نموذج التسوية الآخذ بالتشكّل في غزة لا يُعدّ ضمانة لعدم خروج "حماس" إلى مواجهة عسكرية أُخرى مع إسرائيل
تاريخ المقال
المصدر
- يُفترض أن تؤدي جهود حركة "حماس" المتزايدة في تشجيع الإرهاب في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، وحادثة إطلاق النار في منطقة الحدود مع قطاع غزة الأسبوع الماضي، وحادثة إطلاق الصاروخين أول أمس (السبت) - سواء أكان ذلك في إثر خللفني أو عن قصد - إلى إشعال أضواء حمراء أمام مقرري السياسة في إسرائيل بشأن فجوات التسوية الآخذة بالتشكّل في غزة، وإلى التحذير من مغبة الاطمئنان الزائد بالهدوء النسبي في هذه الجبهة.
- ولا شك في أن المقارنة بين إعلانات إسرائيل و"حماس" في نصف العام الأخير يمكنها أن تجسّد الفجوة بين الجانبين؛ فإسرائيل تعمل بنشاط على تحسين نسيج الحياة في القطاع وتستند إلى نظرية تقضي بأن الغزيين الذين تتحسن حياتهم يمكنهم أن يمنعوا يحيى السنوار [قائد "حماس" في القطاع] من العمل على الدفع قدماً بمبدأ الجهاد الوجودي، من ناحيته. أما "حماس" فتتباهى، من جهتها، بإعادة البناء المتسارع لقوتها العسكرية، استعداداً لمعركة مستقبلية، وتهدد باستئناف التصعيد إذا لم تلبَّ مطالبها على المستوى المدني، أو في ضوء التوتر الناشئ في القدس ويهودا والسامرة، أو في أوساط الأسرى الفلسطينيين.
- إن أصحاب القرار في إسرائيل مطالَبون بالقيام بإجراء تغيير في الوعي والعمل بالنسبة إلى القطاع. أولاً، مطلوب الاعتراف بقيود التفكير الغربي الذي يفترض أن اقتصاداً جيداً يشكل كابحاً أمام الأيديولوجيات المتطرفة. هذا النموذج فشل مرات عديدة في العقود الأخيرة في الشرق الأوسط، بما في ذلك في أثناء عملية "حارس الأسوار" التي بدأت فيها "حماس" الهجوم بمبادرتها لأول مرة في تاريخها، بدوافع أيديولوجية ودينية، في ظل خرق فظ للتسوية، ومن دون أن يسبق المواجهة أي احتكاك في القطاع الذي تحسّن فيه الوضع المدني حتى ذلك الحين.
- ثانياً، ثمة حاجة ماسة إلى صب مضمون عملي في الشعار الذي رُفع في أثناء حملة "حارس الأسوار": "ما كان ليس ما سيكون". فالعمل على بوادر حسن نية مدنية واسعة النطاق تجاه القطاع (وعلى رأسها خروج العمال إلى إسرائيل) من دونأن تكون "حماس" مطالَبة بثمن ما في موضوع الأسرى والمفقودين وموضوع تعاظُم القوة العسكرية ومواصلة تشجيع الإرهاب في يهودا والسامرة والقدس، وإن كان ينتج هدوءاً في المدى الفوري، إلاّ أن من شأنه أن يصبح تحدياً استراتيجياً في المدى البعيد. إن السياسة الإسرائيلية الحالية تنطوي على اعتراف بـ"حماس" كحقيقة قائمة، وعلى تعزيز لمكانتها في الساحة الفلسطينية (وأساساً على أعتاب "اليوم التالي" لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس)، وعلى تقليص لإمكان الاحتجاج الجماهيري ضدها، ولاحتمال عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع.
- تقف إسرائيل في غزة أمام معضلة الاختيار بين بديل سيئ وبديل أسوأ، وأمام مشكلة متعاظمة ليس لها حل سحري. صحيح أن اتخاذ نهج متصلب وجباية ثمن من "حماس" للرفض وخرق التسوية (في يهودا والسامرة أيضاً) سيجر احتكاكات أمنية في القطاع، لكنه نهج كفيل بتعزيز الردع تجاه منظمة إرهابية، وبتفاقم العلاقات بينها وبين الجمهور الغزي، وتشويش مساعي تعاظُم قوتها في طريقها لتصبح بمثابة "حزب الله على الحدود الجنوبية لإسرائيل".
- وفوق كل شيء، مطلوب تحسين قدرة التحليل الإسرائيلية للمنطق الذي يحكم تفكير "حماس". إن الحديث يدور حول جهة تحركها قوة السعي للعمل والاشتباك لغرض تحقيق أهدافها الأيديولوجية البعيدة المدى. تسمح "حماس" بين الحين والآخر بفترات هدوء مثل الآن بدوافع مصلحية، لكن تطلُّعها المركزي هو ليس إلى حياة طيبة وهادئة للفلسطينيين، ويبدو أنه من الصعب على إسرائيل أحياناً فهم "الآخر" الذي يحركه عالم قيم مختلف، وخصوصاً عالم مفعم بالحماسة الأيديولوجية. إن نموذج التسوية الآخذ بالتشكّل في غزة لا يُعتبر ضماناً لعدم خرق "حماس" التفاهمات، وفقاً لاعتباراتها وحساباتها، والخروج إلى مواجهة أُخرى تكون فيها قوة إلحاق الأضرار بإسرائيل والمفاجآت أكثر إيلاماً من الماضي.