معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
[هذا المقال هو ملحق خاص لدراسة بعنوان: "من التفوق الجوي إلى ضربة متعددة الأبعاد: استخدام القوة الجوية ومكانها في عقيدة الحرب الشاملة لإسرائيل"، وقد تضمنت الدراسة 9 فصول تناولت دور سلاح الجو في مختلف الحروب التي خاضتها إسرائيل وتطور هذا الدور في ضوء التغيرات السياسية والاجتماعية والتكنولوجية وتبدل التهديدات التي تواجهها إسرائيل.]
- في تشرين الأول/أكتوبر 2020، دار على صفحات صحيفة "هآرتس" سجال بين ثلاثة جنرالات في الاحتياط، بدأ بمقالة كتبها اللواء (احتياط) يتسحاق بريك تحت عنوان "الصاروخ يلوي ذيل الطائرة" (بريك، 2020)، هاجم فيها بصورة حادة جداً الأولوية التي مُنحت لسلاح الجو معتبراً أن الأمر ينطوي على مفهوم خاطئ. ودعا بريك إلى إنشاء "سلاح صواريخ" ومنح القوات البرية والمناورِة في عمق أراضي العدو أفضلية أكبر. وكان بريك قد شغل مناصب عسكرية عديدة، أبرزها قائد لواء وقائد فرقة في سلاح المدرعات، وقائد فيلق وقائد الكليات العسكرية. كما كان محارباً وقائد سريّة في الاحتياط في إبان حرب "يوم الغفران" (حرب تشرين/ أكتوبر 1973) وتقلد وسام الشجاعة. وعلى مدى أكثر من عقد من الزمن شغل منصب مفوّض شكاوى الجنود وأصبح في السنوات الأخيرة الناقد الأكثر حدة لعقيدة تفعيل الجيش الإسرائيلي، للقرارات الخاصة ببناء قوّته ولمدى جاهزيته للحرب (انظر أيضاً: بريك، 2021).
- تصدى لبريك اثنان من جنرالات سلاح الجو في الاحتياط، لكل منهما تجربة عملانية وقيادية غنية. الأول هو اللواء (احتياط) ران غورن، الطيار الحربي الذي قاتل في حرب الأيام الستة (حزيران/يونيو 1967) وحرب "يوم الغفران". وقد شغل غورن مناصب: قائد وحدة الاستخبارات في سلاح الجو، وقائد سرب من الطائرات في سلاح الجو وضابط أركان سلاح الجو، وأنهى خدمته العسكرية بمنصب رئيس قسم القوى البشرية في قيادة أركان الجيش الإسرائيلي. وفي رده على بريك، كتب غورن مقالة بعنوان "بريك، أنت مخطئ: لا منافس للطائرة الحربية" (غورن، 2020). وبعد ذلك بأيام قليلة، انضم إلى غورن اللواء (احتياط) عاموس يادلين الذي نشر مقالة بعنوان "تصور بريك مغلوط وخطِر ـ لا بديل لسلاح الجو" (يادلين، 2020). ويادلين كان طياراً في سلاح الجو، شارك في حرب "يوم الغفران" وفي قصف المفاعل النووي في العراق. وكان قائداً لوحدة الاستخبارات في سلاح الجو وضابط أركان سلاح الجو، وقائداً للكليات العسكرية وملحقاً عسكرياً في الولايات المتحدة. وفي منصبه العسكري الأخير، كان رئيساً لشعبة الاستخبارات العسكرية في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي. في الوقت الذي دار فيه هذا السجال، كان يادلين يشغل منصب رئيس معهد دراسات الأمن القومي (INSS).
بريك: "الصاروخ يلوي ذيل الطائرة"
- تتلخص ادعاءات بريك (2020) بأن الأولوية الممنوحة في إسرائيل لسلاح الجو بصورة دائمة تنبع من مفهوم خاطئ وتخلق حالة من الدونية الاستراتيجية إزاء التطورات لدى أعدائها.
- يقوم توجه بريك على فرضية تقول إن إيران والتنظيمات التي تدعمها قررت "أنه من الأفضل لها بناء منظومة من الصواريخ والقذائف حول الحدود الإسرائيلية على أن تحتفظ بأسلحة جوية كبيرة وقوية". ويعتقد بريك أن مختلف التطورات تقود إلى واقع أن للصواريخ والقذائف اليوم قدرات "تفوق قدرات الطائرات في العديد من المعايير" ـ تكلفتها أقل، نسبياً، وتفعيلها لا يتطلب درجة عالية من المهارات والمهنية، والوقت المطلوب لنشرها قصير وتتمتع بقدرة على الإصابة الدقيقة. وفي المقابل، فإن تفعيل الطائرات "عملية معقدة جداً" ـ تتطلب وقتاً أطول وتحتاج إلى تخطيط دقيق، وهي محفوفة بمخاطر كبيرة وتكلفتها عالية.
- هذه الفجوة تخلق، بنظر بريك، "مشكلة استراتيجية: سلاح الجو غير قادر على تقديم الرد الملائم في حرب متعددة الجبهات يجري خلالها إطلاق آلاف الصواريخ والقذائف كل يوم على الجبهة الداخلية الإسرائيلية". ويحذر بريك من أن "القيادات العسكرية والسياسية قد بنت وكرست، على مدى سنوات عديدة، رؤية تقوم على أن سلاح الجو هو العامل الحاسم في ساحة الحرب"، غير أن هذه الرؤية مغلوطة، كما يرى بريك، ولا يجوز الاعتماد على سلاح الجو. ولتعزيز ادعائه هذا، يستند بريك إلى ثلاثة إخفاقات مُني بها سلاح الجو: في حرب "يوم الغفران" فشل سلاح الجو لأنه "أعدّ نفسه للحرب الماضية وليس للحرب الآتية"؛ في حرب لبنان الثانية "نجح سلاح الجو في إصابة الصواريخ الثقيلة وبعيدة المدى لدى حزب الله في لبنان وتعطيل معظمها، لكنه لم يفلح في وقف إطلاق الصواريخ والقذائف القصيرة والمتوسطة المدى طيلة أيام القتال"، وهذا الإخفاق في غاية الأهمية برأي بريك لأنه "لن يكون أمام سكان الشمال (الإسرائيلي) مكان يلجأون إليه خلال الحرب القادمة، لأن مئات الصواريخ ستصيب وسط البلد أيضاً بصورة يومية، وخصوصاً الصواريخ الثقيلة (التي تحمل مئات الكيلوغرامات من المتفجرات) والدقيقة"؛ والإخفاق الثالث الذي يسجله بريك لسلاح الجو هو في مواجهة صواريخ التنظيمات (الإرهابية) من قطاع غزة - "حماس والجهاد الإسلامي يشرعان في إطلاق الصواريخ على بلداتنا متى يريدان، ويتوقفان متى يريدان، بينما لا يملك سلاح الجو أي حل ولا يستطيع تقديم أية مساعدة".
- المشكلة المركزية في نظر بريك هي في الشمال:
"لدى حزب الله وحماس اليوم عشرات آلاف الصواريخ بعيدة المدى قادرة على تغطية كامل التجمعات السكانية في إسرائيل: وسط البلاد، خليج حيفا، القدس والمئات منها صواريخ دقيقة. وحتى لو نجحنا في تدمير 60 في المئة من هذه الصواريخ، فمن شأن الأربعين في المئة المتبقية أن تعيد إسرائيل عشرات السنين إلى الوراء: فهي ستصيب البنى التحتية في قطاعات الكهرباء، والمياه، والوقود، والصناعات والاقتصاد، وقواعد سلاح الجو والأسلحة البرية، ومراكز الحكم ومقراته، والمطارات، وأهدافاً استراتيجية أُخرى والتجمعات السكانية".
ويبدو أن ثقة بريك بقدرة سلاح الجو على المحافظة على استمرارية الأداء متدنية جداً: "في الحرب القادمة، من المتوقع نشوء واقع لم يسبق أن جرّبه سلاح الجو من قبل، إطلاقاً - إطلاق العدوّ صواريخ دقيقة على قواعده. هذا القصف الصاروخي سيسبب أضراراً جسيمة لمسارات الإقلاع وللقواعد على نحو من شأنه المسّ بصورة حادة بوتيرة إقلاع الطائرات الحربية لشن غارات على أهداف العدوّ. من أجل التغلب السريع على مثل هذه الأضرار، ثمة حاجة إلى توفر قدرات عالية لدى الطواقم وجاهزية عالية في جميع قواعد سلاح الجو، تكون مسؤولة عن ضمان استمرارية الأداء التي تعني إصلاح المسارات المتضررة من جراء الصواريخ، وجمع الشظايا، وإخلاء المصابين، وإطفاء الحرائق وغيرها".
- ويدعي بريك أن سلاح الجو لا يمتلك هذه القدرات، مؤسساً ادعاءه هذا ـ من بين أمور أُخرى ـ على القصور الذي ميز أداء سلاح الجو في معالجة الفيضان الذي ضرب قاعدة حتصور في أوائل كانون الثاني/يناير 2020 ـ وأدى إلى تضرر عدد من الطائرات الحربية، على الرغم من أنه كان من المفترض أن تكون القاعدة مهيأة لفيضان كهذا سبق أن حدث مثله في السابق.
- ويرى بريك أن "الجيش الإسرائيلي قد وضع جل اعتماده على سلاح الجو من خلال توظيف موارد هائلة على حساب المركّبات الأُخرى في المنظومة، ومن خلال المس بذراع اليابسة وشطب فكرة إنشاء سلاح الصواريخ". ويدّعي أن تفضيل سلاح الجو يأتي على حساب القوات البرية التي تعرضت لتآكل حاد خلال السنوات الأخيرة، جراء تقليص حجم القوات في الوحدات القتالية، ونقص التدريبات وغياب القدرة على صيانة الوسائل المتعددة في مخازن الطوارئ بصورة لائقة: "هذا التفضيل أوصل الجيش الإسرائيلي إلى حالة حرجة من غياب الجاهزية للحرب القادمة". وأكثر من هذا: "المعركة ما بين حربين الدائرة منذ سنوات تحرف أنظار قادة الجيش والسياسيين عن ضرورة تهيئة الجيش الإسرائيلي للحرب القادمة".
- وانتقد بريك أيضاً الأولوية التي تُعطى خلال السنوات الأخيرة لبناء نظام الدفاع الفعال في إسرائيل. فهو يرى أن مشكلة هذا النظام لا تكمن في قدراته التكنولوجية وإنما في دونيته العددية مقارنة بمخزون الصواريخ والقذائف المتوفرة لدى الأعداء:
"النظام الدفاعي الذي أقامه الجيش الإسرائيلي ضد صواريخ العدو - "القبة الحديدية"، "حيتس" (السهم) و"العصا السحرية" - لا يوفر، هو أيضاً، رداً كافياً نظراً إلى التكلفة الباهظة جداً لكل صاروخ (تكلفة صاروخ "حيتس" الواحد تزيد عن ثلاثة ملايين دولار، بينما تبلغ منظومة "القبة الحديدية" أكثر من 100 ألف دولار للوحدة الواحدة). هذه التكلفة الباهظة جداً لهذه الصواريخ لا تتيح التزود باحتياطي كبير منها. وفي اللحظة التي تندلع فيها الحرب، سينفد الاحتياطي المتوفر من هذه الصواريخ خلال وقت قصير".
- يؤيد بريك فكرة إنشاء "سلاح الصواريخ" في إسرائيل. وقد خضعت هذه الفكرة للفحص والبحث عدة مرات خلال العقود الأخيرة لكن لم يتم وضعها موضع التنفيذ بسبب - كما يقول بريك - قصورات في سيرورات التفكير واتخاذ القرارات تؤدي إلى التشبث بمفهوم أفضلية سلاح الجو المغلوط. ويقول بريك إن الحل المطلوب لمواجهة تهديد الصواريخ والقذائف المتوفرة لدى العدو هو "إقامة سلاح الصواريخ، بغية تحسين القدرات الهجومية لدى الجيش الإسرائيلي للمدى المتوسط، مع القدرة على الإصابة بدقة وفي غضون فترة زمنية قصيرة جداً منذ لحظة إطلاقها، إضافة إلى تشكيل تهديد على العدو، مماثل لذلك الذي يشكله هو علينا".
- في الخلاصة، يجزم بريك قائلاً:
"التصور السائد اليوم لدى القيادة العليا في الجيش الإسرائيلي ولدى بعض أعضاء الحكومة هو أن سلاح الجو هو جيش دولة إسرائيل. وعلى الرغم من أن الدهر قد أكل على هذا التصور، فإنه ما زال قائماً، وخصوصاً بسبب غطرسة وغرور كبار قادة سلاح الجو غير المستعدين للتخلي عن الروح التي أوجدوها وبثوها. فهم يقاتلون كي لا ينتقل أي شيكل إلى منظومات وتشكيلات عسكرية أُخرى على حساب الميزانيات المخصصة لشراء طائرات حديثة. ويضاف إلى هذا، أيضاً، ضعف رؤساء هيئة أركان الجيش أمام هذه الرؤية المغلوطة التي تقول إن سلاح الجو قادر على توفير الرد الملائم في حرب متعددة الجبهات".
غورن: "لا منافس للطائرة الحربية"
- أثارت مقالة بريك هذه عاصفة لدى قدامى سلاح الجو، كما يبدو. غورن، الذي كان أول من تصدى للرد عليه، تطرق في مستهل مقالته إلى ادعاءات بريك بشأن إخفاقات سلاح الجو في حرب "يوم الغفران"، وفي حرب لبنان الثانية وفي المواجهة مع "حماس" في قطاع غزة. يرى غورن أن سلاح الجو وجد صعوبة، حقاً، في العمل ضد أنظمة صواريخ أرض - جو السورية في بداية حرب "يوم الغفران"، لكنه "نجح في وقت لاحق من الحرب في تدمير منظومة صواريخ أرض - جو المصرية بالكامل على امتداد القناة وجزء كبير من هذه الصواريخ السورية. وهكذا، عمل سلاح الجو بصورة حرّة وقدم المساعدة في عملية عبور القناة ومهاجمة الجيش الثالث الميداني المحاصَر، وكذلك للقوات البرية في هضبة الجولان".
- أمّا فيما يتعلق بحرب لبنان الثانية، فيدعي غورن أن "وقف إطلاق الصواريخ قصيرة المدى [...] لم يكن من بين مهمات سلاح الجو، على الإطلاق"، بل ضمن مهمات القوات البرية في قيادة المنطقة الشمالية، وأن استمرار إطلاق الصواريخ يعود إلى أن "قيادة المنطقة العسكرية ماطلت في إطلاق العمليات البرية، وحين شرعت في تنفيذها كان التنفيذ مشوباً بقصورات كثيرة".
- رداً على ادعاء بريك بشأن غياب القدرة لدى سلاح الجو على وقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، تساءل غورن: "هل ثمة في الواقع المركّب، الذي يزخر بالاعتبارات والمحددات الداخلية والخارجية، أي وسيلة لوقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة بصورة تامة ومطلقة؟". ثم يرد غورن على هذا التساؤل بالنفي: "حتى لو جرى توفير كل الموارد التي يطلبها بريك للقوات البرية، فلن ترسل الحكومة الإسرائيلية قوات برية كل صبح ومساء لوقف إطلاق الصواريخ". ويدعي أن "'سلاح الصواريخ' أيضاً [...] لن يكون قادراً على وقف إطلاق الصواريخ". ولذلك، "يجب أن نفهم أنه من غير الممكن وقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة بصورة تامة ومطلقة بالوسائل العسكرية".
- فيما يتعلق بالتهديد المتمثل في الصواريخ، يعتقد غورن أن بريك يبالغ في توصيف حجم المسألة ودرجة حدتها: "ينبغي التمييز بين الصواريخ قصيرة المدى المتوفرة لدى أعدائنا بكميات كبيرة وبين الصواريخ بعيدة المدى ذات الرؤوس الحربية الكبيرة نسبياً، والمزودة في الفترة الأخيرة بأنظمة لتحسين دقة إصابتها، والتي تتوفر لديهم بكميات محدودة". ويتفق غورن مع بريك على أنه "خلال الحرب القادمة، ستتعرض الجبهة الداخلية الإسرائيلية لهجمات صاروخية أكثر من تلك التي اعتادت عليها في السابق"، لكنه يدعي أن "الصواريخ والقذائف ستكون، في أغلبيتها الساحقة، قصيرة المدى وذات رؤوس حربية صغيرة، ضررها غير كبير" وأن "الأضرار التي ستلحق بالممتلكات ستكون كبيرة، لكنها أقل تدميراً بالنسبة إلى منشآت البنى التحتية". ولهذا، فهو يقدّر أن "عدد الإصابات في الأرواح جراء القذائف قصيرة المدى ومتدنية الدقة ستكون قليلة نسبياً". ويعتقد غورن أن العِبَر التي استُخلِصت من حرب لبنان الثانية سيتم تطبيقها خلال المواجهة المستقبلية، ولذا "يجب أن نفترض أن وضعاً كالذي ساد في حرب لبنان الثانية لن يتكرر لأن إسرائيل لن تبقى مكتوفة اليدين حيال إطلاق الصواريخ، بل ستطلق عمليات برية وجوية بصورة أسرع وأكثر فاعلية مما فعلته آنذاك".
- يؤكد غورن أن التهديد الأكبر هو المتمثل في الصواريخ طويلة المدى والدقيقة، لكن مواجهتها - برأيه - يجب أن تكون باستغلال أفضلية القوة الجوية: "الرأس الحربي المحمل على صاروخ من هذا النوع يعادل، في قوته، قوة قنبلة متوسطة واحدة". لذلك، فإن كمية الصواريخ الطويلة المدى "أصغر من كمية القنابل التي يستطيع سلاح الجو إلقاءها بواسطة نصف سرب من الطائرات". وخلافاً لما يقوله بريك، يدعي غورن أن الصواريخ الدقيقة الطويلة المدى باهظة الثمن وأن تشغيلها يتطلب درجة عالية من المهارة والمهنية ولذلك، فإن "كميتها ستكون محدودة دائماً". إذاً، فالصواريخ الدقيقة، بحسب غورن، هي سلاح قابل للتلف ولا بد أن ينفد بعد بضع رشقات صاروخية. وفوق هذا، فهي عرضة للإصابة، ولذلك "يمكن تمويهها بوسائل قتالية إلكترونية وسبرانية".
- لا يساور غورن القلق، مثل بريك، جرّاء التهديد الذي يطال سلاح الجو وقواعده، بل يقلل من شأنه وحدته: "من أجل شل مطارات وتدمير أهداف في البنى التحتية الاستراتيجية في عمق الأراضي الإسرائيلية، هنالك حاجة إلى كمية كبيرة جداً من الذخيرة تفوق بكثير كمية الذخيرة التي تستطيع الصواريخ الدقيقة وطويلة المدى المتوفرة لدى العدو حملها". ولهذا، "ما يقوله بريك عن أنه حتى لو تبقى لدى العدو أربعون في المئة فقط من الصواريخ فبإمكانها "إعادة إسرائيل عشرات السنين إلى الوراء" وأنه "حتى لو تم إطلاق عشرات الصواريخ الدقيقة فقط على أهداف استراتيجية وتجمعات سكانية، فمن المحتمل أن تلحق بإسرائيل ضربة قاصمة"، "لا أساس له من الصحة وليس ثمة ما يسنده من الناحية المهنية". وعلى عكس بريك، لدى غورن ثقة عالية جداً بسلاح الجو وهو يدعي أنه "من المفترض أن سلاح الجو يعمل على تجهيز نفسه، بطرق متعددة، لهجوم صاروخي على المطارات، وأن تشويش عملها لن يكون أمراً بالغ الخطورة ومن المؤكد أنه لن يتم تعطيل نشاطات سلاح الجو بأكمله".
يادلين: "تصور بريك مغلوط وخطِر"
- ينظر يادلين إلى موضوع هذا السجال من زاوية واسعة، وخصوصاً لمن كان طياراً حربياً وشغل عدداً من الوظائف والمناصب الرفيعة في سلاح الجو في الجيش الإسرائيلي وفي معهد دراسات الأمن القومي. استهل يادلين مقالته بشن هجوم شخصي مباشر على بريك وادعى أن "ثمة من لا يزالون في حالة الصدمة من حرب يوم الغفران، لكن هذا لا ينطبق على سلاح الجو". وطبقاً ليادلين، فقد استُخلصت جميع دروس هذه الحرب، وطبقت بصورة ناجحة وفعالة وقد أثبت سلاح الجو، منذ ذلك الوقت، قدراته العالية في سلسلة من الحالات:
"عشر سنوات من التقصي والاستقصاء، والدراسة، والتدريبات وبناء القوة، أوصلت سلاح الجو إلى درجة متميزة من القدرات العملانية على مستوى العالم، جرى تأكيدها وإثباتها لاحقاً في تدمير منظومات صواريخ أرض - جو السورية في البقاع اللبناني سنة 1982. ومنذ ذلك الحين، يعكف سلاح الجو باستمرار على دراسة أوضاعه وبناء قوته من أجل مواجهة منظومات العدو المركزية التي تشكل تهديداً على إسرائيل، ابتداء من منظومات الدفاعات الجوية المتطورة، مروراً بمنظومات صواريخ أرض - أرض التي تهدد الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وانتهاء بضرب الأهداف الاستراتيجية في عمق أراضي العدو وضرب قواته البرية، بالتوازي مع مواجهة التنظيمات الإرهابية التي تعمل تحت رعاية تلك الدول نفسها".
- وعرض يادلين الحل الشامل الذي صاغه سلاح الجو بشأن صواريخ أرض- أرض والذي "يقوم على الرد المُدمج: الردع، الدفاع الفعال، الدفاع السالب، الهجوم والتعاون الدولي"، ثم ادعى أنه حتى لو لم يكن هذا الحل متكاملاً، إلاّ إنه "أفضل بكثير من أي حل منظوميّ آخر".
- يرى يادلين إن مشكلة الصواريخ الدقيقة التي عرضها بريك لا تنشأ بفعل عشرات، أو حتى مئات، الصواريخ الدقيقة التي سيمتلكها العدو: "لكي يتحقق ما يطرحه اللواء بريك هنا، يجب أن يمتلك العدو 10,000 من الصواريخ الدقيقة وطويلة المدى. غير أن الواقع مختلف تماماً - إذ ليس لدى العدو ولا حتى 1000 من هذه الصواريخ". ومثل غورن، يقرّ يادلين أيضاً بأنّ "الجبهة الداخلية سوف تتكبد أضراراً جسيمة في الحرب المقبلة" ويقول إن "الجبهة المدنية ستتعرض لكمية من النيران وستتكبد خسائر على نحو لم نعرف مثيلاً له في السابق"، لكنه يرفض ادعاء بريك أنه يجب تقليص سلاح الجو "لمصلحة سلاح الصواريخ والقوات البرية" ويدعي أن القوات البرية المناوِرة محدودة في قدرة تصديها للصواريخ: "لا يمكن وقف الصواريخ بواسطة دبابات المركافا وليس ثمة إمكان للمناورة في مناطق غرب العراق، وشمال سورية أو إيران بغية وقف الصواريخ. من المؤكد أن بريك يعي حقيقة أن القوات البرية تجد صعوبة بالغة في المناورة حتى في الجنوب اللبناني أو في قطاع غزة".
- في الرد على ادعاء بريك بشأن حيوية سلاح الصواريخ، يقول يادلين إنه "خلافاً لما يطرحه مقال اللواء بريك، يجري الحديث هنا عن حل باهظ التكلفة، أكثر بكثير من حل الطائرات، ناهيك عن أن فاعليته العملانية أدنى بكثير. فلم يحدث أن طورت دولة واحدة في العالم منظومة صاروخية تقليدية للرد على صواريخ تقليدية". ويعود سبب ذلك، وفق يادلين، إلى حقيقة أن فاعلية الصواريخ متدنية مقارنة بفاعلية الطائرات الحربية: "حتى الباحث المبتدئ في مجال الكفاءات والأداء والنجاعة لا يمكن أن يخطئ في احتساب تكاليف منظومة الصواريخ قياساً بتكاليف منظومة الطيران. فالصواريخ معدّة لمرة واحدة وموجَّهة نحو هدف واحد، بينما تقلع الطائرات عشرات المرات وتستطيع كل واحدة منها حمل عدد كبير جداً من الرؤوس الحربية". وعلى هذا، يقول يادلين إذاً، فإن نظام صواريخ أرض- أرض هو "نظام متدنٍّ وعاجز" وإن عيوبه أكثر بكثير من أفضلياته ومزاياه - دقة الصواريخ غير كافية، إذ لا قدرة لها على التعامل مع أهداف متحركة، وليست ملائمة للاستخدام في منطقة سكنية، وليست قادرة على الاختراق وتكلفتها (وخصوصاً منها الصواريخ طويلة المدى) باهظة.
- لذلك، يرى يادلين أن الفاعلية الشاملة التي يتمتع بها "سلاح الصواريخ" الذي يقترح بريك بناءه هي "أدنى بكثير من فاعلية سلاح الجو". ويوضح أن الصواريخ ليست ناجعة في المعركة ضد التمركز الإيراني في سورية، إذ إن "القليل فقط من الهجمات ضد تلك الأهداف كان بالإمكان تنفيذه بواسطة صواريخ أرض - أرض، ومن المؤكد أن ذلك لم يكن ليتحقق بدرجة السرية والدقة التي تميز عمل طائرات الشبح التابعة لسلاح الجو". وثمة إشكالية أُخرى يتوقف عندها يادلين ترتبط بمدى موثوقية الأنظمة المتعددة: "من المهم أن نفهم أن نظام صواريخ أرض - أرض قد وُضع في قيد التجربة والفحص في نطاق حرب شاملة فقط، واحتمال إخفاقه أعلى بكثير من احتمال إخفاق سلاح الجو الذي يتدرب وينفذ نشاطات عملانية بصورة دائمة ويومية".
ويخلص يادلين إلى القول:
"لا يجوز الاستخفاف بتهديد الصواريخ والقذائف [...] (ومع ذلك)، فسلاح الصواريخ ليس الحل لحماية الجبهة الداخلية. وثمة عدد قليل من السيناريوهات العملانية التي يمكن للصواريخ من خلالها توفير رد أفضل مما توفره الطائرات الحربية. ومن الأصح والأجدى للجيش تخصيص موارد محدودة فقط لشراء صواريخ أرض - أرض كمركّب قوة مكمِّل لسلاح الجو، لكن سلاح صواريخ كحل منظوميّ شامل، على حساب الطائرات الحربية - هو فهم خاطئ وخطِر".
____________
* ترجمة: سليم سلامة.