، وليس من جانب إسرائيل وحدها؛ فإلى جانب بناء القدرات الاستخباراتية وزيادة الوجود في منطقة المضائق لتسهيل العمليات المستمرة ضد التنظيم، يجب الضغط على التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لتكثيف الهجمات ضد كبار المسؤولين في النظام الحوثي، وبنية إنتاج الأسلحة التي يملكونها، مع الاعتماد على معلومات استخباراتية تشمل أيضاً دول الخليج.
  • إن خوض معركة فاعلة ضد الحوثيين سيخدم بصورة جيدة المصالح الثنائية لإسرائيل، وخصوصاً مع الإمارات، والبحرين، والسعودية، وهي دول تعتبر الحوثيين تهديداً حقيقياً. كما أنها ستتيح إعادة فتح المضائق أمام حركة السفن إلى إسرائيل، وهي الخطوة التي ستساهم بصورة كبيرة أيضاً في انتعاش الاقتصاد المصري.

___________

[1] "غوش دان"، أو "منطقة ’تل أبيب‘ الكبرى"، هي التجمع الحضري الأكبر في إسرائيل، وتقع في منطقة السهل الساحلي على البحر الأبيض المتوسط، ويشمل هذا التجمع مدينة تل أبيب، التي تُعد مركزه الاقتصادي والثقافي، بالإضافة إلى عدد من المدن المحيطة كـ"رمات غان"، و"بني براك"، و"غفعتايم"، و"هرتسليا"، و"بات يام"، و"حولون". يُعتبر تجمُع "غوش دان" القلب الاقتصادي لإسرائيل، إذ يضم العديد من الشركات الكبرى، والمؤسسات المالية، والمراكز الثقافية والتعليمية. ويتميز هذا التجمع بكثافة سكانية عالية وبنية تحتية متطورة تشمل شبكة واسعة من الطرق ووسائل النقل العام، وهو ما يجعله مركزاً حيوياً للنشاط الاجتماعي والاقتصادي في البلد، وبالتالي، هدفاً أثمن لعمليات القصف.

 

المزيد ضمن العدد