أبو مازن خسر مجدداً وعلى إسرائيل أن تقلق
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

  • على ما يبدو خرج أبو مازن بضرر طفيف من تأجيل الانتخابات التي كانت المنظومة الفلسطينية تستعد لها قبل نحو نصف عام. طبعاً وجهت "حماس" انتقادات شديدة، لكن ثمة شك في أنها ستنجح في الدفع قدماً بانتفاضة شعبية ضد السلطة. أكثر من ذلك، الجمهور الفلسطيني لم يحتج، بينما احتجت المنظومة الدولية بصوت خافت على قرار رئيس السلطة وقف العملية الديمقراطية التي لم يشهدها الفلسطينيون منذ 15 عاماً.
  • الخبير في الأسلوب السياسي لأبو مازن لم يُفاجأ بقرار التأجيل. فمنذ انتخابه رئيساً في سنة 2005 أثار أبو مازن أزمات داخلية وخارجية خطرة أظهرت عدم وجود تفكير استراتيجي عميق، وفجوة بين المصالح وبين النتائج على أرض الواقع. في أحسن الأحوال انتهت هذه الأزمات بتراجع محرج لأبو مازن، وفي أسوئها بهزيمة مؤلمة. في هذا السياق تبرز انتخابات 2006 التي فازت فيها "حماس" والهزيمة التي ألحقتها بالسلطة الفلسطينية، وفي صراعها على السلطة في القطاع في سنة 2007، وعشرات الأزمات بين السلطة وإسرائيل في العقد الماضي (وقف التعاون الأمني، أموال الضرائب وغيرها)، والتي بدأت بصوت مدوٍّ وانتهى معظمها بتراجع فلسطيني.
  • هذا ما جرى أيضاً في الانتخابات المقررة: بادر أبو مازن إلى هذه الخطوة قبل نحو نصف عام من دون أن ينوي تحقيقها. أراد استغلال الانتخابات لتحسين صورته في نظر الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة وجذب انتباهها، ولتعزيز شرعيته المتداعية داخلياً. افترض أبو مازن في قرارة نفسه أن "حماس" ستضع عقبات تسمح له بلومها على إفشال العملية، أو أن إسرائيل ستحبطها في مرحلة لاحقة.
  • لكن مرة أُخرى كان الحظ ضد أبو مازن. إذ انتهجت "حماس" استراتيجية "مصيدة العسل" ووافقت على الشروط التي وضعتها السلطة: الغرب أظهر لامبالاة إزاء ما يجري في السلطة؛ إسرائيل حافظت على الغموض ولم تعلن رفضها الصريح لإجراء انتخابات في القدس الشرقية، وبرز داخل معسكر أبو مازن حافز للدفع قدماً بالانتخابات، في الأساس من جانب جبريل الرجوب الذي رأى فيها أداة لشق طريقه إلى كرسي الرئاسة.
  • وبمرور الوقت أصبحت المغامرة أكثر خطورة: حركة "فتح" انشقت وتوزعت بين عدة قوائم تصارعت فيما بينها، في المقابل بلورت "حماس" قائمة جذابة وأظهرت وحدة صف، الأمر الذي جعل أبو مازن يدرك أنه يسير نحو هزيمة محتمة. فاستغل مشكلة إجراء الانتخابات في القدس الشرقية كسلّم للنزول عن شجرة الانتخابات من خلال اتهام إسرائيل بإفشالها - مزاعم من الواضح لأي فلسطيني أنها ذريعة وليست سبباً أساسياً.
  • خرج أبو مازن خاسراً من كل الاتجاهات: حزبه انهار على خلفية الإعداد للانتخابات التي لم تجرِ قط، وهو نفسه متهم في الداخل والخارج بأنه يمنع عملية ديمقراطية ومصالحة وطنية.
  • بالنسبة إلى الفلسطينيين وإسرائيل والعالم العربي والساحة الدولية، الانتخابات الفلسطينية هي بمثابة تحذير حيال ما يمكن أن يحدث في اليوم التالي لما بعد أبو مازن.
  • ما حدث يشعل عدة أضواء حمراء: ضعف عميق في حركة "فتح" وانشقاق داخلي في مقابل ازدياد قوة "حماس"؛ غياب استراتيجيا واضحة وعملية منتظمة لاتخاذ القرارات في القيادة في رام الله، وتهاون شخصيات من "فتح" من وسط أبو مازن تتطلع إلى وراثته كان من المتوقع أن تكبح قبل فوات الأوان الرئيس ابن الـ86 عن القيام بخطواته التي كان من المؤكد أنها ستؤدي إلى هاوية سياسية.
  • في هذه الأثناء يمكن للمرء أن يسأل عن مغزى اللامبالاة العامة الفلسطينية حيال تأجيل الانتخابات - سلوك لا يدل على اتفاق مع سياسة السلطة بل على اغتراب عميق وعدم ثقة وعدم اهتمام، يمكن في سيناريوهات اليوم التالي لما بعد أبو مازن أن تتطور إلى موجة احتجاج من نوع الربيع العربي ضد الحكم في رام الله.
  • المثير للاهتمام أيضاً الضربة التي تعرض لها جبريل الرجوب في أعقاب تأجيل الانتخابات، وهو ما يمكن أن يدفعه في اليوم التالي إلى زيادة دعوته إلى إقامة قيادة وطنية مشتركة بين "فتح" و"حماس". مثل هذا السيناريو سيسمح لـ"حماس" بتعزيز مكانتها في المنظومة الفلسطينية وترسيخ موقعها كقائدة - وهذا هو هدفها الاستراتيجي في مرحلة ما بعد أبو مازن.
  • تشير الأزمة الحالية إلى أن أبو مازن وصل إلى نهاية حياته السياسية، وأن مشكلة اليوم التالي أصبحت ذات دلالة أكبر من الماضي. في غياب القدرة على تقديم أفق على الصعيد الداخلي - الفلسطيني أو مفاوضات مع إسرائيل، من المتوقع أن يواصل أبو مازن الحكم بالوسائل المعتادة من دون رؤيا للمستقبل حتى نزوله عن المنصة، إلّا إذا حدثت سيناريوهات مفاجئة، مثل وفاته أو "إزاحته" من جانب أطراف في القيادة الفلسطينية، حتى هذه اللحظة على الأقل ليس هناك دلائل تشير إلى أن هذا على وشك الحدوث.