عن الصراع بين الأردن والسعودية على المسجد الأقصى
تاريخ المقال
المصدر
- حدثان لهما أهمية تاريخية - دينية كادا أن يحدثا في اليومين الماضيين، لكنهما في نهاية الأمر تأجلا - يشيران إلى طبقة عميقة وخفية في الصراع الدائر بين الأردن والسعودية حول الوصاية على الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس - مساجد الحرم القدسي الشريف. هذا الصراع انخرطت فيه إسرائيل أيضاً رغماً عن إرادتها.
- الأمير حسين ابن الملك عبد الله ملك الأردن، كان على وشك الدخول في الأول من أمس إلى المسجد الأقصى كي يثبت أمام العالم المكانة الرسمية التاريخية للأردن كوصيّ حالي من طرف العالم الإسلامي على الحرم القدسي. لكن في اللحظة الأخيرة، وبذريعة "جدل بشأن ترتيبات أمنية"، أُلغيت الزيارة. من وجهة نظر أردنية "غرزة العلم" العلنية كانت ملحّة للأردن على خلفية أخبار لم يجرِ تكذيبها بشأن مفاوضات يجريها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع إسرائيل بشأن لقائه رئيس الحكومة نتنياهو. أيضاً في الاتصالات بالسعوديين يجري تداول موضوع الحرم القدسي.
- السعودية كدولة إسلامية عظمى تسيطر على مكة والمدينة، المكانين المقدسين الأولين في الإسلام، تُظهر اهتماماً متزايداً بإيجاد موطىء قدم مهم لها أيضاً في المسجد الأقصى، المكان المقدس الثالث في الإسلام. تريد السعودية إنشاء ستاتيكو جديد في الحرم القدسي. وهي مستعدة لأن توظف في القدس وفي المسجد الأقصى مبلغاً طائلاً يبلغ عشرات المليارات من الدولارات، وإنشاء تطبيع مع إسرائيل على مستوى ما.
- المقابل الذي تطالب به السعودية هو مشاركة كبيرة إلى جانب إسرائيل في الإدارة الفعلية للحرم بدلاً من الأردن، أو إلى جانبه. من شأن هذا الوضع أن يحقق للسعودية مكسباً ضخماً: يعطيها مكانة دولة دينية عظمى تسيطر على الأماكن الثلاثة المقدسة في الإسلام، وهزم تركيا أردوغان الذي لم يتخل عن محاولاته "تحرير" الحرم القدسي الشريف من يدي إسرائيل كما هو معلوم.
- الأردن غاضب على مجرد طرح الفكرة. العائلة الهاشمية سبق أن خسرت مهمة "المحافظة على الأماكن المقدسة الإسلامية" في مكة والمدينة بعد الحرب العالمية الأولى لمصلحة السعودية. ولقد عزّت نفسها بالوصاية على الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس. هذه المكانة حافظت عليها أيضاً في إطار علاقتها بإسرائيل بعد 1967.
- استمر الأردن في التدخل في الإدارة الدينية للحرم القدسي بواسطة الوقف الأردني. ونال اعترافاً بمكانته الرفيعة المستوى في إطار اتفاق السلام مع إسرائيل في سنة 1994، وهو يتدخل، فعلياً ونظرياً، في مجموعة مسائل تتعلق بالحرم، بدءاً من ترميم جدران الحرم، مروراً بالتدريبات المشتركة مع قوات إنقاذ إسرائيلية في الحرم، وصولاً إلى الفيتو الذي يفرضه من وقت إلى آخر على مشاريع إسرائيلية حول الحرم (استبدال جسر المغاربة أو إزالة ركام حائط "المبكى الصغير").
- عندما أرسل الملك السعودي خالد في بداية الثمانينيات موفدين إلى مناحيم بيغن وعرض عليه مبلغاً كبيراً لتطوير شرق أوسط جديد في مقابل رفع العلم السعودي في الحرم، لم يوافق بيغن على ذلك. الآن تغيرت الأزمان. نتنياهو ورجاله منخرطون في محادثات بشأن إمكان انضمام السعودية كي تصبح لها مكانة في الحرم. بدأ هذا في الفترة التي بوشر فيها الإعداد لخطة القرن واستمر مؤخراً.
- تحولت إسرائيل عملياً إلى "شرطي سير" في الحرم. فهي تحاول، من دون أن تنجح دائماً، الحرص على مكانتها في الحرم، وفي الوقت عينه تحاول التوفيق بين المصالح المتضاربة لأطراف عربية وإسلامية عديدةـ حالياً السعودية والأردن.
- بالنسبة إلى الأردن الذي يساهم في حدود شرقية هادئة معنا ويدير منظومة علاقات اقتصادية وأمنية متشعّبة مع إسرائيل - الحرم ليس فقط رمزاً تاريخياً بل هو مرساة وضمانة لاستقرار الحكم في المملكة؛ الحكم الذي يثور ضده أكثر من مرة إسلاميون متشددون. هكذا تجد إسرائيل نفسها "قدم هنا وقدم هناك" تغرق في الصراع الداخلي - الإسلامي بين الأردن والسعودية.
- إلى أن يتم اتخاذ قرار آخر - يبدو أنه غير بعيد - لا يزال الأردن هو الوصي المفضل لإسرائيل على الحرم القدسي، على الرغم من أنه بحاجة إلى إسرائيل أكثر مما يبدو أن إسرائيل بحاجة إليه.