النظام العالمي في موضع تساؤلات؟ التداعيات على إسرائيل
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي

من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.

المؤلف

 

  • تزداد التوترات في أوكرانيا حدة بينما تواجه الساحة الدولية أزمة هي الأخطر منذ الحرب الباردة. وتعمل موسكو على زعزعة النظام العالمي المتبلور بقيادة أميركية وصوغ هندسة أمنية تتوافق مع مصالحها الاستراتيجية في أوروبا وتمنع انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو. هذا التحدي الاستراتيجي للولايات المتحدة يجري بالتنسيق مع الصين، ولهذا له تداعيات بعيدة المدى على إسرائيل.
  • ولا يزال ميزان القوى غير واضح، فالأوراق في هذه المرحلة هي في يد بوتين الذي يستطيع الاختيار بين حل يستجيب لمطالبه الأمنية في أوكرانيا (عدم انضمامها إلى الناتو) وشرق أوروبا (الرقابة على السلاح)، وبين غزو محدود لشرق أوكرانيا وصولاً إلى احتلال واسع لكل أجزاء الدولة وتغيير النظام. لا تستطيع روسيا التراجع عن مطالبها من دون تحقيق إنجاز كبير يخدم استراتيجيتها ويؤدي إلى انسحاب الغرب من الحدود الاستراتيجية في شرق أوروبا ويحصن مكانتها في الداخل والخارج، فهدف موسكو هو إنهاء النقاش بشأن انضمام أوكرانيا إلى الناتو ومنع تمركز قوات غربية في مناطق تعتبرها تهديداً لأمنها.
  • من ناحيته، سيحاول الغرب تكبيد الاقتصاد الروسي ثمناً باهظاً، والمس بمكانة روسيا في الساحة الدولية. وقد أثبتت الولايات المتحدة قدرتها على بلورة ائتلاف أوروبي بقيادتها، لكن فعالية أدوات العقاب والردع لدى بايدن ما زالت موضع شك. وسيؤثر نشوب معركة في أوكرانيا في الهندسة الأمنية الشاملة في أوروبا ويمكن أن يقوّض وحدة الاتحاد الأوروبي الذي يظهر ضعفاً في مواجهة الأزمة، وسيزيد من الخصومات وعدم الثقة بين الغرب وروسيا، وسيكون لأصداء الأزمة تأثيرها في الاقتصاد العالمي وأسعار الطاقة، ويمكن أن تنعكس على واشنطن في الأزمة المقبلة إزاء الصين (تايوان) وكوريا الشمالية.

التداعيات

  • إن زعزعة النظام العالمي وصعود روسيا والصين كقوتين عالميتين تتحديان الهيمنة الأميركية سينعكس على موازين القوى في الشرق الأوسط وعلى قدرة إسرائيل على المناورة بين واشنطن وبيجين وموسكو. كذلك فإن صعود النفوذ الروسي والصيني في الشرق الأوسط سيكون له تأثيرات مباشرة في السباق الإقليمي على التسلح وفي التفوق النوعي العسكري لإسرائيل. وفي ظل هذا الواقع يتعين على إسرائيل تعزيز حلفها مع الولايات المتحدة والمحافظة على تفوقها العسكري والأمني.
  • أثبتت الأزمة في أوكرانيا أهمية الشرق الوسط بالنسبة إلى واشنطن في المنافسة الاستراتيجية العالمية في مواجهة الصين وروسيا، إذ يُعتبر سوق الطاقة في الشرق الأوسط مصدراً إضافياً لتحدي الاحتكار الروسي في أوروبا. كما تعزز طرق الملاحة البحرية والموقع الجيو-استراتيجي للشرق الأوسط في رقعة الشطرنج العالمية استمرار التوظيف الأميركي في المنطقة على الرغم من حاجة واشنطن إلى التركيز على الصين وروسيا وإعطائهما الأولوية في الساحة الدولية. يزيد هذا الوضع من فرص إسرائيل لاستخدام التحديات الإقليمية كرافعة من خلال استخدام الدعم الأميركي الشامل (العسكري والسياسي) لتعزيز العلاقات الاستراتيجية مع العالم العربي.
  • من شأن معركة عسكرية في أوكرانيا أن تؤدي إلى نشوب أزمة اقتصادية وارتفاع أسعار الطاقة في العالم بصورة ستنعكس مباشرة على استقرار الأنظمة في الشرق الأوسط. كما أن الدول التي ترزح تحت دين قومي كبير وتعتمد على تصدير الطاقة والقمح، يمكن أن تواجه أزمة حادة في مواجهة ارتفاع الأسعار وارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي وهو ما سينعكس على استقرارها. ويتعين على إسرائيل أن تأخذ في حسابها موجة أُخرى من الاضطرابات الإقليمية.
  • على إسرائيل عدم الانجرار إلى الأزمة الأوكرانية كي لا ينعكس هذا على آلية التنسيق مع روسيا وعلى حرية العمل في المعركة بين الحروب في سورية، والمحافظة على عدم تصدع الحلف الاستراتيجي مع واشنطن.
  • المحادثات النووية في فيينا وصلت إلى المرحلة النهائية من المفاوضات.. المطالب الإيرانية لم تتبدل: الرفع الكامل للعقوبات، والتزام أميركي بعدم خرق الاتفاق مجدداً. من جهتها ألغت واشنطن العقوبات المفروضة على شركات أوروبية وصينية وروسية الأمر الذي يسمح لها بالتعاون في الموضوع النووي المدني. وقد شكلت هذه الخطوة بادرة حسن نية جسدت جدية نيات واشنطن في الدفع قدماً بالمفاوضات على الرغم من انتقادات حلفائها في الشرق الأوسط...
  • وقد وصلت المحادثات النووية إلى مرحلة حاسمة، ومن الواضح أن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم تنازلات للتوصل إلى إبرام الاتفاق من جديد. ولا تبدو إيران من جهتها مستعجلة، ويمكن ملاحظة ذلك في تصريحات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (11 شباط/فبراير) بأن طهران لا تعلق آمالاً كبيرة على محادثات فيينا وهي تعمل على تطوير سياسة خارجية متوازنة حيال قوى أُخرى في العالم والمنطقة.

التداعيات

  • على إسرائيل الاستعداد لسيناريو توقيع الدول الكبرى اتفاقاً نووياً مع إيران لا يخدم مصالحها الأمنية –القومية. ضمن هذا السياق يمكن أن يؤدي الاتفاق إلى إلغاء العقوبات أو جزء منها من دون أن يضع حداً لمشروع الصواريخ البعيدة المدى وقدرات النار المتقدمة (صواريخ باليستية ومسيرات انتحارية)، ومن دون أن يلحق ضرراً بالمعلومات والقدرات التي راكمتها إيران في المجال النووي، ومن دون تدفيع إيران ثمن نشاطاتها في المنطقة ضد إسرائيل وضد حلفاء الولايات المتحدة-وكل ذلك سيزيد التهديد الأمني الشامل لإيران على إسرائيل.
  • في المقابل يجب على إسرائيل، بتأييد أميركي، تعزيز علاقاتها الاستراتيجية والأمنية مع المنظومة العربية السنية بهدف لجم التأثير الإيراني، وتطوير عمق استراتيجي وبلورة هندسة أمنية تتولى دوراً مركزياً فيها.
  • كما يتعين على إسرائيل مواصلة العمل ضمن المعركة بين الحروب لضرب التمركز الإيراني في سورية، وكي تثبت للمنظومة الإقليمية إصرارها على لجم الخطوات الإيرانية التي تقوّض الاستقرار الإقليمي.
  • يشكل التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة رصيداً مركزياً يجب المحافظة عليه وتطويره حتى لو وقعت واشنطن اتفاقاً نووياً جديداً. ويجب على إسرائيل استخدام الاتفاق لتعزيز تفوقها النوعي بواسطة بناء متسارع للقوة، والحصول على تأييد أميركي (سياسي وعسكري) لترسيخ تحالفات إسرائيل الإقليمية مع المعسكر العربي السني.
  • القضية الفلسطينية أصبحت على هامش الخطاب إزاء الأحداث في الساحة الدولية، ومع ذلك تزداد قابلية الوضع في الضفة الغربية للانفجار مع تصاعد الانتقادات الشعبية...
  • من جهة أُخرى تواصل "حماس" التوظيف لتعزيز مكانتها السياسية في الساحة الفلسطينية من خلال تطوير شبكة "إرهاب" في الضفة الغربية وتأجيج التحركات الشعبية ضد إسرائيل. وفي المقابل تستمر مساعي إعادة إعمار غزة بقيادة مصر وقطر وإسرائيل، ولا يزال الهدوء النسبي سائداً. وبينما تعمل إسرائيل لترسيخ تسوية طويلة الأمد مع "حماس" من خلال تقديم حوافز اقتصادية مهمة، لم يُطلب من "حماس" تقديم تنازلات أساسية وهي تواصل التوظيف في قوتها العسكرية وفي توجيه "الإرهاب" في الضفة الغربية وانتهاج سياسة صارمة في موضوع الأسرى والمفقودين، كما تتحضر للصراع على قيادة الساحة الفلسطينية في مرحلة ما بعد أبو مازن، وإزاء المعركة المقبلة مع إسرائيل.

التداعيات

  • على إسرائيل الاستمرار في تعزيز السلطة الفلسطينية من خلال التوظيف في الاستقرار الاقتصادي ورفع مستوى الحياة الفلسطينية، إلى جانب الاستمرار في ضرب شبكات "الإرهاب". مع ذلك يتعين على إسرائيل أن تدرك أن تأثير هذا التكتيك موقت ولا يمكن الاستمرار في إدارة النزاع من دون بلورة استراتيجية بعيدة الأمد، واتخاذ قرارات حاسمة والعمل بصورة ناجعة من أجل بلورة الظروف التي تحافظ على وجهة نظر الفصل بين الشعبين وتشكل أساساً لخطة سياسية مستقبلية.
  • من دون مبادرة واستراتيجيا شاملة فإن إسرائيل تسمح لـ"حماس" بأن تقوى في الساحة الفلسطينية على حساب السلطة الفلسطينية (التي لم تزدد قوة كما يعتقد كثيرون جراء الاستقرار الاقتصادي في المنظومة الفلسطينية)، كما ترسخ عمليات عميقة في المجتمع الفلسطيني في الأساس في الضفة الغربية تعزز نظرية الدولة الواحدة ويمكن أن تؤدي إلى أزمة لا مفر منها مع المجتمع الدولي في أعقاب تزايد الاتهامات تجاه إسرائيل وتجاه سياساتها التمييزية.