ثم جاءت القمصان البيضاء
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- "العرب يرفعون رؤوسهم. يسمحون لأنفسهم"، بهذه الكلمات اشتكت إفرات راز، التي تقطن في المستوطنة غير المسموح بها وغير القانونية، كيدا، على مسامع رئيس الحكومة نفتالي بينت. ونظراً لأن زوجها نوعام راز قُتل خلال اقتحام وحدة اليمام [الوحدة الخاصة لمحاربة الإرهاب] مخيم جنين يوم 13 أيار/مايو، عرفنا أنه كان جزءاً من القوة ذاتها التي قصفت منزلاً لا يزال سكانه فيه، بينهم 11 ولداً ينامون فيه. هذا بالإضافة إلى أن الوحدة استخدمت أباً وابنته، كدرع بشري.
- كم عدد سكان المستوطنات غير القانونية الذين يخدمون، بشغف وولاء، في وحدات تنشر الرعب في أوساط أطفال فلسطين، وتزرع فيهم صدمات نفسية وغضباً طوال الحياة؟ كم من النساء هناك، وهم أيضاً، يعتقدن أن العرب يرفعون رؤوسهم؟ كم من الذين رأيناهم بالقمصان البيضاء في مسيرة الرعب أول أمس في القدس، يحلمون بالانضمام إلى اليمام؟
- كان مهماً لو حددوا السياسة العامة التي يعمل بموجبها الجيش وأذرعه في الشرطة في حماية وتعميق المشروع الاستيطاني. لكن العكس هو الصحيح: على مدار أكثر من 50 عاماً، شكّل المجتمع المسياني - الديني - القومي أداة مريحة بيد الحكومات العلمانية الإسرائيلية التي حرصت على تعميق المشروع الصهيوني، من خلال السيطرة على بقايا المساحة الفلسطينية التي احتُلت في سنة 1967. أداة، نشدد ونقول إنها أداة.
- هذه القمصان البيضاء - منذ الرقص في سبسطية وفرحة عيد المساخر في الخليل، بعد المجزرة التي ارتكبها د. باروخ غولدشتاين بحق المصلين الفلسطينيين- ما كانوا لينجحوا لولا أنهم خدموا جيداً أهداف الحكومات الصهيونية، واندمجوا في الخطط التي أعدتها. لولا تشجيع السياسيين (أعضاء في الاشتراكية الدولية)، من أمثال شمعون بيرس ويغآل ألون، الذين خططوا مسبقاً لتفكيك الضفة الغربية كحيز فلسطيني؛ لولا قيام الجيش، في أيام إشكول وموشيه ديان، بهدم ثلاث قرى فلسطينية في اللطرون، وهجّروا سكانها؛ لولا تجاهُل عنف "الأعشاب الضارة" لعشرات الأعوام؛ لولا سيطرة الجيش على مساحات واسعة لأهداف عسكرية، كما يبدو، ومررها للمستوطنين؛ لولا منع الاقتصاديين والمصممين والقانونيين الإسرائيليين للتطوير الفلسطيني - قبل وبعد اتفاق "أوسلو".
- المشكلة هي أن الأدوات ترفع رأسها. شاهدنا هذا جيداً خلال الرقصة المرعبة أول أمس في القدس. اليوم، عددهم 50 ألفاً، يلبسون القمصان البيضاء ويسيرون في قلب القدس الفلسطينية. أمس، ساروا في الخليل، وطبّقوا فيها رؤية تفريغها من الفلسطينيين. غداً، سيكونون مئة ألف. رعاة الغنم العنيفون في البؤر الاستيطانية، هم أيضاً جزء من هذه الصيغة البيضاء المقدسة. وكما قال الأب الروحي زئيف حفير، من حركة الاستيطان "أمناه"، فإن هذه البؤر سيطرت على ضعف الأرض الفلسطينية التي سيطرت عليها المستوطنات المبنية. ما هو حجم الأرض التي سينجحون في سرقتها غداً؟ ثمانية أضعاف، أم سبعة فقط؟ اليوم، عدد اليهود الذين رقصوا واقتحموا الحرم الشريف هو 2600. لقد نجحوا سابقاً بسلب الحرم الإبراهيمي من المجتمع الفلسطيني. غداً، سيكونون 7000. كم عدد الذين سيوقّعون عريضة لبناء الهيكل الثالث منهم؟ ومتى سيكون لهم الأغلبية الديمقراطية في الكنيست؟
- ألا يوجد في العالم كله اليوم دولة مسؤولة واحدة، تقول بصوت واضح: "تباً، هذه الطفرة اليهودية التي تتطور في الشرق الأوسط - دولة إسرائيل- ضربها الجنون. وقعت على رأسها. وبصورة خاصة بسبب قوتها العسكرية والنووية والتكنولوجية، الممزوجة بشغف ديني مجنون، بسبب علاقتها بالولايات المتحدة، هذا ما يجب أن يُقلقنا، جداً". في هذا العالم القاسي الذي نعيش فيه، هذا توقُّع غير منطقي، أن تخرج جهة دولية مسؤولة وكبيرة، وتعمل على كبح جماح هذا الاتجاه الذي يشارك في صوغه مواطنو دولة إسرائيل اليهود بشكل كامل.
الكلمات المفتاحية