حان الوقت لاستراتيجيا مختلفة
تاريخ المقال
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي
من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.
- الوضع الاستراتيجي المتغير يتطلب مبادرة سياسية – أمنية تقدم جواباً عن التهديدات والفرص التي تنطوي عليها. تتمتع إسرائيل باستقرار أمني واقتصادي، ولديها تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة، وتقيم تعاوناً استراتيجياً مع دول سُنّية ضمن إطار "اتفاقات أبراهام"، وتمتاز بتفوق عسكري واضح على خصومها الإقليميين. مع ذلك، فإن الاستراتيجيا الإيرانية العامة التي تسعى بدأب وثبات في العامين الأخيرين لتعزيز هيمنتها الإقليمية من خلال استخدام القوة وحشر الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، بالإضافة إلى تطوير قدرات تكنولوجية نووية، هذه الاستراتيجيا تنجح في ترسيخ ردع فعال في مواجهة المعسكر السُّني، وتطرح تحدياً أمنياً لإسرائيل متعدد الأبعاد وطويل الأجل. المطلوب من إسرائيل بلورة استراتيجيا شاملة لكبح إيران في المنطقة، ومنعها من الحصول على قدرة كي تصبح دولة على عتبة النووي، من خلال تعزيز التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة ودول المنطقة.
- جولة المحادثات الحالية في فيينا تقترب من مرحلة الحسم، على الرغم من الفجوات الجوهرية التي بقيت بين الأطراف. وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن أشار في الأسبوع الماضي إلى أنه بقي وقت قصير جداً، عدة أسابيع لا أكثر، لاتخاذ قرار بالعودة إلى الاتفاق النووي، في تقديره، لأن إيران تقترب من النقطة التي تستطيع فيها إنتاج ما يكفي من مواد مخصبة والقفز إلى سلاح نووي. وحذّر بلينكن من أن الولايات المتحدة ستكون مستعدة لفحص خيارات أُخرى إذا فشلت المفاوضات.
- في المقابل، تدير إيران استراتيجية المماطلة في إدارة مفاوضات فيينا وتطالب بإلغاء نظام العقوبات التي تتجاوز ما هو محدد في الاتفاق الأصلي، ومنع استخدام العقوبات ضدها مستقبلاً، وتحصين مراكز الطرد المركزي المتقدمة، لا تفكيكها...
- في الموازاة، تستخدم إيران ضغوطاً على الولايات المتحدة بواسطة إطلاق صواريخ ومسيّرات انتحارية من طرف وكلائها والميليشيات الشيعية ضد أهداف أميركية في سورية والعراق. وفي حادثة هي الأخطر من نوعها حتى الآن، وضمن سلسلة هجمات وقعت بمناسبة الذكرى السنوية لاغتيال قاسم سليماني (3 كانون الثاني/يناير) أُطلقت 4 صواريخ على السفارة الأميركية في بغداد في "المنطقة الخضراء". صحيح أن القصف لم يؤدّ إلى سقوط إصابات، لكنه يجسد الجرأة المتزايدة لدى إيران على استخدام القوة ضد الولايات المتحدة. أدى الهجوم إلى توجيه البنتاغون تحذيراً شديداً إلى إيران من أن الولايات المتحدة ستردّ إذا استمرت الهجمات.
- مع ذلك، الردع الأميركي في المنطقة ضعف، وعدم وجود رد أميركي حتى الآن ناجم عن رغبة الولايات المتحدة في التقدم في المحادثات النووية والامتناع من الانجرار إلى معركة مباشرة ضد إيران، كل ذلك يشجع وكلاء إيران على استخدام القوة ضد الولايات المتحدة وحلفائها. ضمن هذا الإطار شهدت الحرب في اليمن تصعيداً في الأسابيع الأخيرة جرّاء إطلاق الحوثيين صواريخ باليستية على الأراضي السعودية (في 25 كانون الأول/ديسمبر)، وخطف سفينة إماراتية في البحر الأحمر (3 كانون الثاني/يناير)، وهجوم بالمسيّرات على مطار أبو ظبي الدولي والمنطقة الصناعية هناك (17 كانون الثاني/يناير)، والذي تسبب بمقتل 3 عمال أجانب وجرح ستة آخرين.
......
- على الصعيد المحلي، تشكل المسألة الفلسطينية مكوناً يمكن أن يزعزع الاستراتيجيا الإسرائيلية في المنطقة وإزاء الولايات المتحدة. غياب استراتيجيا شاملة والرغبة الإسرائيلية في "تقليص" النزاع وإدارته من دون أفق سياسي، وهو ما يخلق شعوراً باستقرار وهمي، في ضوء ازدياد النشاطات الاقتصادية - المدنية من جهة، وعمليات "جز العشب" العسكرية من جهة أُخرى. هشاشة السلطة الفلسطينية أيضاً، في ضوء ازدياد النقاش بشأن "اليوم التالي" لأبو مازن، واستمرار مساعي "حماس" لتأجيج الأجواء في الضفة الغربية والقدس، وفي المجتمع العربي، يزيد في الاحتكاكات العنيفة في المنظومة الفلسطينية، ويمكن أن يضر بالاهتمام بالمسألة الإيرانية والتركيز عليها.
- عملياً، تحاول "حماس" تأسيس معادلة عمل جديدة في مواجهة إسرائيل بعد عملية "حارس الأسوار". فهي من جهة تضع "خطوطاً حمراء" قد تتسبب بخرق "حماس" التهدئة (القدس والأسرى، والآن الاضطرابات في النقب)، وتبلور سردية نضالية وطنية فلسطينية ضد إسرائيل (تخدم زعامتها في "اليوم التالي")، وفي المقابل، هي تدفع قدماً بتسوية في غزة تؤدي إلى ترسيخ سلطتها. غياب استراتيجيا إسرائيلية شاملة، سواء في غزة أم في الضفة الغربية، تتمحور حول أفق سياسي يحصّن مكانة السلطة الفلسطينية ونظرية الانفصال، من خلال الاستمرار في "دينامية الجولات"، ويخدم "حماس" التي تحاول ترسيخ زعامتها الوطنية في الساحة الفلسطينية.
توصيات
- ابرام اتفاق نووي من جديد بين الدول الكبرى وبين إيران يمكن أن يترك في متناول إيران القدرة والمعلومات التكنولوجية المتقدمة، بالإضافة إلى تعزيز الاقتصاد المحلي جرّاء رفع العقوبات وزيادة التجارة مع دول المنطقة والمنظومة الدولية. في سيناريو من هذا النوع، قدرة إسرائيل على العمل ستكون محدودة في مواجهة ضغط المجتمع الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة، للمحافظة على الاتفاق المبرم ومنع زعزعة الاستقرار الإقليمي. يتعين على إسرائيل بلورة سياسات متشابكة تعمل في إطارها على توثيق التحالف الاستراتيجي مع واشنطن وزيادة محور التعاون والتنسيق العسكري والاستخباراتي، إلى جانب بناء قوة مستقلة تسمح لها بالقيام بعملية مستقلة إذا تجاوزت إيران الخطوط الحمراء في الموضوع النووي.
- لاحقاً، سيؤدي استئناف الاتفاق النووي، بمعقولية كبيرة، إلى سباق على السلاح التقليدي في كل دول المنطقة للتزود بصواريخ غربية وروسية وصينية متقدمة. يجب على إسرائيل بلورة سياسة متوازنة تقوم في إطارها بتعميق تعاونها الأمني - العسكري مع دول الخليج ومصر والأردن من أجل لجم النفوذ والمساعي التآمرية الإيرانية الإقليمية، بالإضافة إلى المحافظة على التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي.
- يتعين على السياسة الإسرائيلية التحرك وسط مصالح متعارضة، وخلق مساحة مرنة تتيح التقدم في التعاون الإقليمي، مع المحافظة على القوة التكنولوجية والبشرية الخاصة. إن التآكل في التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي من خلال انزلاق التكنولوجيا المتقدمة والقوة البشرية وأساليب العمل الخاصة يعرّض أمن إسرائيل للخطر في المدى البعيد، على الرغم من المزايا الناجمة عن المواجهة مع إيران في المدى القصير.
- يجب على إسرائيل استغلال الفرص الكامنة في الدينامية الإقليمية لتعزيز أهدافها الاستراتيجية، وفي طليعتها إخراج إيران من سورية ولبنان، وتقليص تهديد النيران الدقيقة لإسرائيل، ومنع إيران من الوصول إلى عتبة النووي. في هذا الإطار، مثلاً توسيع المعركة بين الحروب في سورية ضد أهداف إيرانية (العصا)، بالإضافة إلى الاستعداد للاعتراف بنظام الأسد والدفع قدماً بإعادة إعمار سورية من خلال تنسيق أمني - سياسي مع الدول العربية وروسيا (الجزرة) يمكن أن يشكل استراتيجيا ناجعة لتقليص النفوذ الإيراني في سورية.
- يجب على إسرائيل مواصلة ترسيخ التعاون الأمني والمساعدة المدنية-الاقتصادية لتعزيز حكم السلطة ولجم "حماس" على الأرض وزيادة الردع إزاءها. فيما يتعلق بالتوترات في النقب، يتعين على إسرائيل الإشارة بصورة واضحة إلى "حماس" بأن استمرارها في تأجيج الأجواء وسط مواطني إسرائيل من العرب غير مقبول، وستدفع الحركة ثمنه، في الأساس من خلال فرض قيود على الخطوات الإسرائيلية الواسعة النطاق التي تدفع بها إسرائيل قدماً في القطاع. في نظرة بعيدة المدى، يجب على إسرائيل بلورة استراتيجيا شاملة تشمل أفقاً سياسياً لتحقيق عقيدة الفصل ولجم العملية الزاحفة للسير نحو "الدولة الواحدة"، ومنع أزمة علاقات مع واشنطن.