العقوبات لن تلجم بوتين بل على العكس
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

  • مؤخراً، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العقوبات الدولية، التي تعزل روسيا وتزداد تشدداً حيالها، بلغة حادة لا لبس فيها. فهي بالنسبة إليه، "سبب للحرب" وحجة مبررة لإعلان الحرب على الغرب. في غضون ذلك، هو يحذّر من فرض منطقة حظر للطيران فوق أوكرانيا، وأعلن أن مثل هذه الخطوة سيدفع روسيا، التي تملك سلاحاً نووياً، إلى مواجهة عسكرية شاملة مع أوروبا.
  • بالنسبة إلى بوتين، الغاية تبرر الوسيلة. ليس هناك حدود أو قيود على استخدام القوة ضد أوكرانيا، وهو لا يتوقف عند "الضوء الأحمر". والوقائع تتحدث عن ذاتها: بعد سيطرة القوات الروسية على زاباروجيا أكبر محطة نووية لتوليد الطاقة في جنوب أوكرانيا، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة. وادعت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا توماس غرنفيلد أن "العالم نجا بأعجوبة من كارثة نووية".
  • إلى جانب تحذيراته للغرب، أرسل بوتين تهديدات واضحة أيضاً إلى الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي. ودعاه إلى "نزع سلاحه"، بالإضافة إلى "القضاء على النازية" وطرد النازيين الجدد من قيادة الدولة. وطلب من أوكرانيا البقاء على الحياد في النزاع الدائر بين دول الناتو والغرب وبين روسيا، وأعلن أن مقاومة أوكرانيا الشرسة للغزو الروسي ستؤدي إلى كارثة تؤذيها بشدة.
  • في مقابل مجمل التصريحات والتهديدات في وسائل الإعلام، يعمل الزعيم الروسي وفق خطة سياسية وعسكرية تفصيلية ويخطط لأدق التفاصيل، ويواصل قصفه للدولة التي تقع غرب روسيا. وبينما يرتفع عدد القتلى الأوكرانيين من ساعة إلى ساعة، وأكثر من مليون لاجىء هربوا، بينهم نصف مليون طفل، فإن بوتين لا يتورع عن استخدام كل الوسائل. فقد اتخذ سلسلة خطوات وفرض قيوداً صارمة على حرية الصحافة وحرية التعبير في موسكو، وأغلق الدخول إلى وسائل التواصل الاجتماعي عبر فايسبوك وتويتر في روسيا، وأقر قانوناً يسمح بسجن كل مَن يطالب بفرض عقوبات عليه مدة 3 أعوام. هذه الخطوات لم نشهد لها مثيلاً في الأعوام الأخيرة، وخصوصاً منذ سقوط كتلة الاتحاد السوفياتي في سنة 1991.
  • كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية السابقة في إدارة جورج بوش الأب، وصفت بوتين بأنه "غير متوازن ومجنون كبير". الرئيس جو بايدن وكبار المسؤولين في الإدارة الأميركية وفي الغرب يعتبرونه زعيماً جامحاً وغير عقلاني. بينما يعتبره خبراء في مجال الطب النفسي نرجسياً لا يقدّر حقيقة المخاطر، مدفوعاً بكراهية شديدة للغرب وبتعطُّش كبير للسلطة، فهو من دون شك شخص قوي ومتطرف ماكر وخطِر، وبمرور الساعات، يبدو شخصية استبدادية عنيفة فتاكة لا تتوقف عند حدود. مع ذلك، من المهم أن نفهم أن المقصود دكتاتور عقلاني بارد يتحرك وفق حسابات الثمن والفائدة، براغماتي ويعمل بصورة مدروسة، ويخطط لتحقيق هدف كبير وطموح خارج عن المألوف على النطاق العالمي.
  • يعرف زعيم الكرملين حجم الفجوات في المصالح بين الولايات المتحدة والغرب والفوارق في القوة والجدية والنيات. ومع ذلك، كلما ازداد الضغط الدولي على بوتين، الذي يمرّ في ضائقة، يصبح أكثر خطراً، ويمكن أن يقوم بخطوات متطرفة وغير مسبوقة. ومهما ظهر هذا الكلام غير عقلاني، فإن وصف بوتين للعقوبات الدولية بأنها سبب للحرب هو بمثابة نداء استغاثة وتحذير من شخص مستعد للانتحار من أجل تحقيق أهدافه. وعندما يطلق مجموعة التصريحات والتهديدات والرسائل، فإنه يذرّ الرمال في عيون الغرب الذي لا يفهم أن بوتين فعلاً يطلب منه إيقافه ومنعه قبل "أن يخسره تماماً" ويستخدم سلاح يوم القيامة. وهو بذلك يضع مسؤولية خطواته المتطرفة ونتائجها على عاتق الطرف الثاني الذي لا يفهم حتى الآن حجم الفجوة بين الطرفين. 
  • لذا، حان الوقت كي نستيقظ ونتخلص من "الأمنيات" والتضليل ورؤية الواقع الجديد والعنيف الذي يفرضه زعيم الكرملين. حان الوقت كي ندرك أن الاستخدام العنيف للعقوبات الدولية فشل فشلاً ذريعاً. إنها "سيف مزدوج" لا يردع بوتين، بل على عكس ذلك، فهي تشجعه على الاستمرار في تحرّكه واستخدام القوة العسكرية والعنف المدمر الذي لا هوادة فيه، والذي يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة. إلى جانب صراعه دفاعاً عن الأنا وعلى البقاء، فهو انتصر في الحرب. بالنسبة إليه، الحرب ليست على مستقبل أوكرانيا، بل أبعد من ذلك بكثير. الحرب هي لتعطيل الأمر الواقع في أوروبا وإحداث تغيير راديكالي، والتحول إلى قوة عظمى، مثلما كانت الإمبراطورية السوفياتية.
  • على هذه الخلفية، من المهم أن نفهم أن لقاء بينت وبوتين في موسكو، والذي جرى بالتنسيق مع الإدارة الأميركية، هو نافذة فرصة محتملة لحدوث انعطافة. هذه لحظة الذروة في الأزمة ومحاولة مهمة جداً من طرف إسرائيل والعالم كله لوقف القطار الذي يسير نحو جهنم. لكن من الخطأ الاعتقاد أن اللحظة الحاسمة في لقاء القمة في موسكو هي ضمانه أمنية أو وعد حقيقي لتحسين المواقف بشأن الاتفاق النووي الإيراني، بالتأكيد بالنسبة إلى مَن يستخدم لغة القوة. المطلوب بذل جهد كبير لبناء الثقة بين الأطراف. وبقدر حجم الإنجاز، فإن هذا الجهد يمكن أن يتحول إلى خسارة مريرة تُلحق الضرر بقوة إسرائيل وبموقفها الدولي. ومن دون "قراءة" صحيحة بين السطور، وفهم صحيح للخريطة العالمية الجيوسياسية، هذه الفرصة النادرة المحدودة، زمنياً، يمكن أن تكون مؤشراً إلى بداية حرب عالمية ثالثة.