رسالة الولايات المتحدة: "لا تعتمدوا علينا، افعلوا ما هو أفضل لكم"
المصدر
مركز القدس للشؤون العامة والسياسة

تأسس المعهد في سنة 1976، وهو متخصص في الدراسات السياسية والدبلوماسية والاستراتيجية. يترأس المعهد، حالياً، السفير الإسرائيلي السابق في الأمم المتحدة دوري غولد. ينشر المركز مقالات يومية يمكن الاطلاع عليها باللغتين العبرية والإنكليزية على موقعه الإلكتروني. كما تصدر عنه سلسلة من الكتب، ويمتاز بمواقفه التي تتماهى مع اليمين في إسرائيل.

  • من المعقول الافتراض أن في القيادة الإيرانية الجديدة، التي ضعفت فيها الأصوات الواقعية (مثل الرئيس السابق روحاني، أو وزير الخارجية ظريف)، باتت تُسمع أكثر الحجة القائلة إن من الأفضل المجازفة، التي تُعتبر أمراً تافهاً بالنسبة إليهم، والمضي قدماً إلى الأمام. وفي الواقع، إيران وصلت فعلاً إلى مصاف دولة على عتبة النووي، واستطاعت التخفيف من ضائقتها الاقتصادية بفضل المساعدة الصينية وشد الأحزمة.
  • من المعقول الافتراض أيضاً أن الأطراف الإيرانية التي تدعم هذا الرأي تعتمد على سلسلة إشارات تدل على ضعف الولايات المتحدة مؤخراً، بدءاً من الخروج المحرج من أفغانستان، مروراً بعدم الرد على الانتهاكات الإيرانية في الموضوع النووي الإيراني، وتقليص الرقابة على المشروع النووي، والحديث عن مراكمة 10-25 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب على درجة 60%، وأكثر من 100 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب على درجة 20%. معنى ذلك أن إيران بحاجة إلى أسابيع قليلة لإنتاج يورانيوم مخصب بدرجة عسكرية لأول قنبلة.
  • كذلك، بدأت إيران بإنتاج يورانيوم معدني، وهي خطوة لا يوجد تفسير آخر لها غير نيتها إنتاج سلاح نووي. عدم الرد على مهاجمة القواعد الأميركية في سورية ومحاولة اغتيال رئيس الحكومة العراقية، يجب أن يدلّا على أن القيادة الإيرانية لا تخاف من رد أميركي، على الرغم من تحليق القاذفة الأميركيةB1 في أجواء المنطقة. إسرائيل ليست مستعدة أبداً للتحرك، سواء بسبب فجوات في جهوزيتها العملانية، أو لأنها لا تملك دعماً أميركياً لمثل هذه الخطوة.

......

الولايات المتحدة تحذّر لكنها لا تهدد

  • خيار العودة إلى الاتفاق النووي يمكن أن يكون، نظرياً وعملياً، في رأيي وفي رأي كثيرين، الخيار المضمون والأكثر راحة بالنسبة إلى إيران، للحصول على ترسانة سلاح نووي في غضون أقل من عقد، وهو سيعفيها من الحاجة إلى تخطّي العتبة الخطرة. هذا الخيار تقدمه إيران نفسها على أنه الأسوأ، سواء لأن جزءاً من القيادة الإيرانية يعتقد ذلك، أو لأن الإيرانيين، بهذه الطريقة، يغلقون الباب على المطالبة الأميركية بإدخال تحسينات على الاتفاق تمنع إيران من التزود بسلاح نووي، وتتعهد لهم، إذا اختاروا هذا الخيار، أن يحظوا بالتقدير وامتيازات عملية من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
  • الولايات المتحدة مهتمة بمنع إيران من التزود بسلاح نووي، لكنها في الوقت عينه تريد عدم الدخول في مواجهة معها، وترى في العودة إلى الاتفاق النووي الاحتمال الأفضل... كما امتنعت الولايات المتحدة من اتخاذ أية خطوة يمكن أن تؤدي إلى رد إيراني عنيف...
  • إسرائيل لاعب مهم في المرحلة الحالية. لكنها لاعب يتأثر بالنتائج إلى حد بعيد. سياستها تحددها قرارات إيران والولايات المتحدة. الخيار الأفضل بالنسبة إلى إسرائيل أن تضع الولايات المتحدة كل ثقلها لإجبار إيران على قبول اتفاق يعالج نقاط الضعف الكثيرة والخطرة في الاتفاق القائم. هذه كانت سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب، ولو فاز بولاية ثانية، ربما كان لهذه السياسة حظوظ. في نهاية الأمر، الإيرانيون راهنوا بصورة صحيحة، وحالياً بات احتمال تحقّق الخيار الأفضل لإسرائيل ضعيفاً. لذلك، علينا الاستعداد لمواجهة احتمالين آخرين. السؤال: أيهما أفضل لإسرائيل؟ هو في رأيي، مسألة نظرية، إلّا إذا افترضنا أن إسرائيل يمكنها التأثير في القرار الإيراني والسياسة الأميركية. وعلى الرغم من أن لدى إسرائيل هذه القدرة، فإننا يجب ألّا نبالغ في وزنها.
  • الاحتمالان المطروحان إشكاليان، في نظر إسرائيل. إذا لم يُحبَط المشروع الإيراني فيمكن أن تتحول إيران خلال فترة وجيزة إلى دولة نووية بكل معنى الكلمة (وهو ما يشكل تهديداً كبيراً لأمن إسرائيل، ويرسّخ هيمنة إيران الإقليمية، ويسرّع السباق على التسلح النووي في المنطقة). مسعى إسرائيلي (أو أميركي) لمنع اقتراب إيران من موقع دولة على عتبة النووي يمكن أن يؤدي إلى تصعيد كبير.
  • من أجل الحؤول دون حدوث هذا السيناريو، وإذا وافقت إيران والولايات المتحدة على العودة إلى الاتفاق النووي، فإن النظام الإيراني سيحصل على مال كثير ويحقق إنجازاً كبيراً يسمح له بزيادة جهوده لتحقيق الهيمنة الإقليمية من خلال زيادة التهديد لإسرائيل خلال مدى زمني قصير. في جميع الأحوال، تستطيع إيران الوصول إلى مكانة دولة على عتبة النووي، قادرة على إنتاج ترسانة كبيرة من السلاح النووي من دون أن يكون عليها تجاوُز عتبة كبيرة، مثل تلك التي يجب عليها أن تتخطاها الآن لإنتاج قنبلة واحدة...
  • الاختيار بين الخيارين الإشكاليين ليس فعلاً في يدنا، لكن يجب على إسرائيل إعطاء الأولوية لمعالجة التهديد المباشر لأنه المسار الذي تتقدم من خلاله إيران الآن، ولأنه أسهل على المعالجة بالنسبة إلى إسرائيل. حجم المشروع الإيراني لا يزال محدوداً ويسمح بإنتاج أجهزة تفجير نووية قليلة. لذلك، يجب القيام بذلك كون قدرة إيران على الدفاع عن منشآتها النووية في وجه عمليات سرية وهجمات سيبرانية أو تقليدية وإلحاق ضرر فادح بإسرائيل لا تزال محدودة. لكن يبدو أنه لا يوجد دعم أميركي لعملية إسرائيلية كهذه.
  • في زيارة إلى واشنطن قبل أسبوعين سمعت رسالة واحدة من أعضاء الكونغرس: لا تعتمدوا على دعم أميركي، ولا على عملية أميركية مباشرة، ولا على مساعدة أميركية. أنتم وحدكم، افعلوا ما تعتقدون أن عليكم فعله...
  • العودة إلى الاتفاق النووي أكثر إشكالية؛ أولاً، لأنها ليست عودة إلى الاتفاق السيئ، بل إلى اتفاق أكثر سوءاً؛ ثانياً، خلال العقد المقبل سيواصل الإيرانيون تحسين قدراتهم للدفاع عن المشروع وتهديد إسرائيل. لا شيء يضمن أنه سيكون في إمكاننا استغلال الوقت لمصلحتنا...
  • ماذا علينا أن نفعل؟ أولاً، يجب إجراء حوار مكثف مع الولايات المتحدة لتوضيح أهمية تحسين الاتفاق وكبح المسعى الإيراني للوصول الآن إلى مكانة دولة على عتبة النووي، والتشديد على التداعيات السلبية لذلك من أجل الحصول على دعم أميركي ومساعدة عسكرية عند الحاجة. ثانياً، علينا استكمال الاستعداد للقيام بعملية تحبط المسعى الإيراني الحالي والمشروع النووي عموماً، مع أو من دون دعم أميركي، وفي الموازاة، محاولة تشجيع الأميركيين على قيادة هذه العملية.