شكّل الهجوم الذي شنّته القوات الجوية على مواقع إطلاق نار تابعة لحزب الله في الجنوب اللبناني، يوم السبت الماضي، دليلاً آخر على هشاشة اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع بين إسرائيل ولبنان، والذي توسطت فيه الولايات المتحدة. ووفقاً لمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، تم تنفيذ الهجوم، بعد أن أرسل الجيش الإسرائيلي طلباً إلى الجيش اللبناني بتحييد منصات إطلاق الصواريخ التي تهدد الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وبعد عدم معالجة الطلب. وفي إثر ذلك، دمرت طائرات سلاح الجو منصات إطلاق صواريخ موضوعة في موقع عسكري لحزب الله في منطقة النبطية. في حين ذكرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، أمس (السبت)، أن الأميركيين أرسلوا "إشارات جدية" إلى الجيش اللبناني بشأن ضرورة الاستعداد لتغييرات في الاتفاق، بما في ذلك تمديد بقاء الجيش الإسرائيلي 30 يوماً إضافياً، ومع هذه الإشارات، لا يزال الواقع على الأرض معقداً، ويواصل حزب الله إنشاء مواقع عسكرية محظورة في الجنوب اللبناني، ويخرق قرارات الاتفاق.
وضمن هذا الإطار، يشير البروفيسور أميتسيا برعام، الباحث في شؤون الشرق الأوسط من جامعة حيفا، إلى مشكلة أساسية في اتفاق وقف إطلاق النار: "فهو لا يشير إلى ما يُسمح لإسرائيل بفعله، إذا لم يلتزم الجانب اللبناني بالاتفاقات. وينص الاتفاق على ما هو مطلوب من اللبنانيين، لكنه لا يحدد الخطوات التي يمكن لإسرائيل أن تتخذها في حال انتهاكه". وبحسب قوله، فإن اتفاق وقف إطلاق النار مرفق برسالة من الولايات المتحدة تمنح إسرائيل حق الرد وضمانه، في حال انتهك لبنان الاتفاق. ومع ذلك، فإن الرسالة ليست جزءاً من الإطار الرسمي للاتفاق.
ويضيف برعام "تحذّر إسرائيل من أنه إذا لم ينفّذ الجيش اللبناني التزاماته، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، فإن الجيش الإسرائيلي سيواصل سيطرته على الأراضي في الجنوب اللبناني، ولن ينسحب منها. وإلى جانب البيانات التحذيرية، تنفّذ إسرائيل عمليات على الأرض، بما في ذلك ضربات جوية ضد منشآت عسكرية لحزب الله تم إنشاؤها في انتهاك للاتفاق. حتى إن حزب الله عاد إلى إقامة مواقعه في المناطق التي كانت محظورة عليه، بموجب الاتفاق". ويشدد البروفيسور برعام على محاولات التنظيم "الإرهابي" إعادة ترميم قواته خلال وقف إطلاق النار، وأضاف: "بحسب التفاهمات، فإن دور الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز هو مراقبة تنفيذ الاتفاق والتبليغ بشأن الانتهاكات. لقد حدد الجنرال الأميركي، الذي يعتمد على تقارير الجيش الإسرائيلي، أن حزب الله انتهك الاتفاقات، على الرغم من التصريحات العلنية لنعيم قاسم، "نائب حسن نصر الله"، بموافقة الحزب على قرار مجلس الأمن الرقم 1701".
وبحسب البروفيسور برعام، "إذا بقي الجيش الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، حتى بعد انتهاء مدة وقف إطلاق النار، قد يطلق حزب الله النار والصواريخ في اتجاه مستوطنات الجليل لإجبار إسرائيل على الانسحاب. هناك احتمال كبير لأن يبدأ إطلاق النارعلى نحو متقطع، حتى لو كان حزب الله يشعر بأنه في موقف ضعيف، وفي هذه الحالة، سيكون المطلوب من إسرائيل الرد بقوة أكبر".
وتابع: "إذا جرى استئناف القتال، فهناك إمكان لتوسيع قائمة الأهداف، لتشمل أيضاً ضرب البنى التحتية للدولة اللبنانية نفسها، وهي خطوة تهدف إلى ممارسة ضغط إضافي على الحكومة اللبنانية لفرض تنفيذ الاتفاق وتقليص نطاق عمل حزب الله".
في غضون ذلك، تواصل القوات الجوية كشف وتدمير البنى التحتية العسكرية غير القانونية لحزب الله في الجنوب اللبناني، وهي خطوة تهدف إسرائيل من خلالها إلى التوضيح أنها لن تتخلى عن مطلبها بإزالة أيّ تهديد لأمنها. ويبقى السؤال المطروح عمّا إذا كان اتفاق وقف إطلاق النار لا يزال سارياً؟ أم أنه مجرد وهم سياسي سيؤدي إلى مواجهة أُخرى لا مفرّ منها.