لبيد مسلح بتجربة وقدرة ليبني كتلة سياسية صلبة من الأشلاء
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- "إنساني، ومؤدب، وعادل، ولا ينكُث الوعد"، هذا ما يعكس المشاعر تجاه نفتالي بينت، ويائير لبيد كذلك، وما قيل لدى رثاء حكومة التغيير في وسائل الإعلام. تبدو إسرائيل كمن كانت تعيش لمدة عام كامل في الجنة، والآن عليها أن تعفر رأسها في التراب وتمر بالمراحل الخمس للعزاء القومي: الإنكار، والغضب، والمساومة، والاكتئاب، والصلاة، وهناك من يريد الانتقال مباشرة إلى المرحلة الأخيرة.
- التوقعات السوداوية مفهومة، فقد مر وقت قصير منذ نهاية حكم الدكتاتور، ولا تزال الصدمة النفسية طازجة، والخوف من عودته أكبر من الخوف الذي يشكّله التهديد النووي الإيراني. لكن هذا بالذات هو الوقت الذي يجب فيه أن نستيقظ ونصوغ الواقع من جديد. ولبيد، الذي سيتولى منصب رئيس الحكومة الانتقالية (إن لم يتم تأليف حكومة بديلة)، لن يكون بالضرورة كبطة عرجاء، وألعوبة موقتة في نافذة الواجهة السياسية تعد الأيام وصولًا للانتخابات. فبعد أن اخترق كل الخطوط الحمر التي قيّد ذاته بها قبل الانتخابات السابقة، جلس مع "الزعبيين" [يقصد نائبة "ميرتس" غيداء ريناوي - زعبي] و"الحركة الإسلامية"، وتعامل مع المتدينين (ولم يتقرب كثيرا من الحريديم)، كما رقص مع "اليسار المتطرف"، ولديه خبرة كافية وقدرة على بناء كتلة سياسية صلبة من الأشلاء.
- أمام لبيد ثلاثة أشهر على الأقل، يمكن ببساطة أن يتحولوا إلى نصف عام أو أكثر، للقيام بثورة وإعادة بناء معسكر ديمقراطي، ليبرالي، يميني إلى حد ما، ويساري إلى حد ما، بإضافة القليل من الدين. تجهّزت البنية خلال العام الماضي، والخطوة المطلوبة والصعبة ليست النقاشات في الأيديولوجيا المتفق عليها، إنما في تقريب الأطراف للنظرة الذاتية الحادة التي مزّقت الحكومة الماضية حتى باتت عبارة عن بالون من دون هواء. وهنا أيضاً نجد الإيجابية الأساسية والقوة الكامنة لنجاح لبيد، فهذه الحكومة قامت أصلًا لأنها ابتعدت عن الأيديولوجيا، ولم تحاول إنهاء الاحتلال، واستفزت المستوطنين والعرب على حد سواء، كما كانت لديها سياسة خارجية فعّالة، ولوقت طويل نسبياً منحت الوزراء فيها شعوراً بالاستقلالية والاحترام مكان الاستهزاء الذي بثه نتنياهو حتى لأقرب الوزراء إليه، إذ حولهم إلى مخصيين. وفجأة، من أسقط الحكومة لم يكن الوزراء ولا الأيديولوجيا، إنما الأعشاب الضالة، أصحاب الإيغو، التي نمت على الهامش.
- ولأن هذه الحكومة نجحت في التعامل مع الفروقات الأيديولوجية، فإن لبيد قادر الآن ومرغم على البدء بعملية صهر بين الأحزاب. فقد اقترح رافيف دروكر، مثلًا، الدمج بين ميرتس وحزب العمل؛ هذه البداية، لكنها ليست كل شيء. ولم يعد لدى حزب أزرق أبيض لبني غانتس مبرر وجود مستقل، إذ يستطيع أن يندمج أيديولوجياً (إن كان لديه أيديولوجيا أصلاً) مع حزب يوجد مستقبل، ومع حزب العمل، ومع حزب جدعون ساعر أمل جديد أيضاً. فبعد كل شيء، مَنْ جلس مع نتنياهو وصدقه، يمكن أن ينسجم مع أي جسم سياسي ممكن.
- لقد أحدث الانقسام داخل الأحزاب العربية، ومنافسة القائمة الموحدة منفردة، والتي أبدى زعيمها منصور عباس فهماً سياسياً نادراً، شراكة سياسية يهودية مع حزب عربي، ومنحه، في الأساس، شرعية غير مسبوقة. وبالتالي، تستطيع القائمة المشتركة استغلال هذا إن فهمت أهمية إعادة ترتيب الصفوف من جديد مع القائمة الموحدة.
- يستند الصَهر الحزبي إلى الفرضية القائلة إن الناخبين يفضلون المعسكرات الكبيرة "بلوكات" أكثر من فتات الأحزاب. بهذا المسار بالذات على لبيد أن يتحرك ليستطيع منح الناخب بديلاً واقعياً يفخر بكبره ويقنع باحتمالات نجاحه. وفي النهاية، سؤال الإيغو: ميراف ميخائيلي تندمج مع نيتسان هوروفيتس؟ أيمن عودة يعانق عباس؟ وغانتس يرى بذاته مساوياً لساعر؟ من أين جاءت هذه الأوهام؟ الجواب هو أنه لا يوجد طريق آخر.