بذور حلّ "حكومة التغيير" تبدو مغروسة فيها منذ يومها الأول
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف
  • كل شيء ممكن أن يحدث في أجواء السوق الحالية، لكن تكثر المؤشرات إلى أن "حكومة التغيير" في إسرائيل باتت حقيقة. وهذه الحكومة بسبب طابعها والجهات التي تعتمد عليها تعكس في الوقت عينه شرخاً تاريخياً من ناحية صهيونية ومن ناحية القدرة على الحكم. وعلى ما يبدو فإن الأيديولوجيا أو محاولة بلورة قواسم مشتركة في مواضيع في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد وما شابه لن تكون هناك، لكن ستكون مساومات على الحقائب الوزارية. وما سيبرز في هذه الحكومة، بالإضافة إلى الكراهية تجاه بنيامين نتنياهو، هو تنكّر عناصرها للأهداف التي عرضوها في الانتخابات بل وحتى لمعتقداتهم السياسية المزعومة. كما يمكن القول إن هناك رخصاً سياسياً من جانب اليمين الأيديولوجي. وحتى لو وضعنا الرواسب جانباً، وبعضها قد يكون مفهوماً، وخصوصاً لدى قادة حزب "يمينا"، فليس في ذلك ما ينفي القول إن طموحاتهم الشخصية غطت على كل الاعتبارات الأُخرى، بما في ذلك مستقبل حزبهم، وهذا الأمر ينسحب أيضاً على "الصهيونية الدينية"، وعلى حزب "أمل جديد" [برئاسة عضو الكنيست جدعون ساعر المنشق عن الليكود]، وكل منهم بحسب طريقه الخاص ساهم بدوره في الشرخ الحالي.
  • سبق لعالم الاجتماع السياسي ماكس ويبر أن قال إن "السياسيين لا توجههم التزاماتهم بمبادئ معينة"، ومع ذلك من الصعب عدم التساؤل عن كيفية تكرار التراجيديا اليونانية لإفشال حكومات الوسط - اليمين ونقل الحكم إلى اليسار من طرف اليمين المتطرف. هكذا فعل اليمين المتطرف في الماضي ليتسحاق شامير، وهكذا فعل لبنيامين نتنياهو في ولايته الأولى كرئيس للحكومة [1996- 1999]، والآن ها هو يفعلها مرة ثانية. والنتيجة لإسقاط شامير كانت اتفاقات أوسلو، والنتيجة لإسقاط نتنياهو حينها كانت نشوء حقل ألغام سياسي نجونا منه بمعجزة. والآن على خلفية التهديد الإيراني من جهة والرياح التي تهب من واشنطن من جهة أُخرى ستكون النتائج أخطر بكثير.
  • كانت مناكفة اليمين المتطرف لشامير ونتنياهو، وقبل ذلك لمناحيم بيغن في إثر اتفاقية السلام مع مصر، نابعة من السياسة التي يجب الجسر فيها أحياناً بين المرغوب فيه وبين ما يتوفر، ويسمى هذا براغماتية. ففي سنة 1996 عندما طرحت اللجنة السياسية لليكود خطة براغماتية للبحث في موضوع يهودا والسامرة [الضفة الغربية] عارضها عضو الكنيست بنيامين زئيف بيغن باستخفاف، بدعوى أن "هذه براغماتية مثل المقايضة في السوق." ولا بد من القول إن السياسة البراغماتية، مع التشديد على الجانب الأمني وحماية البوصلة الأيديولوجية، هي السبيل الذي قاد فيه نتنياهو بنجاح طريق إسرائيل السياسي ووصل إلى إنجازات غير مسبوقة في المجال الدولي وعلى الصعيد الإسرائيلي- العربي. وبفضله تحوّل "السلام الآن" من شعار تافه وخادع إلى واقع سياسي. وتم هذا من دون الفلسطينيين الذين يصرون على رفضهم الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية، ما جعل الرئيس الأميركي جو بايدن يقر بأنه السبب الحقيقي وراء غياب السلام.
  • لكن هذا السبيل السياسي قد يقف الآن أمام عقبة كأداء، إذ إن "حكومة التغيير" ستكون حكومة شلل وجمود، وبذور حلها تبدو مغروسة فيها منذ يومها الأول. فعندما سنضطر إلى مواصلة التصدي للتهديد النووي الإيراني كيف ستتخذ القرارات؟ وعندما تعطي "حماس" وجهات فلسطينية أُخرى، بما في ذلك في إسرائيل، الإشارة إلى حملة شغب أُخرى هل سيكون هناك قاسم مشترك بين ممثلي اليسار في الحكومة وبين بني غانتس ورجال "يمينا"، ناهيك بالعنصر الحيوي في لوحة الفسيفساء السلطوية الذي يسمى القائمة المشتركة؟ ماذا سيكون الرد الإسرائيلي عندما تحاول إدارة بايدن أن تدفع إلى الأمام بصورة نشطة خططاً للشرق الأوسط عموماً، وللموضوع الفلسطيني خصوصاً، أو عندما تنشب أزمة اقتصادية جرّاء التضخم المالي العالمي؟ إن الحل المتوقع هو ألا يقرروا. أما النتيجة الواضحة فهي الدونية والسلبية الإسرائيلية في كل المجالات. ولا شك في أن "حماس" أيضاً تفهم ذلك وقد تعمل بموجبه، بينما يبدو أن هجمة الصواريخ والإرهاب الأخيرة شكلت لها "بروڤة" عامة.
  • للنزاهة ينبغي القول إن الحكومة الحالية والحكومة التي سبقتها اعترتهما عدة نواقص تسببت بانصرافهما، كما ساهمت في ذلك علل نظام الحكم كنتيجة لطريقة الانتخابات القائمة. أما حالياً فلا يتبقى لنا سوى الأمل بأن تتمكن الدولة سريعاً من تجاوز نتائج الشرخ الحالي وفترة "حكومة التغيير".