خطر التصعيد ما بين إسرائيل وحزب الله يدفع سوق الطاقة إلى البحث عن بدائل موقتة من حقل "كاريش"
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • ربما أن الجمهور الإسرائيلي لم ينتبه كلياً إلى ذلك، لكن انتباه القيادة العسكرية والأمنية في إسرائيل انتقل شمالاً في الأسابيع الماضية. خطر التصعيد بين إسرائيل ولبنان بشأن آبار الغاز في البحر المتوسط، ارتفع بصورة كبيرة. والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وجد فأساً جديدة للحفر-الخلاف بشأن الحدود البحرية بين الدولتين-ويبدو أنه لا ينوي التوقف في الوقت القريب. بقية الصيف سيجري في ظل التوتر في الشمال. وبهدوء وصمت، بدأت سوق الغاز الإسرائيلية بالبحث عن بدائل من بدء أعمال التنقيب عن الغاز في حقل "كاريش"، التي كان من المخطط أن تبدأ في شهر أيلول/ سبتمبر المقبل، تخوفاً من عدم حدوث ذلك جرّاء التصعيد.
  • تقديرات الاستخبارات بشأن احتمال اندلاع حرب شاملة ما بين إسرائيل وحزب الله لا تزال منخفضة. وفي هذا السياق، سُئل ضابط كبير في الجيش ما إذا كان متأكداً من هذه التوقعات. فأجاب أن المصيدة السياسية والوضع الاقتصادي الصعب يجب أن يردعا نصر الله عن إشعال الجبهة. وفي الوقت ذاته، لا تزال عالقة لدى الضابط وزملائه ذكرى المفاجأة المطلقة التي حدثت في أعقاب خطف جنود الاحتياط على يد حزب الله في سنة 2006، وحرب لبنان الثانية التي اندلعت في أعقابها. فقال "في 11 تموز/يوليو، قبل الحرب بيوم، لم يكن لدينا أدنى فكرة. وفي نظرة إلى الوراء، كنت سأستثمر الكثير من الوقت ليكون لديّ فكرة-ليكون لدينا يوم واحد على الأقل للتجهُّز".
  • يعترف رجال الاستخبارات بأن الصورة باتت أكثر تعقيداً في الآونة الأخيرة. فحزب الله يوزع التهديدات بدرجات تهديد مختلفة منذ أسابيع، لكن حدث شيء مميز في 2 تموز/يوليو، أو ثلاثة أشياء: أطلق التنظيم ثلاث طائرات مسيّرة لتصوير منصة "كاريش" الموجودة في المياه الاقتصادية التابعة لإسرائيل، جنوب الحدود (على الرغم من الخط الدقيق، فإنه لا يزال متنازَعاً عليه بين إسرائيل وحزب الله). الجيش من جانبه، أسقط المسيّرات الثلاث، وأعلن أنه أسقط مسيّرة إضافية، قبل ذلك بعدة أيام. الحدث انتهى من دون إصابات، لكن ليس هذا المهم فقط. وبالمقارنة مع سنوات ما بعد 2006، أخذت وتيرة الأحداث على طول الحدود بالازدياد. ومع دخول موارد اقتصادية يقدَّر ثمنها بمليارات الدولارات، ارتفع الرهان أيضاً.
  • أما القيادة الإسرائيلية، التي لم تصرّح كثيراً بعد إسقاط المسيّرات، فرفعت من حدة ردها في تصريحاتها العلنية. وقام كل من رئيس الحكومة يائير لبيد ووزير الدفاع بني غانتس بزيارة قيادة الشمال، كما حذّرا حزب الله من إلحاق الضرر بمنصة الغاز. وبعدها، قام لبيد بجولة بالطائرة فوق منصة الغاز. ثم نشر مكتبه صورة يظهر فيها وهو ينظر إلى "كاريش" من الطائرة، إلى جانب اقتباس يوضح فيه وجود احتمال تصدير الغاز إلى أوروبا ومصر. وقبل لبيد بأسبوع، طار غانتس فوق المنصة. حينها، امتنع مكتبه من نشر صور من الزيارة في أعقاب تحذيرات أجهزة الأمن التي اعتقدت أن نشر صورة الوزير هناك ستمرر رسالة خاطئة، مفادها أن إسرائيل قلقة حيال تهديدات نصر الله. لبيد تصرّف بصورة مختلفة.
  • من جانبه، هدد نصر الله بمنع بدء التنقيب المخطَّط له في حقل "كاريش" في أيلول/ سبتمبر، في حال عدم الوصول إلى اتفاق بشأن الحدود، بوساطة أميركية. وأكثر من ذلك، قال إن لدى لبنان القدرة على منع تزويد أوروبا بالغاز. هذه نقطة مهمة، وبصورة خاصة في أعقاب إسقاطات الحرب في أوكرانيا. بالإضافة إلى الارتفاع المستمر في أسعار النفط والغاز، تهدد روسيا الآن بوقف، أو تقليل تزويد دول القارة بالغاز خلال الشتاء القادم، كعقاب للأوروبيين على دعمهم أوكرانيا. أوروبا خائفة: قيادات الاتحاد التي زارت إسرائيل في حزيران/يونيو، اعترفت بأنها ترى في الغاز الإسرائيلي أحد البدائل التي تطمح إلى الاستناد إليها في المستقبل.
  • وهذا الأسبوع، خلال خطاب أمام "مجموعة مصغرة" تم تسريب الحديث منه، حذّر نصر الله من أنه "في حال تصاعُد الأمور إلى حرب مع إسرائيل بسبب عدم سماحها للبنان بالحصول على حقوقه واستخراج الغاز من مياهه الإقليمية، فإن الموقف الحاسم هو أنه "لن يكون هناك استخراج غاز في كل الكيان الصهيوني، إن لم يحصل لبنان على حقه". وعلى الرغم من ذلك، فإنه من المهم الإشارة إلى أن المسيّرات التي أطلقها حزب الله كانت للتصوير، ولم تكن تحمل أي مواد متفجرة. ويبدو أن طريقة العمل المفضلة لدى حزب الله هي الحرب النفسية، والهدف الأساسي لا يبدو أنه الحرب، إنما الوصول إلى اتفاق أفضل على الحدود البحرية. حتى الآن، لا يزال نصرالله يحدد المخاطر.
  • بحسب تحليلات الاستخبارات، فإن نصر الله لم يغيّر رأيه: لا يزال يرتدع عن الحرب، فلديه أيضاً لا تزال ذكريات سنة 2006 محفورة وحاضرة في الذاكرة. وإلى حد ما، يُعَد نصر الله من القيادات ذات الخبرة والمسؤولة في المنطقة، في أعقاب الخسائر التي مني بها الحزب في هذه الحرب التي كانت أيضاً صعبة على إسرائيل. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأمين العام لحزب الله يتعرض إلى هجوم داخلي في لبنان بسبب رفض الحزب التخلي عن سلاحه. ومن هنا، فإن مواجهة محدودة مع إسرائيل بسبب الغاز، ستكون ذريعة لاستمرار المقاومة المسلحة، وخصوصاً إذا انتهت بتراجُع إسرائيلي وترسيم حدود بشكل يمنح لبنان حقولاً أكبر.
  • في شعبة الاستخبارات العسكرية يرون في التصريحات المستمرة لعبة محسوبة: نصر الله يحاول انتزاع تنازلات تسجَّل لمصلحته من الجمهور اللبناني المخنوق بنقص في المواد الضرورية، كالكهرباء والماء. وفي الوقت ذاته، يبتعد عن المواجهة المباشرة. وهكذا دخلنا في ديناميكية التصعيد. وعندما يردّ كل طرف على الآخر بتهديد أعلى، يصبح من الصعب السيطرة على هذه الدينامية وضمان عدم خروج الأمور عن السيطرة. وفي تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية، جاء ذكر لبنان كمكان غير متوقع لأحداث لسنة 2022، قد يكون مصدر الأخبار السيئة. هذا الخطر لا يزال قائماً ومحدوداً، والآن بات محسوساً أكثر في أعقاب النزاع على الغاز.

المصلحة الإيرانية

  • المخرج الواضح والمفضل هو اتفاق أميركي يكون مقبولاً من جميع الأطراف بشأن موقع الحدود البحرية. في هذه الحالة، ستستمر إسرائيل في التنقيب في حقل "كاريش"، جنوب لبنان، وسيستطيع لبنان أخيراً البدء بتحريك مشروع الغاز الخاص به شمالي الخط. لكن الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، الذي زار البلد الأسبوع الماضي، لم يكن لديه بشرى كبيرة. بل على العكس، رأى مَن شاركه الحديث في إسرائيل أن المحادثات وصلت إلى طريق مسدودة.
  • يبدو أن هذا هو السبب وراء عمليات جس النبض حيال شركات طاقة أُخرى. فبحسب الخطة الأصلية، بدء التنقيب في "كاريش" كان من المفترض أن يسمح لمجموعة الشركات الأُخرى، التي تشغل حقل "لفيتان"، بأن تطلب السماح لها بتحويل جزء من الغاز الذي تقوم باستخراجه إلى السوق المصرية، حيث ستكون الأسعار أعلى. وفي الآونة الأخيرة، تم تمرير رسائل لهذه الشركات، مفادها أن هذه الخطوة من الممكن أن تؤجَّل، إذا صمم حزب الله على تصعيد الجبهة في أيلول/ سبتمبر.
  • هناك سؤال إضافي عن موقف إيران. حتى الآن، لم تصرّح طهران، رسمياً، بشأن موضوع الغاز، ولم تنضم إلى تهديدات حزب الله. في سنة 2006، تصرف نصر الله من تلقاء نفسه من دون أن يضع الإيرانيين في صورة المستجدات، إنما أمر قواته بخطف جنود الاحتياط. وهكذا انجرّ إلى تبادُل للضربات مع إسرائيل، نجح الحزب في تصويرها كإنجاز، لكن هذا كلّف الإيرانيين جزءاً من استثمارهم العسكري في حزب الله. بعد الحرب، قامت إيران بخطوتين: سارعت إلى تسليح حزب الله من جديد، هذه المرة بصورة أكبر، كمياً ونوعياً؛ ونزعت عن نصر الله صلاحية القرار منفرداً، لكي لا يدفعها إلى مواجهة غير متلائمة مع مصالحها الاستراتيجية.
  • من الصعب تقدير ما تريده إيران هذه المرة. هل تمد الحبل لحزب الله وتسمح له بتسخين الجبهة مع إسرائيل، أم تكبحه بحجة أن الأولوية الآن هي لحل الموضوع النووي واتفاق جديد بينها وبين القوى العظمى؟
  • بحسب د. شمعون شبيرا، الخبير بشؤون لبنان في مركز القدس للشؤون العامة والسياسة فإنه ليس مستبعداً أن تكون إيران هي مَن تدفع حزب الله إلى التهديد، كردّ على زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة والجهود لإقامة حلف دفاعي إقليمي. كذلك مايكل يانغ، الباحث في معهد كارنيغي في بيروت، كتب أموراً مشابهة هذا الأسبوع. فمن وجهة نظره، المسيّرات أيضاً كانت رسالة لبايدن-مفادها لا تحاول كبح خطوات إيران في المنطقة. وعلى عكسهما، يعتقد الكثير من الخبراء أن موضوع الغاز خاص بلبنان أكثر من أن يقرر الإيرانيون فيه حدة التهديد. هذا الموضوع، بحسبهم، يبدأ وينتهي عند نصرالله.
 

المزيد ضمن العدد 3836