ردة فعل معسكر الوسط الإسرائيلي على فكرة ترامب بشأن الترانسفير هي إخفاق سياسي وأخلاقي
تاريخ المقال
المواضيع
فصول من كتاب دليل اسرائيل

مهند مصطفى


أسامة حلبي, موسى أبو رمضان


أنطوان شلحت

المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- إن مناصري الترانسفير في إسرائيل لديهم أسباب جيدة للاحتفال: فما اقترحه الرئيس الأميركي بشأن غزة هو ترانسفير، فعلاً - هذا يبدو واضحاً من كلامه. لكن الاحتفال سيكون قصيراً. وسيكون الدرس المستخلص من هذه المسألة أن ترحيل سكان المناطق [الفلسطينية] هو أمر مستحيل تماماً، حتى عندما يكون الرئيس الأميركي مؤيداً له.
- لقد قيل هذا الكلام المستحيل مرات عديدة، وهذه الحجة لم يتم اختبارها عملياً مطلقاً. وفي الحقيقة، من الصعب تكذيب الأفكار السخيفة لأنه لا توجد فرصة لاختبارها عملياً. الآن، أعطى دونالد ترامب الفرصة لاختبار مدى عملانية فكرة الترانسفير، والجواب سيأتي قريباً.
- لكن في هذه الأثناء، يجب أن نقول، وبأسف، إن معسكر الوسط الإسرائيلي هو الذي يمرّ بالاختبار في هذه المسألة، والجواب هو فشل سياسي وأخلاقي. من المفهوم أنه من الصعب على زعماء الوسط في إسرائيل رفض "الهدية" التي يقدمها الرئيس الأميركي لبلدهم، وهذا ليس حدثاً عادياً. لقد اتُّهمت إسرائيل مرات كثيرة، ظلماً، بالتطهير العرقي، أو أنها تسعى للتطهير العرقي، لكن عندما يدور الحديث عن تطهير عرقي حقيقي، يجب عدم استخدام الألاعيب. إن كلام ترامب ليس "كلاماً مبتكراً"، حسبما قال غانتس في مؤتمره الصحافي، وهو ليس "جيداً لإسرائيل"، بحسب قول يائير لبيد.
- هناك مَن يعتقد، فعلاً، أن ما يقترحه ترامب لن يتحقق، لكن من المحتمل أن تجني إسرئيل فائدة من طرح الفكرة، لا أصدق هذا. إن "مبادرة" ترامب بشأن غزة تشبه اقتراحه المتكرر بشأن تحويل كندا إلى الولاية الـ51 للولايات المتحدة، الاقتراح هو نوع من أنواع التحرش الجنسي بغطاء مبادرة سياسية.
- من الجيد التفكير من خارج الصندوق، بشرط أن يكون التفكير رصيناً. وعندما لا يكون جدياً، وغير أخلاقي البتة، فإن التفكير من خارج الصندوق لا يساعد قط. لكن من المهم أن يخاف "البلطجية" ورجال العصابات في العالم، وفي الشرق الأوسط خصوصاً، من قوة الولايات المتحدةـ هذا الأمر الذي لم يحدث خلال ولاية بايدن المُحبة للخير.
- وحتى أشد المنتقدين للولايات المتحدة، لا يمكنهم القول إنهم يريدون العيش في عالم لا يخاف فيه رجال العصابات و"البلطجية" من أيّ شيء. لكن هذا الأمر لا يعني أن وجود نسخة أميركية في البيت الأبيض عن الراحل فلاديمير جيرينوفسكي [(1946-2022)، زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي، الذي دعا إلى السيطرة على ألاسكا بالقوة ونفي الأوكرانيين إليها] هو فكرة جيدة. بمرور الوقت، وعندما تهدأ احتفالات الأيام الأولى، فإن هذا لن يساهم في تعزيز قوة الولايات المتحدة ودعم صورتها القوية، حتى لو نتجت من ذلك فوائد معينة.
- من المحتمل جداً أن يردع ترامب الإيرانيين حالياً. ولا أجد صعوبة في قبول رسالة الخلاص التي يحملها، وأعتقد أن اليمين الإسرائيلي ستسنح له الفرصة لكي يخيب أمله ببطله الحالي. لكن من غير المتوقع أن ينتج شيء جيد من المبادرة، التي يشكل كل ما له علاقة بها خطراً وجودياً على الأنظمة في العالم العربي.
- في جميع الأحوال، إن أحزاب الوسط الإسرائيلي ليست هي التي تدير الدبلوماسية الشرق الأوسطية. وواجبها الأساسي هو إزاء الرأي العام الإسرائيلي. يجب ألّا نقدم شرعية مبدئية لفكرة الترانسفير. سينكر زعماء الوسط أنهم فعلوا ذلك، وأنهم لم يفعلوا ذلك علناً، لكن سيجري استخدام ما قالوه، وما امتنعوا من قوله، بصورة سلبية جداً. يجب ألّا نساعد على تعزيز هذا الوهم الخطِر في السياسة الإسرائيلية، والذي ينطوي على خطر وجودي في المدى البعيد: الوهم بأن في استطاعة إسرائيل الاحتفاظ بأراضٍ، من دون سكان هذه الأراضي.
- من المثير للانتباه أن بنيامين نتنياهو كان حذِراً من ذِكر فكرة الترانسفير في كلامه المؤيد "للفكرة الرائعة" لترامب. لقد تظاهر نتنياهو، في أثناء المقابلة التي أجرتها معه قناة "فوكس نيوز"، بأن ترامب لم يقترح ترحيلاً قسرياً، وكأن الخروج موقت، وقال: "الفكرة هي السماح لسكان غزة الراغبين في المغادرة بأن يغادروا، ما السيئ في هذا؟ يمكنهم المغادرة، وبعدها يمكنهم العودة. في إمكانهم الانتقال إلى مكان آخر، ثم العودة. نحن مضطرون إلى بناء غزة. وهذه أول فكرة جيدة أسمعها".
- من حُسن حظ نتنياهو أنه حرّف أقوال ترامب عندما تبنّاها، وهو التحريف الذي تبنّته، جزئياً، أيضاً المتحدثة بلسان البيت الأبيض ووزير الخارجية الأميركي، عندما تحدثت عن الطابع "الموقت" المفترض لمغادرة سكان غزة.
- ترامب نفسه لم يتحدث عمّن يرغب في الرحيل، بل تحدث، علناً، عن نقل كل سكان غزة إلى "مجتمعات جميلة" في مصر والأردن. وهو لم يقدم وعداً، ولم يُلمّح إلى أن في إمكان سكان غزة العودة. وحتى المشروع العقاري الذي تملكه الولايات المتحدة، الذي وعد ببنائه هناك، فلا يقدم مثل هذا الإمكان.
- من المحتمل أن ترامب نفسه سيعود ويتبنّى التحريف المخفّف، لكن ليس هذا ما قاله. على هذه القاعدة الصلبة، يبني بتسلئيل سموتريتش حلمه بالترانسفير: فجدية ترامب وحرص نتنياهو المعروف على دقة الحقائق، هما اللذان منحا سموتريتش الفرصة للتعبير عن رأيه.