هذا ليس حباً بالعلَم بل كراهية بالعرب
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • من المخطط أن تجري مسيرة الأعلام لنشطاء اليمين المتطرف هذا المساء. في المرة الماضية جرى مثل هذه المسيرة قبل بضعة أشهر فقط، والإصرار على مرورها في الحي الإسلامي في القدس أشعل الشرق الأوسط. حالياً، يخطط النشطاء لمرور المسيرة في البلدات المختلطة؛ مع ذلك، لم يشمل مسارها المرور في أحياء حساسة بصورة خاصة.
  • المسيرة دفعت منظمة "مبادرات أبراهام" إلى توجيه نداء إلى رؤساء المدن ومنظّمي المسيرة، وقّعه 22 من أعضاء مجالس المدن المختلطة، إلى التصرف بمسؤولية والحرص على عدم المرور في أحياء حساسة يمكن أن تخلق استفزازاً. ليس مفاجئاً أن نسمع أن الدعوة إلى الأخذ في الحسبان الحساسية في البلدات التي عانت قبل بضعة أشهر جرّاء العنف الشديد، تسببت بهجوم شديد على المنظمة في وسائل التواصل الاجتماعي، وقام المغردون من اليمين المتطرف بمقارنة منظمة "مبادرات أبراهام"، التي يتمحور عملها على الحياة المشتركة وتعمل مع وزارات الدولة بحركة "حماس" (ربما لأن الناطق بلسانها دعا إلى الاحتجاج على المسيرة).
  • كعادتهم، نشطاء اليمين المتطرف اتّهموا اليساريين بأنهم غير وطنيين، والحجة المركزية لذلك يمكن تلخيصها بـ"هل ممنوع رفع علَم الدولة؟" ليس من الصعب الشرح أن هذه الحجة ديماغوجية وغبية.
  • مسيرات المثليين لا تمر في الأحياء الحريدية [للمتدينين المتزمتين]، والأعلام ليست هي القصة المركزية في هذا الحدث الذي يمكن أن يكون مرفوضاً واستفزازياً، حتى لو لم يُرفع فيه علَم واحد. من الواضح للجميع أن الأساسي في هذه المسيرات ليس حب العلَم ولا حب إسرائيل، بل كراهية العرب، وهي تحمل رسالة واضحة بأن لا مكان لهم تحت هذا العلَم، وضمنياً في الدولة.
  • مسيرات الأعلام يشارك فيها بضع مئات من النشطاء، ويمكن اعتبارها استفزازاً من طرف أقلية هامشية ومتطرفة. لكن مسيرات الأعلام على أنواعها ترمز إلى جرح عميق ودامٍ، وهي فرصة جيدة للبدء بمواجهته.
  • ملايين الإسرائيليين لا يشاركون في هذه المسيرات ويكرهونها، لكن عندما يسمعون "هل ممنوع على اليهود رفع علَم دولتهم" يشعرون بالاضطراب، حتى اليساريون من بينهم. ربما هذه الحجة غبية، لكنها ليست فارغة. نحو 20% من مواطني الدولة، أي نحو مليونيْ مواطن ومواطنة لديهم علاقة معقدة بعلَم دولتهم.
  • عملياً، حتى اليوم، أغلبية معسكر اليسار - الوسط كبتت تماماً تعقيدات الهوية- الوطنية للمواطنين العرب في إسرائيل. هذا المعسكر يريد حل المشكلة الفلسطينية من خلال حل "دولتين لشعبين"، ومنح حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة. لكن كيف يبدو المستقبل الذي يقترحه هذا المعسكر لنحو مليوني إسرائيلي، هم فلسطينيو الأصل والهوية؟ هذا سؤال قلائل تجرأوا على مواجهته ويمكن أن نفهم السبب لأن الإجابة تبدو مستحيلة تقريباً.
  • من جهة، الاعتراف بالهوية الفلسطينية للمواطنين العرب في دولة ديمقراطية – ليبرالية تؤمن بالمساواة والتعددية يثير الخوف من تقويض أسس الصهيونية والأغلبية اليهودية في الدولة التي تشكل أغلبية ناخبي الوسط واليسار. من جهة أُخرى، الحفاظ على التفوق اليهودي في هوية الدولة ينطوي على إقصاء وانتهاك كبير لحقوق الأقلية والقيم الديمقراطية التي تُعتبر منارة هذا المعسكر. دولة يهودية أو ديمقراطية؟ هذا هو الخيار الذي، على ما يبدو، رفض معسكر الوسط - اليسار القيام به وفضّل أن يكبته.
  • الواقع المعقد يتطلب حلولاً معقدة. بالتحديد الآن، في السنة التي يقوم فيها أول ائتلاف عربي - يهودي، إلى جانب مشاركة متزايدة للمواطنين العرب في المجتمع الإسرائيلي، حان الوقت لنضوج المعسكر السياسي العريض الذي يمتد من ناخبي يوجد مستقبل، وصولاً إلى حركة ميرتس. المطلوب بلورة رؤية تقترح على مليونيْ مواطن ومواطنة عدم التخلي عن هويتهم الوطنية. هذه المهمة مطروحة علينا: يجب علينا بلورة هوية متجانسة وشاملة للمواطَنة الإسرائيلية يمكن أن يتماهى معها اليهود والعرب وتشمل المساواة والهوية القومية المعقدة، جنباً إلى جنب.
  • هذه المهمة صعبة تتطلب منا تأملاً داخلياً وقراراً أخلاقياً. والأكيد أن علَم الدولة ليس الرمز القومي الوحيد الذي يلجأ إليه كل مواطني الدولة، بل هو موجّه حصرياً إلى الشعب اليهودي. حاولوا أن تفكروا قليلاً، هل لدينا رموز مشتركة تتعلق بنا كلنا كإسرائيليين؟ على سبيل المثال، نحتفل بعيد الحانوكا هذا الأسبوع؛ في المقابل، أُقيمت شجرة الميلاد في الناصرة وفي بلدات أُخرى. على مدار العام، يحتفل اليهود والعرب بأعيادهم الدينية بصورة منفصلة، من دون أي تاريخ مشترك، أليس هناك عيد إسرائيلي لا يذكّر بنكبة شعب آخر أو جرح آخر. هل تصبح دولة إسرائيل أقل "يهودية" إذا نجحنا في الاتفاق على عيد وعطلة للجميع؟ مثلاً عيد إبراهيم، الأب المشترك بيننا؟
  • يتعين على الوسط – اليسار التخلي عن تردُّده ورسم رؤية واضحة مع شركائه العرب لا تنحصر بتخصيص ميزانيات لمحاربة العنف وضجيج المسيرات الاحتجاجية، بل تقترح مستقبلاً مستداماً وعادلاً وواضحاً لحياتنا هنا معاً. نحن أقوياء بما فيه الكفاية كي لا يشكل هذا تهديداً لنا، ويجب أن نكون شعباً يثق بنفسه كي يترك مكاناً للآخرين للعيش إلى جانبه وليس مكانه. هذا هو علَم اليسار الصهيوني الذي يجب أن نرفعه، والذي يمكن أن نسير تحته كلنا معاً.