غانتس، عباس، السنوار: اصغوا إلى الشباب
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- اجتماع وزير الدفاع بني غانتس بمحمود عباس مهم كبادرة حسن نية، لكن إذا بقي عند هذا الحد ولم يتطور إلى محادثات سياسية تشمل قيادة "حماس" - ليس تلك الموجودة في قطر، بل الموجودة في غزة - فإن أهمية الاجتماع ستضيع.
- لقد شبع الفلسطينيون والإسرائيليون من اجتماعات من هذا النوع، هدفها التخفيف من اللهب وليس إطفاء النيران. الشعبان بحاجة إلى زعماء يمتازون بالسمو والشجاعة ولا يختبئون وراء اعتبارات حزبية أو ائتلافية ويخافون من ردة فعل المعارضة؛ زعماء يقفون أمام أبناء شعبهم ويقولون لهم الحقيقة: حان الوقت لاتخاذ قرارات سياسية حاسمة من أجل الأجيال المقبلة.
- صحيح أنه يوجد انقسام عميق في الجانب الفلسطيني، وفي الجانب الإسرائيلي تحكم حكومة اتفقت على عدم الاتفاق على الموضوعات السياسية، لكن لا مفر من المضي قدماً في تحقيق حل الدولتين.
- النهج الذي تنتهجه النخب السياسية والعسكرية لدى الطرفين - إدارة النزاع وتقليصه بانتظار الوقت لحسمه - فشل مرة تلو المرة. تكفي كلمات، مثل "جولات عسكرية"، كي نفهم أن الطريقة العسكرية ليست ناجعة، وكلما حصدت المزيد من الضحايا كلما خسرت شرعيتها، وستُضعف قدرة حكم مستخدميها، وستُخرج الجماهير إلى الشوارع. "الجولة العسكرية" الأخيرة"، عملية "حارس الأسوار"، تقدم نموذجاً جيداً مما ينتظرنا: سواء "فتح" أو حكومة إسرائيل ستخسران قدرتهما على الحكم لمصلحة ازدياد قوة العناصر القومية.
- في حالة الضفة الغربية، ضعف "فتح" يمكن أن يؤدي إلى ازدياد قوة اليسار الراديكالي والتنظيمات الإسلامية. أولى التباشير يمكن رؤيتها في انتخاب نادية حبش ممثلة "حماس" والجبهة الشعبية رئيسة لنقابة المهندسين. في حالة غزة، ضعف قيادة "حماس" يمكن أن يؤدي إلى تقوية التنظيمات الجهادية، سيطرة طالبان على أفغانستان، الشبيهة بالثورة الإسلامية في إيران سنة 1979، تعطي زخماً لهذه التنظيمات الإسلامية.
- في الجانب الإسرائيلي، ضعف الجهات المولجة فرض القانون يمكن أن يؤدي إلى تراجُع إضافي في ثقة الجمهور العربي بمؤسسات الدولة، ونتيجة ذلك توجّه الشباب نحو تنظيمات قومية وإسلامية متشددة. تستغل هذه الأطراف الإحساس بالإقصاء وعدم تقدير الشباب الفلسطيني لإقناعهم بأن ما يجري نزاع أساسه ديني استعماري. وهم يعتبرون توجهات الاندماج لدى المواطنين العرب في المجتمع والاقتصاد الإسرائيلييْن، وكذلك مسارات التطبيع مع إسرائيل، ظاهرات سلبية تفرّغ الهوية الفلسطينية من مضمونها التاريخي والأخلاقي والثقافي وتُضعف النضال من أجل التحرر الوطني.
- هذه العناصر الدينية والقومية تدعو إلى إلغاء الفصل الجغرافي والعزل الذي فرضته إسرائيل على التجمعات الفلسطينية عندما أسرت سكان الضفة الغربية في "سجن أوسلو"، و"عرب 48" في سجن "الهوية الإسرائيلية"، وسكان غزة في "سجن الحصار"، واللاجئين في "سجن المخيمات". وهم يطالبون باستبدال النخب السياسية، التي وقّعت اتفاقات أوسلو وتخلت عن استراتيجية النضال الثوري، بزعامة وطنية عليا تعمل على تعزيز التضامن بين الفلسطينيين أينما كانوا، وإقناع كل المترددين بأنه حان الوقت لإعلان مرحلة جديدة من النضال ضد الصهيونية، بحسب نموذج الربيع العربي ومسيرات اللاجئين نحو الحدود. رد عسكري من طرف إسرائيل سيُلحق بها أضراراً سياسية ودبلوماسية وأخلاقية.
- هذه الأفكار يجري الدفع بها قدماً عبر المحطات الفضائية، ومحطات الراديو، وشبكات التواصل الاجتماعي، ومعاهد الأبحاث، وفنانين فلسطينيين، وحركة الـBDS. الشعار الذي يتردد في كلامهم "هذا ممكن": "اليوم 15 أيار/مايو، تحرير فلسطين كلها من البحر إلى النهر ممكن... استقلال السلاح هو شرط استقلال الوطن... المقاومة هي الممثل الوحيد الشرعي والحصري للشعب الفلسطيني. المقاومة تقرّبنا من بعضنا البعض؛ المفاوضات، والتطبيع والأنظمة الديكتاتورية، والحروب المستقبلية، تبعدنا عن بعضنا البعض. كل من يدعم المستبدين والمطبّعين يخدم الجيش الإسرائيلي"، هذا ما قاله الشاعر تميم البرغوثي في مقابلة أجرتها معه قناة الجزيرة خلال عملية "حارس الأسوار".
- كي نمنع انسياق الشباب وراء هذه العناصر يتعين على السلطة الفلسطينية و"حماس" وحكومة إسرائيل الإصغاء إلى الرسائل التي يرسلها هؤلاء الشباب. ويجب على غانتس وعباس ويحيى السنوار منح هؤلاء الشباب الإحساس بأنهم رصيد وليسوا عبئاً؛ وأنهم جيل حر ومبدع يمكنه أن يؤمن بأن لديه أفقاً ويستطيع أن يتعلم ويتطور ويعيل عائلته، وأن يشارك في القرارات التي تتعلق بمصير شعبه - وهم ليسوا تابعين لأحد، ولا يعيشون في انتظار أموال التبرعات.