المحاولة الإيرانية لاستهداف إسرائيليين تؤسس جبهة مشتركة بين إسرائيل وتركيا
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • في أيار/مايو الماضي، وبعد وقت قصير من زيارة وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو "التاريخية" لإسرائيل، نشرت هذه الأخيرة تحذيراً من السفر إلى تركيا، الأمر الذي فاجأ وزارة الخارجية التركية وأثار غضبها؛ "لماذا يجب نشر هذا التحذير علانية؟ إذ كان يمكن العمل من وراء الكواليس ضد هذه التهديدات، وهذا ما جرى في وقت سابق بين الاستخبارات التابعة لنا واستخباراتهم، ونستمر في التعاون الاستخباراتي الآن أيضاً، بحسب قول أحد المسؤولين الأتراك الكبار لصحيفة "هآرتس".
  • في أنقرة، هناك من يعتقد أن الهدف من التحذير هو رغبة إسرائيل في إلحاق الضرر بالسياحة في تركيا، وبالتالي مفاقمة الأزمة الاقتصادية التي تعاني جراءها البلاد أصلاً. ولتهدئة الأوضاع، كان هناك حاجة إلى إجراء عدة مكالمات بين وزارتي الخارجيتين الإسرائيلية والتركية، وبين الموساد ونظيره التركي الذي يترأسه حقان فيدان، والذي حافظ على علاقات عمل مع إسرائيل حتى عندما كان هناك قطيعة بين الدولتين. ولدى نشر التحذير هذا الأسبوع، بالإضافة إلى دعوة مواطني إسرائيل الموجودين في تركيا إلى العودة إلى بلدهم، كان الأتراك جاهزين. وبحسب مصادر إعلامية، فإن المعلومات التي مررها الموساد لتركيا أدت إلى كشف خلية خططت لتنفيذ عمليات قتل ضد إسرائيليين في تركيا، انتقاماً لعمليات اغتيال علماء ورجال من الحرس الثوري الإيراني تُتَّهم إسرائيل بتنفيذها.
  • وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها التعاون بين أذرع الاستخبارات في كلا البلدين، إذ أدى التعاون بينهما إلى منع وإحباط أعمال "إرهابية" إيرانية داخل حدود تركيا. ففي فبراير/شباط الماضي، تم إحباط محاولة لاغتيال رجل الأعمال الإسرائيلي - التركي يائير غلر، وبعد ذلك بوقت قصير تم اعتقال خلية تضم عملاء إيرانيين ومواطنين أتراك في تركيا كانت تخطط لعمليات أُخرى.
  • ولا ينحصر نشاط العملاء الإيرانيين في تركيا بالأهداف الإسرائيلية فقط، فقد تم اعتقال زعيم عصابة إيرانية، خلال العام المنصرم، كانت تنشط في مجال تهريب المخدرات، ومعه 11 آخرين، بعضهم له علاقة بالاستخبارات الإيرانية، وكان يُشتبه بهم بجمع معلومات والتخطيط لاغتيال معارضين إيرانيين يسكنون في تركيا. فتشغيل عصابات إجرام إيرانية - تركية لأهداف استخباراتية هي طريقة عمل معروفة للاستخبارات التركية، وقد أدت ملاحقة هذه العصابات، خلال العام الماضي، إلى اعتقال المواطن الإيراني محمود رضا زادة، المشتبه به باغتيال المعارض الإيراني مسعود مولاوي في عام 2019، وبالتخطيط لاغتياله أيضاً. وبعدها بثلاثة أشهر تم اعتقال ثمانية أشخاص، بينهم عملاء إيرانيون، مشتبهاً بهم بمحاولة خطف وتهريب جندي إيراني سابق هرب إلى تركيا. وتستعمل إيران عصابات الإجرام بهدف إنكار أي علاقة لها بما تقوم به هذه العصابات، كما أن تركيا تعتبر أن ما تقوم به العصابات، بشكل علني على الأقل، عبارة عن أعمال إجرامية "عادية"، وبالتالي لا تجد نفسها مرغمة على اتخاذ خطوات دبلوماسية حادة ضد إيران.
  • لطالما كانت أهداف إيران في تركيا محصورة بالمواطنين الإيرانيين الهاربين إليها خوفاً من بطش النظام، أو رجال المعارضة الناشطين، ولطالما اكتفت أنقرة بالحل من خلال القنوات الاستخباراتية والدبلوماسية السرية. لكن حين تتحول تركيا إلى ساحة النشاط الإيراني ضد إسرائيل، فعلى أنقرة أن تقوم بخطوات علنية وجادة، وخصوصاً أن هذا النشاط يضر بالسيادة التركية، بالإضافة إلى أنها تضر بجهود تركيا لترميم العلاقات مع إسرائيل، وبذلك تقوم بسكب الزيت على نار التوتر القائمة أصلاً بين تركيا وإيران.
  • وقد وصل هذا التوتر إلى ذروته في الآونة الأخيرة بسبب نية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المعلنة بالخروج في حملة عسكرية إضافية – الرابعة - داخل حدود سورية، بهدف تحقيق مراده بخلق "منطقة عازلة" على طول الحدود التركية – السورية، وذلك من خلال احتلال أراض تقع على مسافة نحو 30 كيلومتراً من الحدود، وتهجير القوات الكردية السورية الموجودة هناك، والتي تعتبرها تركيا "منظمات إرهابية". وهذه الخطة التي يسوقها أردوغان في كل فرصة ممكنة أدت إلى قيام حلف معارضة تشارك فيه كل من الولايات المتحدة وإيران.
  • لقد أوضحت الولايات المتحدة، التي لا تزال ترى في الأكراد حلفاء مخلصين (وهم يتمتعون بمساعدات اقتصادية وعسكرية)، لأردوغان أنها تعارض الحملة العسكرية التي ستضر بهم. كما تتخوف إيران من اجتياح تركيا للأراضي الملاصقة لحلب، وبالتالي تدفع بالميليشيات الداعمة لإيران هناك، والتي تسيطر على ريف المدينة، وخصوصاً القريتين الشيعيتين الزهراء ونبل. وفي الآونة الأخيرة قامت إيران بتقوية منظومة الميليشيات التابعة لها في المنطقة كرسالة إلى تركيا مفادها أنها لن تمتنع عن الاشتباك مع القوات التركية في حال اقتراب الثانية من مناطق النفوذ الإيراني. وبحسب مصادر إعلامية تركية، فإن النزاع المسلح في سورية هو سيناريو ممكن وواقعي، ومع ذلك يجب التعامل مع هذه التقارير بعين الشك، ذلك بأن من مصلحة النظام التركي، الذي يسيطر على معظم الوسائل الإعلامية في الدولة، أن يمرر رسائل تهديد بهدف ردع إيران.
  • وإلى جانب التوترات بين إيران وتركيا داخل حدود سورية هناك أيضاً شكوك إيران الثابتة في أن لدى تركيا خططاً في جنوب القوقاز وأذربيجان بصورة خاصة. فإيران كزت على أسنانها مع تحول إسرائيل وتركيا إلى حليفتين في الحرب الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا التي تدور حول السيطرة على إقليم ناغورني - كاراباخ، الأمر الذي أدى، بحسب ادعاء إيران، إلى انتصار أذربيجان في الحرب. وترى تركيا في دول القوقاز منطقة نفوذ طبيعية تابعة لها، بسبب القرب الثقافي والتاريخي. من جانبها، تتخوف إيران من تحول هذه الدول إلى قاعدة هجوم إسرائيلي - أميركي عليها، بمساعدة تركية، ويتعاظم هذا الخوف مع مشاهد التقارب وتجديد العلاقات بين إسرائيل وتركيا، مع الأخذ بعين الاعتبار دخول تركيا مجدداً إلى قلب الشرق الأوسط العربي بفضل علاقاتها الوطيدة مع الإمارات والسعودية.
  • إن منظومة العلاقات التركية الجديدة مع دول المنطقة وإسرائيل، والعلاقات التركية – الإيرانية المتوترة، تجعل من تركيا ذراعاً ضرورية في معركة إسرائيل ضد النشاطات "الإرهابية" الإيرانية. ولا يتم الحديث هنا عن علاقات ثنائية بحيث يعني الحلف مع إسرائيل قطع العلاقات التركية- الإيرانية.
  • لا تزال تركيا ترى في إيران شريكة اقتصادية مهمة ومركب مركزي في علاقاتها الخارجية التي تحاول من خلالها بناء منظومة علاقات وطيدة مع كل دول المنطقة. لكن حين تحاول الولايات المتحدة بناء حلف دفاعي إقليمي ضد إيران - ويوضح الرئيس بايدن، الذي من المتوقع أن يزور المنطقة خلال الشهر المقبل، أن أحد أسـباب زيارته المركزية هو أمن إسرائيل - فإن أنقرة لا تريد البقاء خارج هذا الحلف وتتوقع من إسرائيل أن تقوم بدورها من أجل دمج تركيا فيه، ومن هنا أيضاً ترميم العلاقات مع واشنطن.