إسرائيل مضطرة إلى التجسير بين الأقطاب: أقصى حد من الانفصال ووضع حدود
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

  • كان السابع من تشرين الأول/أكتوبر لحظة مفصلية في تاريخ الصراع. في هذا اليوم، بدأت المواجهة الأكثر حدةً في التاريخ بين الفلسطينيين وإسرائيل، وفي أعقابه، تزعزعت الأطر القديمة في النقاش العام الإسرائيلي. وعلى رأسها أن الصراع ينبع، في أغلبيته، من وجود الاحتلال، وأن التطرف في أوساط الفلسطينيين نابع من الأزمة المادية التي يعيشونها. أوضح السابع من أكتوبر حجم العداء العميق جداً، ونزع الإنسانية عن الإسرائيليين.
  • إن الطقوس المزعجة التي رافقت إعادة القتلى الأربعة عززت هذا التحول في أوساط الإسرائيليين منذ 7 أكتوبر. لقد تعوّد الإسرائيليون على طبيعة "حماس"، لكن ما زاد في حدة ذلك صمت المجتمع الفلسطيني، إذ تم التعامل معها  على أنها "طبيعية" و"تتماشى مع القيم الإنسانية".
  • منذ السابع من أكتوبر، اتضّح أن الفصل الذي كان سائداً في الرؤية الإسرائيلية ما بين "حماس" والجمهور لم يكن دقيقاً. فمشاركة عدد كبير من المدنيين في هذا الحدث المفزع وتشجيعهم "حماس"، من دون أيّ انتقادات تقريباً (في الضفة الغربية أيضاً، حيث لا تسيطر الحركة) تصعّب الالتزام بالرؤية القائلة إن هناك فرقاً ما بين "حماس" والمجتمع. حتى إن هذه العروض "المقززة"، خلال الشهر الماضي، تخلق شعوراً بأن ما كان يتم التعامل معه سابقاً على أنه ميزات "حماس" الخاصة، بات الآن منتشراً في جزء كبير من المجتمع. ومثل كل حركة أيديولوجية- شمولية، تقوم "حماس" دائماً بغسل دماغ للفلسطينيين، وعملياً، زرعت نفسها داخل المجتمع. الآن، هي جزء عضوي من المجموعة، وتعبّر عن طرق تفكير موجودة فعلاً.
  • المشاهد التي تأتي من غزة منذ الشهر الماضي توضح حجم الفجوة غير المسبوقة لدى الحركة الوطنية الفلسطينية. التفاخر بالانتصار، على الرغم من الدمار والقتل غير المسبوق، والمطالبات بالتجهيز للمواجهة القادمة، أمور كلها باتت شعارات تعبّر عن الجماعة: الفلسطينيون، مثلما كانوا دائماً في السابق، لديهم ميل إلى التدمير الذاتي النابع من تفضيل الشعارات القتالية والأحلام على الأهداف القابلة للتحقيق. في هذا السياق، قال شلومو بن عامي سابقاً، إن الحركة الوطنية الفلسطينية هي "حركة محزنة"، تتضمن مركّبات "مرضية" بسبب التزامها بـ"الحق التاريخي" ورفض إسرائيل، بدلاً من حلّ واقعي، وأيضاً بسبب تراجُع الأولوية التي يعطونها لأهداف، مثل بناء دولة، أو مجتمع، أو اقتصاد، إذا كان هذا يتطلب التنازل عن الأهداف القصوى، مثل التحرير والعودة.
  • الآن، يتفاخر الفلسطينيون بالصمود، وهو كان يتضمن سابقاً بذور النكبات التي عاشوها وسيعيشونها، بحسب المتوقع. وفي المقابل، يتمسكون بدور الضحية بشكل متطرف، وهو ما يمنعهم من النقد الداخلي، ومن أن يطوروا تضامناً مع الإسرائيليين، وما يشرّع العنف بشكل دائم، كـ"أداة شرعية في يد المضطهد". لذلك، من الواضح، الآن، إلى أيّ حد يُعدّ خطاب نزع التطرف معزولاً عن الواقع على الساحة الفلسطينية، هذا في الوقت الذي باتت "حماس" القوة المهيمنة في غزة، وفي المجتمع الفلسطيني، حيث لا ترى أيّ حاجة لأيّ مراجعة ذاتية.
  • أوضحت الحرب أيضاً الفرق بين الشعبين. صحيح أن الإسرائيليين يعانون جرّاء مشكلات كثيرة، وصعوبة حرجة في اتخاذ قرارات استراتيجية حاسمة، لكن لديهم دولة ومجتمع مدني وحصانة، ويعبّرون عن التكاتف، إلى جانب النقد الذاتي. في المقابل، يتصرف الفلسطينيون كمجموعة، أكثر مما يتصرفون كأمة: من دون تكاتف داخلي، أو مؤشرات إلى وجود مجتمع مدني معنيّ بالوقوف في مقابل قيادة سبّبت له كارثة. الرواية التأسيسية المسيطِرة في أوساط جيل الشباب تدفع إلى اليأس: لقد حلم  كثيرون منهم بأن يكونوا من رجال "القسّام"، وأن يحملوا السلاح، وأن يضحّوا بحياتهم في القتال- إنها الوصفة الأكيدة للمواجهة الأبدية، وليس للحوار، ولا المصالحة، ولا التنازلات.
  • النشوة الفلسطينية الحالية تعبّر عنها شارة النصر فوق أكوام الدمار. هذا لا يجب أن يقود إلى شعور بالهزيمة في إسرائيل، لأن هناك ثقافات مختلفة وسلّم قيم مختلف، ولا يمكن المقارنة. لكن هذا الجو يضمن وجود المواجهة القادمة والدمار القادم على الفلسطينيين. تتحول "حماس" إلى الجهة التي تفرض الجو الوطني العام، ومن غير المتوقع أن تختفي. التزمت الحركة إبادة إسرائيل، وستستمر في التجهز للمواجهة القادمة. في هذا الوضع، من الواضح أنه سيتوجب على إسرائيل في المستقبل غير البعيد معالجة المشكلة من جذورها، وهو ما يتطلب السيطرة على القطاع بكامله، والبقاء فيه، والمساعدة في بناء بديل محلي. سيكون من الصعب تحقيق هذا الهدف، الآن، بسبب عدم كفاءة القيادة الحالية التي كانت مسؤولة عن الرؤية التي انهارت، أو تقديم حلّ يتطلب التحرر من حسابات الماضي.
  • بعد السابع من أكتوبر، من الصعب في إسرائيل، وبحق، الاقتناع بأن إقامة دولة فلسطينية هي الحل للصراع، هذا الادعاء لا تزال تتمسك به مجموعات صغيرة،  لمن يحلل الواقع، استناداً إلى أطر عقائدية، مثل "علاقة السكان الأصليين بالاستعمار". واتضح أن إدارة الصراع والسلام الاقتصادي أيضاً غير واقعيَّين، ويجب الحذر من فكرة الدولة الواحدة (ومن رؤية ترامب أيضاً): بيّنت الحرب أن هناك قطبَين متناقضَين داخل المجتمعَين، وإن العيش داخل كيان واحد من دون جدار، من المتوقع أن يؤدي بهما  إلى واقع دامٍ، وليس إلى تعايُش مثالي (يوتوبي).
  • سيكون على إسرائيل التجسير ما بين الأقطاب: أقصى حد ممكن من الانفصال، وفي الوقت نفسه الإدراك أن الاستقلال الفلسطيني في هذه اللحظة سيكون الوصفة التي تتضمن تهديدات حادة. إن وضع حدود مادية في الضفة وغزة، وفي الوقت نفسه، بقاء بوابات  الكيانية الفلسطينية في يد إسرائيل (غور الأردن)، ووجود قوات دولية (محور فيلادلفيا)، يمكن أن يكون رداً ملائماً على المعضلة الاستراتيجية. هنا، الحديث لا يدور حول حلّ مثالي، لكن يمكن أن يكون أقلّ الأمور سوءاً بالنسبة إلى بقية البدائل، وعلى رأسها الدولة الواحدة، أو السيادة الفلسطينية الكاملة.
 

المزيد ضمن العدد