الحرب الراهنة في أوروبا قد تنطوي على فرص جديدة لإسرائيل في الساحة السورية
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

  • "المشي بين النقاط" أم الوقوف "في الجانب الأسلم من التاريخ"؟ يبدو أن هذين التعبيرين قد أصبحا الأكثر رواجاً واستخداماً في السجال الإسرائيلي العام خلال الفترة الأخيرة لتوصيف المعضلة المرتبطة بالسياسة الإسرائيلية المرغوب فيها حيال الحرب المندلعة بين روسيا وأوكرانيا. وتقف في جذر هذه المعضلة الرغبة الإسرائيلية في تجنُّب استفزاز الروس الذين أصبحوا لاعباً مركزياً، مفتاحياً، في سورية، وقد يعرّضون للخطر حرية الحركة التي يتمتع بها سلاح الجو الإسرائيلي في مساعيه لمنع التموضع العسكري الإيراني في سورية. في المقابل، هناك توق إسرائيل إلى أن تكون جزءاً من العالم الغربي وعضواً في مجموعة الدول الديمقراطية، ولذلك، فهي لا تستطيع اتخاذ موقف يتعارض مع قيم هذا العالم، ومع مَن يقف على رأسه، الولايات المتحدة بصورة أساسية.
  • إسرائيل لا تزال تعتمد، حتى الآن، سياسة حذرة حيال روسيا، وتتجنب إصدار بيانات تنديد شديدة اللهجة ضدها.
  • والمعادلة الماثلة أمام إسرائيل هي أن الضغط الأميركي و/أو الإسرائيلي على روسيا قد يعود بالضرر على المصالح الإسرائيلية في سورية. وهو ما يثير التخوف من احتمال تقييد حرية النشاط الإسرائيلي في سماء سورية بفعل ردة فعل متطرفة واستثنائية من جانب روسيا، عبر إسقاط طائرة إسرائيلية مثلاً، أو صدور تهديد وتنديد روسيين غير مسبوقين بحق إسرائيل، على الأقل. وثمة تخوف أيضاً من اختيار روسيا تخفيف الضغوط التي درجت على ممارستها حتى الآن بشأن النشاط الإيراني العسكري في سورية.
  • إن حرية النشاط الإسرائيلي في سورية، المتأتية من ضمن أشياء أُخرى عن التنسيق الفعال والمتواصل بين إسرائيل وروسيا، ذات أهمية قصوى ولا يجوز الاستهانة بها في إطار منظومة الاعتبارات الحالية. فقد نجحت "المعركة بين الحروب" في عرقلة وتشويش مشروع التموضع العسكري الإيراني في سورية، ويتعين على إسرائيل ضمان استمرارها. ومع ذلك، ينبغي عدم الانجراف في تصوير روسيا وكأنها دولة عظمى قادرة على كل شيء تقريباً، والاعتقاد أن مصير إسرائيل في الجبهة الشمالية مرهون برحمتها.
  • إن القوة العسكرية الإسرائيلية قائمة في حد ذاتها، وتدرك روسيا جيداً مدى قدرة إسرائيل على إحباط أهدافها في سورية وزعزعة الاستقرار الذي تسعى لتحقيقه منذ زمن بعيد، إذ أصبحت معادلة الردع متبادلة، وفي هذه المرحلة، لا توجد أي مصلحة لروسيا في فتح جبهة إضافية جديدة في مقابل إسرائيل. علاوة على ذلك، فإن الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل ضد أهداف إيرانية تعود بالنفع على موسكو أيضاً، وهي التي تتنافس مع إيران على التأثير والسيطرة في سورية. وحتى الآن، لم تصدر عن موسكو أي ردة فعل غير عادية على خمس غارات على أهداف سورية، على الأقل، نُسبت إلى إسرائيل خلال الشهر الأخير وحده. بل أكثر من هذا، فقد أعلنت روسيا، في موازاة العمليات العسكرية، أن التنسيق مع إسرائيل في المجال الجوي السوري سوف يستمر.
  • بصورة طبيعية، تنكب جهات إسرائيلية على تحليل الأخطار التي تضع الخطوةُ الروسية إسرائيل حيالها في الحلبة السورية، غير أن هذه الجهات تميل إلى إغفال الإسقاطات السلبية المترتبة على ذلك على النظام السوري. وبصورة غير مفاجئة، يعلن بشار الأسد، حليف روسيا، تأييد الإجراءات الروسية. فخلال محادثة هاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، قال الأسد إن روسيا لا تدافع عن نفسها فقط، وإنما عن العالم بأسره، وعن مبادئ العدالة والإنسانية، وإن الدول الغربية تدعم الإرهابيين في سورية، والنازيين في أوكرانيا وفي أماكن أُخرى من العالم. لكن على الرغم من ذلك، فإنه يمكن الافتراض أن وراء تعابير التعاطف الذي أبداه الأسد، ثمة تخوف جدي في غرف المداولات في دمشق من انعكاسات الحرب على الدولة السورية الهشة في العديد من الجوانب والمستويات.
  • في الجانب الاقتصادي، تكابد سورية منذ سنة 2009 أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وتعاني جرّاء نقص خطِر في منتوجات أساسية، مثل القمح والنفط. روسيا هي مصدّر القمح الأكثر أهمية إلى سورية، بما يزيد عن مليون طن في السنة. وقد دفع الخوف من وقف معونات القمح من روسيا الحكومة السورية إلى عقد اجتماع استثنائي، يوم الخميس الفائت، للبحث في آثار الحرب على الوضع الاقتصادي في سورية، وخصوصاً في قطاعات الطاقة والغذاء والمواصلات البحرية. وقد أقرت الحكومة بضع خطوات ينبغي تنفيذها خلال الأشهر القريبة، من بينها إعداد قائمة بمنتوجات الاستيراد الأكثر حيوية، وضبط وإدارة مستودعات المنتوجات الأساسية المتوفرة، إلى جانب فحص إمكانية خفض أسعار بعض السلع الأساسية.
  • في الجانب العسكري، من المرجح الافتراض أن النظام السوري يأخذ في الحسبان احتمال إقدام إسرائيل على استغلال انشغال الروس في أوكرانيا وتكثيف غاراتها الجوية ضد أهداف إيرانية في سورية، بل وربما ضد أهداف سورية أيضاً.
  • من جانبها، قد تستغل روسيا تشكيلات المقاتلين التي أقامتها في سورية وتجندها في العمليات الحربية ضد أوكرانيا، مثلما فعلت في جبهات قتالية أُخرى، مثل أذربيجان وليبيا. وقد نُشر في هذا السياق بعض التقارير التي أفادت بإعداد مرتزقة سوريين من الفيلق الخامس العامل تحت الإمرة الروسية، استعداداً لتجنيدهم في العمليات الحربية ضد أوكرانيا. أما التخوف الأكبر فهو أن تبادر روسيا إلى إطلاق عمليات عسكرية من قواعدها في سورية ضد أهداف أوروبية. ولا شك في أن مثل هذا التطور لن يكون في مصلحة النظام السوري الذي يصارع لترسيخ الاستقرار في أنحاء الدولة.
  • قد تكون للحرب في أوكرانيا انعكاسات على مكانة الأسد الدبلوماسية أيضاً. فحتى قبل سنة واحدة تقريباً، كان الأسد بمثابة "منبوذ" في الشرق الأوسط، بينما شرع بعض الدول العربية، مؤخراً، في مساعٍ لتطبيع العلاقات مع النظام والاعتراف بشرعيته. أما التحالف المتين مع بوتين، الذي يُعتبر اليوم عدواً للعالم الغربي، فلا يخدم الأسد في هذه الفترة، بل قد يعود بضرر وخيم على محاولاته الرامية إلى الفوز بالشرعية الإقليمية والدولية.
  • وليس بعيداً عن الحقيقة الافتراض أن الأسد متخوف من أن الضغط الغربي على روسيا، سواء كان اقتصادياً أو دبلوماسياً، قد يُضعف الدعم الروسي له أو قد يؤدي، على الأقل، إلى الحدّ من تدخُّل روسيا في سورية. وهذا بالتأكيد إذا ما أخذنا في الحسبان حقيقة أنه ليس لدى الرئيس بوتين مشاعر خاصة تجاه الأسد، أو تجاه الدولة التي يقف على رأسها، بل إن ما يشغله ويحكم اعتباراته هو المصالح الروسية، المتغيرة تبعاً للظروف.
  • في التحصيل الأخير، في الجدل الجاري في إسرائيل بشأن العلاقة بين ما يجري في أوروبا وبين النشاط الإسرائيلي في سورية، ينبغي ألّا نستهين بأهمية العلاقات مع روسيا، لكن ينبغي، في المقابل، عدم إغفال موقف إسرائيل القوي وما تمتلكه من أوراق مساومة، بما في ذلك في السياق السوري أيضاً. فهذه إلى جانب الارتدادات السلبية التي قد تصيب سورية جرّاء الحرب الراهنة في أوروبا، قد تنطوي على فرص جديدة لإسرائيل لا تقل عن المخاطر.