مسيرات حزب الله موجهة أيضاً إلى رئيس الجمهورية اللبناني
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • "المهمة المطلوبة أُنجزت والرسالة وصلت"، قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بعد إرسال ثلاث مسيّرات نحو حقل الغاز كاريش يوم السبت. وبما أن موقع منصة الغاز التي تشغّلها شركة أنرجيان باور في حقل كاريش ليس سراً ولا يتطلب إرسال دوريات من المسيّرات، فيبدو أن نية نصر الله هي في الواقع نقل الرسالة، وهذه هي المهمة.
  • الرسالة موجهة إلى عدة عناوين. يمكن لإسرائيل أن تفهم منها أن حزب الله لا يخشى مواجهة عنيفة وهو مستعد للمبادرة إليها إذا اعتقد أن إسرائيل انتهكت السيادة اللبنانية وتنقب عن الغاز في حقل يدّعي لبنان ملكيته. لكن إذا كانت هذه هي نية الحزب فهي تتعارض مع إعلانه قبل عدة أشهر أنه يؤيد أي قرار تتخذه الحكومة اللبنانية في موضوع ترسيم الحدود الاقتصادية بين لبنان وإسرائيل، ومع موافقته الصامتة على إجراء المفاوضات بين إسرائيل ولبنان.
  • صحيح أن نصر الله هدّد في الأسابيع الأخيرة أنه "سيقطع يد من يحاول المس بالسيادة اللبنانية" لكن هذا التهديد ليس موجهاً فقط إلى إسرائيل، بل هو موجه أيضاً إلى الحكومة اللبنانية أو الرئيس اللبناني.
  • في اليوم الذي أُطلقت فيه المسيرات كان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قد وصل إلى دمشق ليبحث مع الأسد إمكانات ترميم العلاقات بين تركيا وسورية، وذلك بعد الزيارة التي قام بها إلى تركيا يوم الاثنين الماضي من أجل التباحث في مسألة نية تركيا غزو سورية والاعتذار عن عمل الخلية الإيرانية التي نشطت في تركيا ضد مدنيين إسرائيليين. إن وجود الوزير الإيراني في سورية مع فرضية أن حزب الله ملتزم بالتنسيق مسبقاً مع إيران قبل القيام بعملية على مستوى الدولتين، مثل إطلاق مسيّرات أو إطلاق النار على إسرائيل، يؤدي بسهولة كبيرة إلى الاستنتاج أن إيران هي مَن تقف وراء العملية. لكن هناك حوادث وقعت في الماضي تحرك فيها حزب الله في مواجهة إسرائيل من دون تنسيق مسبق مع إيران، مثلما حدث لدى خطف الجنود الإسرائيليين في تموز/يوليو 2006 الأمر الذي أدى إلى نشوب حرب لبنان الثانية.
  • يمكن التساؤل أيضاً، إذا كان حزب الله قد نسق فعلاً عملية إطلاق المسيّرات مع إيران بهدف القيام بعملية انتقامية رداً على العمليات التي نُسبت إلى إسرائيل في الأراضي السورية والإيرانية، فلِمَ لم يرسل مسيّرات محملة بالسلاح؟ في المقابل إذا كان الحزب لم ينسق العملية مع إيران وسارع إلى إعلان مسؤوليته عنها، فيبدو أن نصر الله أراد إرسال رسالة علنية وقوية إلى الساحة السياسية اللبنانية، على الرغم من معرفة الحزب وإيران أن التأويلات الإسرائيلية ستسارع إلى تحميل طهران المسؤولية. هذه هي فرضية العمل التي يجب أن تعتمدها إسرائيل والتي عليها أن تدرس بحذر كبير ردها، وخصوصاً أن عملية حزب الله استندت إلى توقع رد إسرائيلي تلقائي وعرض قوة عسكرية إسرائيلية يمكن أن يجر إسرائيل إلى الساحة السياسية اللبنانية بصورة يستغلها الحزب وتمنحه رافعة سياسية يستطيع بواسطتها أن يفرض أو يمنع خطوات اقتصادية وسياسية ضرورية لإنقاذ لبنان.
  • بحسب لبنان، النزاع بين لبنان وإسرائيل بشأن ترسيم الحدود الاقتصادية ينتظر رد إسرائيل على الاقتراح الجديد الذي قدمه إلى الوسيط الأميركي الخاص عاموس هوكشتاين. ووفقاً لهذا الاقتراح يتنازل لبنان عن مطالبته باعتبار حدود "الخط 29" – الحدود القصوى التي طالب بها اللبنانيون في بداية المفاوضات - وسيكتفي بـ"الخط 23" الواقع شماله، بينما الفجوة بين الخطين تقدر بنحو 1500 كلم2. لكن لبنان يشترط أيضاً أن ينتقل حقل "قانا" الواقع بين الخطين إلى السيادة اللبنانية الكاملة، وهذا يعني أن يجري ترسيم متعرج للحدود بحيث يدخل حقل "قانا" داخل الأراضي اللبنانية. حتى الآن، ترفض إسرائيل هذا الاقتراح بحجة أن جزءاً من "قانا" يقع داخل أراضيها وجزءاً آخر في الأراضي اللبنانية، ويجب تقسيم الحقل بين الدولتين. من أجل التغلب على هذه العقبة طُرح بيع الحقل لإسرائيل، أو أن تدفع الشركة أو الشركات التي ستستخرج الغاز في المستقبل من الحقل لإسرائيل رسوماً جزئية. حتى الآن لم تقدم إسرائيل رداً على الاقتراحين.
  • لا يزال النقاش بشأن حقل "قاناً" نظرياً لأنه لم تجر حتى الآن دراسات جيولوجية مفصلة ولا يُعرف ما إذا كان يحتوي على غاز. لكن من دون ترسيم الحدود لن تقبل أي شركة التنقيب أو استخراج الغاز من كل المنطقة التي يملكها لبنان. والمهتمون بالغاز اللبناني، بالإضافة إلى الحكومة اللبنانية، هم شركة "توتال" الفرنسية و"إني" الإيطالية و"نوفاتك" الروسية، التي أنشأت كونسورتيوم لاستخراج الغاز اللبناني وقامت بفحوص جيولوجية في أجزاء أُخرى من المياه اللبنانية. رئيس الحكومة يائير لبيد الذي من المنتظر أن يلتقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيطلب مساعدته من أجل استكمال المفاوضات، ولا سيما أن ماكرون يعتبر نفسه وصياً على إعادة إعمار لبنان اقتصادياً، ولأن مصالح "توتال" مهمة بالنسبة إليه.
  • المشكلة أن الوقت يضغط ومعه يزداد ويتصاعد التهديد بوقوع مواجهة. أيضاً، حتى لو توصل الطرفان إلى اتفاق بشأن مسألة ترسيم الحدود، فالمطلوب من لبنان أن يقر قانون الحدود المتفق عليها وأن يقدمه إلى مجلس الأمن كخط الحدود الجديد له. من دون هذه العملية الإجرائية التي تضمن على الأقل اعترافاً دولياً وقانونياً بخط الحدود لن تقبل أي شركة التوظيف في التنقيب وفي الحفر.
  • إن المرسوم الذي يعتبر "الخط 23" هو حدود لبنان مطروح على طاولة الرئيس اللبناني لتوقيعه، لكنه لا يشمل حتى الآن المطالبة بملكية حقل "قانا". هنا يكمن هامش المناورة لحزب الله الذي أوضح من خلال العملية التي قام بها يوم السبت أنه في حال قرر لبنان التخلي عن "قانا" فهو سيصطدم برد الحزب الذي يمكن أن يقضي على المفاوضات وعلى فرص توقيع اتفاق. بهذه الطريقة يحقق حزب الله هدفين: يزيد من هامش توازن الردع بينه وبين إسرائيل بحيث يشمل المستوى الاقتصادي ولا يكتفي بالمعادلة الأمنية التي تميز بها حتى الآن؛ وهو أيضاً يذكّر القوى السياسية اللبنانية وفي مقدمتها رئيس الجمهورية بأنه من الأفضل له عدم تجاهل مطالبه خلال النقاشات التي تجري هذه الأيام من أجل تشكيل حكومة في لبنان التي على ما يبدو ساهمت أيضاَ في توقيت إطلاق المسيرات.
 

المزيد ضمن العدد 3824