في الشرق الأوسط يرقصون في عرسين
تاريخ المقال
المصدر
- محاولة إسرائيل الدفع إلى الأمام باتفاقات السلام التي أبرمتها مع الدول العربية، ويجب الاعتراف بأنها محاولة مريرة، دفعتها إلى الريبة والشكوك وحتى فقدان الثقة، وإلى الافتراض أن علاقات السلام مع جيرانها لها سقف زجاجي من المستحيل خرقه.
- لكن اتفاقات أبراهام لم تعد اتفاقات سلام. هذا ما تجلى خلال زيارة نفتالي بينت إلى الإمارات، وهي زيارة رسمية - غير سرية وعلنية - التقى خلالها أحد مهندسي اتفاقات أبراهام ولي العهد محمد بن زايد.
- لكن في إسرائيل أُضيئت، مؤخراً، أضواء التحذير وجرى التعبير عن القلق بشأن عدم قدرة الإمارات على الاستمرار في تحمُّل عبء اتفاق سلام مع إسرائيل، واحتمال الانسحاب منه، وتحويله إلى اتفاق سلام بارد، مثل السلام مع دول عربية أُخرى.
- الدليل على ذلك أن شقيق ولي العهد ومستشار الشؤون الخارجية الأمير طحنون بن زايد، الذي حضر الاجتماع مع رئيس الحكومة بينت، زار الأسبوع الماضي طهران للبحث في الدفع قدماً بالعلاقات مع إيران. والتقى رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي الذي يسعى منذ وصوله إلى منصبه لـ "احتضان" دول الخليج لإبعادها عن إسرائيل والولايات المتحدة.
- ونظراً إلى أن السعوديين أيضاً بدأوا حواراً مع طهران ويريدون تطبيع العلاقات بين الدولتين، لا غرابة في أنه لم يعد يُتداول الحديث في الخليج عن إقامة حلف أمني مع إسرائيل لكبح إيران، بل عن حوار مع الإيرانيين والمصالحة معهم. لكن يجب ألّا نظلم دول الخليج، فمَن رسم هذا التوجه هي إدارة بايدن التي تريد سحب القوات الأميركية من المنطقة، وتعمل في هذه الأثناء على التصالح مع طهران من أجل التوصل إلى اتفاق معها.
- الأمير طحنون هو أيضاً المسؤول عن توثيق العلاقات بروسيا والصين، الأمر الذي أغضب الأميركيين ودفعهم إلى عرقلة صفقة بيع الإمارات طائرات أف-35، وهو أيضاً الذي سعى إلى حدوث انعطافة في العلاقات بين الإمارات وتركيا. قبل عام فقط، استدعى الرئيس التركي أردوغان، وهو في حمأة غضبه، سفيره من أبو ظبي، احتجاجاً على توقيع اتفاقات أبراهام. الآن، هو يشجع إعادة الحرارة إلى العلاقات، ووقّع مع الإمارات صفقات بمليارات الدولارات، يأمل أن تساعد الاقتصاد التركي المتعثر.
- أخيراً، وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد، الذي حضر هو أيضاً الاجتماع مع بينت، زار دمشق قبل قرابة الشهر، في خطوة لإعادة دمشق إلى الحضن العربي.
- عن ذلك نقول أهلاً وسهلاً إلى الشرق الأوسط، حيث يحرص حكام المنطقة دائماً على إبقاء كل "الخيارات مفتوحة"، والرقص في عرسين في وقت واحد. وهم لا يتطوعون قط – وهذا أيضاً ما تفعله إسرائيل- لخوض حرب بالنيابة عن الآخر. المصلحة هي التي تنتصر، وحالياً، وفي ضوء التخلي الأميركي المتوقع، مصلحة الإمارات هي في التحدث مع الجميع من خلال الدفع قدماً بالحوار الذي تجريه مع إسرائيل وتعميقه.
- إن حقيقة استعداد إيران وتركيا للمشاركة في "اللعبة الإماراتية" تدلنا على أن اتفاقات أبراهام لم تؤدّ إلى إضعاف الإمارات، بل رسّخت مكانتها وحولتها إلى لاعب إقليمي مطلوب ومرغوب فيه. في الإمارات، يفهمون ذلك جيداً، وهذا أيضاً درس لسائر الدول في المنطقة.
الكلمات المفتاحية