القيادة المصرية تواصل التلميح إلى أن تحسُّن العلاقات مع إسرائيل مهم بالنسبة إليها
تاريخ المقال
- مَن تعوّد طوال أعوام على البرودة التي تهب من القاهرة بشأن كل ما يتعلق بالسلام بين الدولتين، فإن البادرات التي يجب أن تكون مسألة روتينية، تصبح مؤشراً إلى تغيّر معين يطرأ على مواقف القيادة المصرية.
- بالإضافة إلى ذلك، من المهم التخفيف قليلاً من حماسة الجانب الإسرائيلي حيال بادرات سلام من هذا النوع (السيسي يتقن الدق على الوتر الإسرائيلي الحساس)، ويجب أن نتذكر أن الوضع لا يزال بعيداً عن علاقات السلام التي كنا نأملها. يحرص الرئيس المصري على عدم وضع أغلبية الضباط المصريين في علاقة بالجيش الإسرائيلي (باستثناء عناصر محدودة مسؤولة عن الاتصال وطواقم سلاح الجو، الذين يتعاونون في القتال ضد داعش). وهو لا يسعى إلى إحداث تغيير شامل للطريقة السلبية، وحتى المعادية للسامية، التي يتحدث بها الإعلام المصري عن إسرائيل. وعلى الرغم من التحسُّن النسبي الذي طرأ على كتب التعليم، فإن السيسي لا يتشدد مع المنظمات المهنية التي لا تسمح بالتطبيع وتحسُّن التجارة والاقتصاد. لكن مع ذلك، من المهم النظر إلى نصف الكوب الممتلئ.
- تعتمد الخطوات الإيجابية التي يتخذها السيسي على مصالح مشتركة للدولتين، هي التالية:
- أولاً؛ محاربة الإرهاب الإسلامي لتنظيم "داعش" المتمثل في "ولاية سيناء" (وهو عملياً تنظيم محلي متطرف كان يدين بالولاء للخليفة أبو بكر البغدادي)، ويمكن التقدير أن إسرائيل تساعد مصر بالوسائل المتوفرة لديها. وفي إطار الحوار العسكري، تُبدي إسرائيل أيضاً مرونة حيال الحدود التي يسمح بها الملحق العسكري لاتفاق السلام، وبشأن كل ما له علاقة بحجم القوات المصرية الموجودة في شبه جزيرة سيناء. النتائج التي جرى التوصل إليها واضحة، على الرغم من كونها بطيئة وغير نهائية: ففي العامين الأخيرين تلاشت قدرات ولاية سيناء (من دون أن تختفي تماماً) على القيام بهجمات واسعة النطاق ضد قوات الأمن المصرية وأهداف مدنية.
- ثانياً؛ في ساحة لا تقل أهمية بالنسبة إلى مستقبل مصر، يبذل السيسي قصارى جهده للتغلب على إحجام إدارة بايدن عن التعامل مع "الديكتاتور المفضل"، بحسب وصف ترامب. قرار إلغاء قانون الطوارىء المطبّق في مصر منذ سنة 1967 يبدو بادرة لا يزال مغزاها الفعلي غير واضح بالنسبة إلى الأوساط الليبرالية في مصر، وكذلك الإدارة الأميركية وأصدقاء مصر في أوروبا. في عملية الغزل المصري لإسرائيل مع - الإدارة والكونغرس على حد سواء - دور لا بأس به كعنصر مؤيد من وراء الكواليس. صحيح أن الولايات المتحدة علّقت مساعدة قدرها 130 مليون دولار ضمن سلة مساعدة لمصر، لكن نتيجتين عمليتين برزتا في المسعى الرامي إلى ترميم مكانة مصر المركزية:
- اختارت الولايات المتحدة للمرة الـ17 (منذ سنة 1980) إجراء التمرين الذي يجري مرة كل عامين (Glowing Star) على الأراضي المصرية (من 2 حتى 17 أيلول/سبتمبر بعد تأجيله العام الماضي بسبب الكورونا). وفي الأصل يُعتبر هذا التدريب التمرين الأساسي للقيادة المركزية الأميركية (CENTOM)، واليوم مصر هي الدولة التي استضافته ورعته. وهذه السنة شاركت فيه قوات من 21 دولة – الولايات المتحدة، ومصر، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا، والسعودية، والإمارات، والبحرين، والكويت، والعراق، والأردن، وباكستان، والمغرب، وتونس، والسودان، وكينيا، ونيجيريا. ويعبّر هذا عن اعتراف الولايات المتحدة، على الرغم من تحفظاتها عن النظام المصري، بالأهمية الاستراتيجية لمصر كلاعب أساسي في المنطقة وفي أفريقيا.
- أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، برفقة طاقم أميركي رفيع المستوى، (في 8 تشرين الثاني/نوفمبر) جولة حوار استراتيجي في واشنطن مع نظيره المصري سامح شكري والوفد المرافق له، وهو ما يدل أيضاً على أهمية مصر، على الرغم من الاحتكاكات. وتناولت المحادثات مجموعة مسائل مهمة مطروحة على النقاش: العلاقات الثنائية وقضية حقوق الإنسان؛ إيران؛ الوضع في ليبيا، في ضوء المساعي للتوصل إلى تسوية سياسية والانتخابات وغيرها - وقبل كل شيء بالنسبة إلى مصر، منع حكومة أثيوبيا من استخدام "سد النهضة" الذي يمكن أن يُلحق الضرر بمصالح حيوية لمصر (والسودان).
- ثالثاً؛ هناك مصلحة مشتركة بين إسرائيل ومصر – لكل واحدة أسبابها الخاصة - في الدفع قدماً بمساعي تسوية بعيدة المدى في غزة، وهنا تؤدي مصر (بواسطة أجهزتها الاستخباراتية) دوراً مهماً، حتى لو أن الجانب المالي يأتي من أماكن أُخرى.
- رابعاً؛ تتعاون إسرائيل ومصر على القيام بخطوات هدفها إقامة إطار شرق أوسطي فاعل، لديه وجهة نظر واضحة، اقتصادياً وعلى صعيد الطاقة، ولديه أهداف سياسية واستراتيجية. وفي مقابل لقاءات القمة الإسرائيلية- اليونانية – القبرصية (التي ستُستأنف قريباً) هناك منظومة ثلاثية مشابهة مع مصر. "منتدى الغاز في شرق المتوسط"، مصر وإسرائيل عضوان فيه، يرسم أفقاً للتعاون (يشمل النواحي الأمنية) وهدفه، من بين أمور أُخرى، لجم طموحات أردوغان نحو الهيمنة الإقليمية، والتي تشكل خطراً على إسرائيل ومصر. وتظهر مرة أُخرى نقطة اختبار في الصراع الدائر بين القاهرة وأنقرة، ستكون لها تداعياتها على المصلحة الإسرائيلية، قبيل الانتخابات في ليبيا.
- خامساً؛ حتى لو أن مصر نفسها ليس لديها مصلحة واضحة في مواجهة التهديد الإيراني، فهي تعتمد، اقتصادياً وسياسياً، ليس فقط على الولايات المتحدة، بل أيضاً على دعم السعودية والإمارات (تجدر الإشارة في هذا المجال إلى ردة فعل مصر الإيجابية على اتفاقات أبراهام، بعكس الأسلوب المعهود لعمرو موسى أيام الرئيس حسني مبارك حيال أية بوادر تطبيعية). من هنا تنتمي مصر - مثل إسرائيل - إلى المعسكر الإقليمي الذي يريد وقف التآمر الإيراني وينظر بقلق كبير إلى المشروع النووي لنظام الثورة الإسلامية. كل هذا يجمع بين مصر وإسرائيل ويزيد في معرفة السيسي بالأهمية الأمنية والسياسية (وأيضاً الاقتصادية) لشبكة العلاقات معها. يجب التذكير بأن إسرائيل ممثلة اليوم في القاهرة بسفيرة تجمع بين الخبرة الدبلوماسية الواسعة والتعاطف الكبير مع مصر، ثقافة وشعباً. على المستوى السياسي الرفيع، من المهم توحيد الجهود لتطوير العلاقات من كل النواحي وتقديم مساعدة صامتة وناجعة تساعد المصلحة المصرية في الساحة الأميركية - الداخلية، وتأسيس نظام للقوات في الشرق الأوسط تشارك فيه الدولتان. ولأن التوجه اليوم إيجابي يجب ألا ننسى أن استقرار مصر وتوجّهاتها السياسية لهما أهمية قصوى بالنسبة إلى مستقبل دولة إسرائيل.