منصور عباس هو الصوت الأصلي لليسار الإسرائيلي
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- عندما يجتهد رئيس الحكومة ووزير الأمن بهدف الإقناع بأن الحرب على "الإرهاب"، والسيطرة على المسجد الأقصى، أو قرار اغتيال يحيى السنوار، أمور لا تخضع لأي حسابات سياسية-فهما يكذبان. الحسابات السياسية هي التي قررت كيف ستعمل أجهزة الأمن في المسجد الأقصى، وهي التي قررت ما إذا كانت إسرائيل ستبدأ عملية عسكرية واسعة، وهي التي وضعت المعادلة التي تجعل رد منصور عباس جزءاً لا يتجزأ وجوهرياً من ميزان الردع الإسرائيلي.
- يستطيع بني غانتس أن يجسد نظرة الجنرال، وأن ينظر إلى عدسة الكاميرا مباشرة ويعلن أن السيادة في المسجد الأقصى إسرائيلية كاملة، ووحدها الاعتبارات الأمنية وحرية العبادة التي تقرر سلّم الأولويات. لكن، قبل شهر من الآن، شرح يائير غولان (ميرتس)، بصراحته المعهودة، أن "هدفنا قبل كل شيء هو منع انفجار المسجد الأقصى، وكذلك الحفاظ على الوضع القائم. عندما نحدد سياساتنا، فإنها تعكس رغبات وحاجات أعضاء الائتلاف، لذلك، من الواضح أننا نأخذ القائمة الموحدة بعين الاعتبار، وهذا جيد من جانبي." فردّ عليه نير أورباخ (من حزب يمينا) بغضب: "يبدو أنه يريد إسقاط الحكومة."
- أوقفوا الذعر. ميرتس لن تُسقط الحكومة-ستترك هذه المهمة لعباس. عباس، الذي يفهم أكثر من زملائه في اليسار، قدّم للحكومة سلّماً منطقياً للنزول عن الشجرة. كل ما يتم الاتفاق عليه ما بين إسرائيل والأردن سيكون مقبولاً من القائمة الموحدة. بكلمات أُخرى، اتركوا الكرامة القومية وغيرها، وتوصلوا إلى تفاهمات مع الطرف الذي منحتموه السيادة على إدارة المسجد الأقصى، وهكذا ستنقذون الحكومة وتحبطون الفتيل المشتعل من المسجد الأقصى. ولكن، عندما تدخل رائحة الانتخابات إلى الأنوف، يتوقف المسجد الأقصى عن كونه "فقط" مكاناً للعبادة والزيارة-ويتحول إلى مركّب أساسي في البرامج السياسية، وكل قرار يتعلق به يغدو ممتلئاً بالحسابات السياسية.
- غزة، كما الضفة، كما المسجد الأقصى. مهرجان اغتيال يحيى السنوار ليس الوحيد الذي يتكئ على حسابات السياسة-ومنفصل كلياً عن الحسابات الأمنية-كذلك الرد الإسرائيلي على العمليات، فهو منوط بسيناريوهات البقاء السياسي. هل من المسموح لحكومة مربوطة بكوابح سياسية أن تقوم بجرّ الدولة إلى مغامرة عسكرية؟ والأهم، هل تستحق حملة عسكرية تفكيك الحكومة، في حال لم تستطع القائمة الموحدة البقاء في الحكومة؟ أو ربما تحديداً بما أن الحكومة، في كل الأحوال على حافة السقوط فإن هذا هو الوقت لشن هجوم عسكري، من أجل جني بعض الأرباح السياسية، التي تساهم في خوض الانتخابات.
- الجهود المبذولة لتسويق مقولة "أمن مواطني دولة إسرائيل"، كالعامل الوحيد الذي يحرك الحكومة في جهودها لمعالجة "الإرهاب"، يستند برمته إلى جهود إبقاء الحكومة في قيد الحياة. ميزان الردع السياسي هو الذي يحدد ميزان الردع العسكري. هنا تكمن قوة عباس الأساسية ونقطة تأثيره، على الرغم من عدم وجوده في الحكومة. وإن لم يكفِ هذا، فالأحزاب المحسوبة على اليسار، كحزب العمل وميرتس، رفعت من قوته السياسية عندما فرحت بالتنازل عن تحمل المسؤولية عن الأيديولوجيا الخاصة بها، والقاء الحمل على عباس كي يتحدث باسمهم.
- وبذلك كونه متحرراً من العباءة القومية الصهيونية المزيفة، عباس لا يمثل فقط مَن صوتوا له من المجتمع العربي-هو أيضاً الصوت الأصيل لما كان من المفترض أن يكون عليه اليسار الإسرائيلي. بفضله، تستطيع ميرتس وحزب العمل الحفاظ على الطهرانية الوطنية الأمنية، وطأطأة الرأس، ونشر إدانة هامشية، كما يليق بالبقايا السياسية المرمية على الرف. إن أحداً لا يستطيع اتهامهم بإسقاط الحكومة. أما عباس، فعلى عكسهم، هو المهندس الذي جاء للعمل ومعه العدة. هو مَن يحدد للحكومة الخطوط الأساسية التي لا تستطيع اختراقها. وفجأة، عباس يعمل فقط في الإطار العام الذي وضعته الحكومة لذاتها، والذي نصّ على أنها لن تدخل في القضايا الخلافية. هذا هو الدرس الذي خسرته ميرتس والعمل.