فجأة، روسيا مهمة جداً بالنسبة إلينا
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- بحذر مبالَغ فيه، تسير إسرائيل على خيط رفيع وحاد ومميت، يمتد بين القدس وموسكو، ويهدد بخنقها. وهي لفّته بيديها حول عنقها عندما عقدت "حلفاً عسكرياً" مع روسيا، ومنذ ذلك الحين، سمحت لها هذه الأخيرة بمهاجمة سورية كما لو كانت ملعباً خاصاً بها.
- تُعتبر حرية العمل هذه في إسرائيل ذات أهمية عسكرية عليا، لأنها تسعى لمنع حزب الله من الحصول على سلاح وعتاد عسكري متطور يأتي من إيران، عبر دمشق، إلى بيروت. من دون تنسيق وثيق مع الكرملين ومع قيادة سلاح الجو الروسي الموجودة في قاعدة حميميم في محافظة اللاذقية، لا تستطيع طائراتنا إحباط مسار السلاح هذا. في ضوء ذلك، وُضعت الفرضية القائلة إن العلاقات الجيدة مع روسيا هي شرط ضروري لتنفيذ هذا التكتيك الهجومي، على الرغم من عدم وضوح مدى نجاعته في لجم تسلُّح حزب الله، وخصوصاً في ضوء التقديرات الاستخباراتية بأن لدى الحزب أكثر من 130 ألف صاروخ موجّه نحو إسرائيل.
- كما أمِلت إسرائيل بأن الهجمات على أهداف إيرانية في سورية تسرّع في خروج القوات الإيرانية والموالية لإيران التي تقاتل إلى جانب الأسد، وتحبط تمركزها بالقرب من حدود إسرائيل. هذه التبريرات ترسخت بصورة عميقة في الوعي الإسرائيلي، إلى حد أنه لم يجرِ أي نقاش عام لها، كما لو أن هذا الترتيب موجود دائماً، وسيظل موجوداً إلى ما لا نهاية، شرط أن تستمر إسرائيل في إرضاء روسيا.
- السؤال الأساسي هو: لماذا لا تهاجم إسرائيل وتدمر قواعد صواريخ حزب الله المنصوبة في داخل لبنان؟ وإذا كانت هذه الصواريخ والتخوف من تحويلها إلى صواريخ دقيقة تشكل التهديد المركزي بالنسبة إلينا، فيجب أن يكون لبنان على جدول الأهداف. التفسير السائد هو بسبب توازن الردع القائم بين إسرائيل وحزب الله، بحيث يؤدي كل قصف إسرائيلي في اتجاه لبنان إلى رد تلقائي عليه، الأمر الذي يعرّض حياة المواطنين الإسرائيليين للخطر - في المقابل، تدمير صواريخ في الأراضي السورية لا يجر رداً مشابهاً حتى الآن.
- هذا التبرير جميل، لكنه ينطوي على مفارقة من الصعب حلّها: وفقاً لهذه الحجة، تسعى إسرائيل لتكريس توازن الرعب بينها وبين حزب الله إلى الأبد، ولا تريد منع تعاظُم قوته. كأن هناك توازياً بين الجيش الإسرائيلي وبين حزب الله - إذا خرقه الحزب سيتعاظم تهديده لنا.
- هذه المعادلة المشبوهة هي التي منحت روسيا موقعها الراعي لأمن إسرائيل، وهي تطالب اليوم بثمن سياسي مرتفع. لقد اضطرت إسرائيل إلى التهرب من المجتمع الدولي الذي يقاطع روسيا ويفرض عليها عقوبات. الآن، ينظر هذا المجتمع إليها كبلد منافق لا يتجرأ في لحظة الحقيقة على إدانة الغزو الروسي بصورة صريحة.
- يمكننا أن نسأل مَن هي إسرائيل كي تقدم مواعظ أخلاقية لروسيا. فهي بحد ذاتها دولة احتلال تسيء بصورة منهجية إلى الرعايا الواقعين تحت سيطرتها. من المثير للاهتمام في هذا السياق المقارنة بتركيا التي على الرغم من احتلالها شرق قبرص وسيطرتها اليوم على عدة مناطق في سورية، فإن هذا لم يمنعها من إدانة الغزو بشدة، والتفكير في إغلاق مضيقيْ البوسفور والدردنيل في وجه السفن الحربية الروسية، وتوقيع رسالة مجلس الأمن ضد روسيا. هذا الموقف يعرّضها لخطر أكبر من الخطر الذي يمكن أن تتعرض له إسرائيل لو وقفت موقفاً مشابهاً.
- إسرائيل تعطي أهمية كبيرة لسماح روسيا لها بالتحليق في الأجواء السورية - ويبدو هذا، في نظرها، أهم من عضويتها في المجتمع الدولي، والتزامها الدفاع عن وجودها، ومنع إيران من الحصول على سلاح نووي. حتى الآن، لم نسمع تعهدات مشابهة من موسكو. وفعلياً، تعتمد إسرائيل في موقفها على أنهم سيسامحونها على كل شيء لأنها الضحية الأبدية، حتى مقارنةً بأوكرانيا. وهي تؤمن بأن في إمكانها في المستقبل القريب تجنيد التأييد في مواجهة إيران من دون تذكيرها بأنها سكتت عندما احتُلت أوكرانيا على يد القوات الحليفة لها.