زيلينسكي يعلم جيداً: اللامبالاة عدو أوكرانيا الأخطر
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • يقوم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بجولة في برلمانات العالم، بدأها قبل أسبوعين في "أم البرلمانات" البريطاني، وانتقل بعدها إلى الكونغرس الأميركي والبوندستاغ الألماني، ثم زار البرلمان الكندي في أوتاوا، والأوروبي في ستراسبورغ، ولا يزال أمامه اليابان وإيطاليا. وعلى الطريق، منح الكنيست في إسرائيل عشر دقائق.
  • وفي جميع خطاباته حتى الآن، انتقد بشدة الحكومات المستضيفة بسبب عدم تقديمها مساعدات عسكرية كافية لأوكرانيا، وهاجم الأميركيين والبريطانيين بسبب رفضهم استخدام سلاح الجو الخاص بهم، وسائر دول الناتو، كي تفرض مناطق حظر جوي في سماء أوكرانيا. أمّا انتقاده لإسرائيل فكان بسبب رفضها تزويد أوكرانيا بمنظومة القبة الحديدية.
  • لم يكن ثمة فرق كبير في حدة الانتقاد الذي وجهه زيلينسكي إلى كل من إسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة، لكن انتقاده السياسة الإسرائيلية كان ممزوجاً بخيبة أمل ظهرت في الخطاب. لقد توقع المزيد من إسرائيل بسبب التاريخ المشترك للشعبين؛ صحيح أنه غيّر في التاريخ قليلًا حين حاول أن يقدم الأوكرانيين على أنهم أنقذوا اليهود خلال المحرقة، لكنها تبقى سردية تاريخية مريحة لإسرائيل، باعتبار أن أقلية تقف في مقابل أكثرية مجرمة.
  • لقد كان خطاباً صهيونياً بامتياز عرض فيه زيلينسكي وجه الشبه بين الشعبين الأوكراني والإسرائيلي، ووفقاً لكلامه، كلاهما شعبان يريدان السلام، ولا يطلبان سوى العيش بسلام، مقتبساً من غولدا مئير قولها: "إن أعداءنا يريدون إبادتنا"، تماماً كما يريد الروس إبادة الأوكرانيين. وبالمناسبة، لن يجد المختصون في "الدعاية" الإسرائيلية صياغة أفضل من هذه. ومن هنا تبرز خيبة أمله الكبيرة بسبب رفض حكومة إسرائيل تزويده بالسلاح، وعدم انضمامها إلى الدول التي فرضت عقوبات على روسيا.
  • على المستوى الأخلاقي فإن هذه الانتقادات في مكانها، لكن في الوقت عينه يجب عدم التعاطي بجدية مع انتقاده الموجه إلى نفتالي بينت بأن "التوسط ممكن بين الدول، لا بين الخير والشر"، ولا سيما أن زيلينسكي ذاته بارك جهود بينت بالوساطة، واستثمر ساعات طويلة في الحديث معه هاتفياً خلال الأسبوعين الأخيرين. وقبل خطابه في الكنيست بوقت قصير، اتهم حلف الناتو خلال مقابلة مع شبكة "سي إن إن" بأنه لا يقول مباشرة إن كان على استعداد لرؤية أوكرانيا تنضم إليه "في الوقت الذي يموت أهلها يومياً"، وبذلك عملياً "تركنا في موقع إشكالي". وفي هذا إشارة واضحة إلى أن زيلينسكي يعلم جيداً أن أي اتفاق مع الروس سيكون بعد إلغاء إمكان الانضمام إلى الناتو كلياً، ويتوقع أن يقوم الحلف بذلك بدلاً منه.
  • فالخطابات شيء، والدبلوماسية شيء آخر، إذ يحاول زيلينسكي أيضاً إيجاد المعادلة التي ستسمح بإنهاء هذه الحرب في أقرب وقت ممكن. وعلى الرغم من أنه لا يؤمن بأن الرئيس فلاديمير بوتين سيُبدي ليونة كافية للوصول إلى اتفاق كهذا، فإن أي مساعدة من بينت في هذا الاتجاه ستسعده، على الرغم من الانتقادات اللاذعة.
  • إن الطريقة غير اللائقة التي تم فيها ترتيب الخطاب، ذلك بأن بعض أعضاء الكنيست كانوا موجودين في منازلهم، والبعض الآخر في رحلة خارج البلد، بدلاً من وجودهم جميعاً في قاعة الكنيست، تطرح السؤال بشأن حاجة زيلينسكي إلى خطاب كهذا. لكن هذا سيكون دلالة على انعدام الفهم العميق لما يحاول القيام به، والأهم لما يحاول الحفاظ عليه. فزيلينسكي لا يتوجه إلى البرلمانات، إنما إلى الرأي العام الدولي، وهو قلق من أن يخف التعاطف والتضامن مع أوكرانيا مع مرور الوقت.
  • يبدو أن الجزء الأهم في خطاب زيلينسكي في الكنيست كان التحذير، الذي عاد وكرره في نهاية الخطاب، من "اللامبالاة" بمصير أوكرانيا. صحيح أنه لم يمضِ على عمل زيلينسكي في السياسة أكثر من أربعة أعوام، لكنه فهم جيداً أن الخطابات البرلمانية لن تغير من السياسات المحسوبة الباردة والبراغماتية للحكومات. وليس هذا سبب قيامه بهذه الجولة بين البرلمانات، بل المقصود هنا محاولة يائسة للإبقاء على أوكرانيا في العناوين الرئيسية. فمَنْ أكثر من زيلينسكي، الذي أعد وقدم أدوار بطولة ناجحة تلفزيونياً، يعي أهمية الاستمرار في تشويق الجمهور. الآن، عليه أن يقوم بذلك من على منصة دولية، ما دام الأمر ممكناً.
  • أدى صمود الشعب الأوكراني في وجه الاجتياح الروسي، وتحول زيلينسكي إلى قائده المحبوب، إلى زيادة المساعدات الغربية العسكرية وفرض عقوبات جدية على روسيا. أمّا الآن، وبعد أن تبين أن احتمال تحول الحرب إلى حرب استنزاف طويلة ومؤلمة، أصبح يتعين عليه الحفاظ على زخم الرأي العام. نعم، فبالإضافة إلى فلاديمير بوتين، اللامبالاة هي العدو الأقوى والأصعب لزيلينسكي والشعب الأوكراني.