الانتخابات في السلطة الفلسطينية - سيناريو يزداد مع مرور الوقت: تحليل وتوصيات
المصدر
  • بعد مرور عقد ونصف العقد تقريباً على الإخفاقات المتكررة في الدفع قدماً بتسوية داخلية- فلسطينية أساسها إجراء انتخابات، برز في الأسابيع الأخيرة تغيّر حقيقي في الموضوع. لأول مرة منذ سنوات جرى تحديد مواعيد انتخاب للمجلس التشريعي وللرئاسة وللمؤسسات في منظمة التحرير الفلسطينية، ويلوح اهتمام وتوقّع متزايدان في المنظومة الفلسطينية.
  • ثلاث قوى مركزية تضغط لإجراء الانتخابات في الوقت الحالي:
  • المجتمع الدولي - وخصوصاً الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وأيضاً جزء من العالم العربي، الذين يقدّرون أن العملية الديمقراطية تساعد في استقرار وتعافي المنظومة السياسية، وتتعهد هذه الأطراف أيضاً بالمساعدة في إدارة الانتخابات، وإقناع إسرائيل بإجرائها في القدس الشرقية.
  • "حماس" - تسعى لتقوية موقعها القيادي بواسطة الانتخابات. تتطلع الحركة إلى "اليوم التالي" ما بعد أبو مازن وتنتهج استراتيجية "فخ العسل"، وضمن هذا الإطار وافقت على معظم مطالب أبو مازن التي أدت في الماضي إلى إفشال الانتخابات (في الأساس مطالبة السلطة بأن تكون انتخابات نسبية وتدريجية).
  • جبريل الرجوب - يرى في الانتخابات أداة يمكن أن يشق بواسطتها طريقه إلى كرسي الرئاسة في "اليوم التالي" ما بعد أبو مازن، لذلك هو يضغط من أجل إجرائها، بعكس موقف جزء من مسؤولين كبار في السلطة يتخوف من تكرار ما حدث في انتخابات 2006، أي عندما خسرت السلطة أمام "حماس".

في المرحلة الحالية لا يزال هناك مطبات كثيرة في طريق إجراء الانتخابات يمكن أن تؤدي إلى إفشالها، وعلى رأسها التوقع المتبادل للطرفين بإطلاق سراح أسرى سياسيين، وعلامة السؤال المطروحة بشأن إجراء الانتخابات في القدس، وهو موضوع يعتبره كثيرون في المنظومة الفلسطينية شرطاً أساسياً لإجرائها. مع ذلك، كما ذكرنا فإن وزن هذه العقبات يتقلص، ومن جهة أُخرى يزداد التوقع العام والدولي لإجراء الانتخابات.

  • من وجهة النظر الإسرائيلية، إجراء الانتخابات في الظروف الحالية يعكس مخاطر أكثر من فرص. من جهة تنطوي الانتخابات على إمكان إحياء السياسة الفلسطينية التي لم تشهد تغيرات منذ انتخابات 2006، وبالتأكيد ليس بروحية ديمقراطية. وبالإضافة، إلى أن سيناريو فوز "فتح" في الانتخابات ينطوي على فرص تعزيز الشرعية الشعبية لحكم السلطة، وإضعاف "حماس"، واستقرار المنظومة الفلسطينية، وهو هدف جوهري يتعزز استعداداً "لليوم التالي" بعد أبو مازن.
  • لكن في المرحلة الحالية التي تعاني فيها "فتح" من توترات داخلية وتواجه انقسامات وتراجعاً في شعبيتها، بينما تُظهر "حماس" وحدة صف وإصراراً وقدرة تنظيمية في الضفة، فإن التهديدات بالنسبة إلى إسرائيل كبيرة (وإلى حد بعيد أيضاً بالنسبة إلى السلطة)، ويمكن أن تؤدي إلى زعزعة عميقة للمنظومة الفلسطينية. يصح ذلك طبعاً في سيناريو تفوز فيه "حماس" في الانتخابات وتنجح في ترسيخ قوتها في الضفة الغربية، لكن أيضاً في "سيناريو جزائري" لا تحترم فيه السلطة فوز "حماس"، الأمر الذي يمكن أن يخلق توتراً بين الطرفين، وأيضاً بين الجمهور والسلطة.
  • يجب التشديد على أن "حماس" ليست مطالبة في المرحلة الحالية من طرف السلطة أو المجتمع الدولي بالاعتراف بالاتفاقات السياسية مع إسرائيل، ناهيك عن الاعتراف بوجودها، كشرط للمشاركة في الانتخابات. وهذا ما يمكن أن يتسبب بأزمة حادة بين إسرائيل والفلسطينيين في حال حققت الحركة إنجازاً في الانتخابات يرسخ مكانتها في قيادة السلطة الفلسطينية. النظرية القائلة إن عبء الحكم يؤدي إلى اعتدال نظري وعملي لـ"حماس" أثبتت خطأها في الماضي، وحالياً على الأقل ليس من المعقول أن يؤدي ترسيخ زعامة "حماس" ومشاركتها في قيادة مستقبلية للسلطة الفلسطينية إلى تغيّر عميق في هذا السياق.
  • لا تستطيع إسرائيل أن تسمح لنفسها بالتفرج على الانتخابات وعدم التدخل في عملية لها تداعيات استراتيجية على أمنها الوطني. مع ذلك يتعين عليها أن تكون حذرة في خطواتها لأن التدخل من جانبها يمكن أن يجر انتقادات دولية حادة، والتسبب بتطور أزمة مع السلطة الفلسطينية مع إمكان احتكاك عنيف بـ"حماس" التي صرحت مؤخراً بأن أي محاولة إسرائيلية لتخريب الانتخابات الفلسطينية ستواجَه بجهد فلسطيني لتخريب الانتخابات في إسرائيل.
  • في هذه المرحلة تواجه إسرائيل تحديات تفرض بلورة استراتيجيا منظمة. أولاً، يجب التوضيح - على الصعيد الدعائي والدبلوماسي - أن إسرائيل تعتبر الانتخابات الديمقراطية خطوة مرحَّباً بها وليس لها مصلحة في التدخل في القرارات الفلسطينية، لكن في الوقت عينه يجب عليها أن تعرض شروطها الأساسية بشأن الموضوع، وعلى رأسها امتثال "حماس" للشروط الدولية. بالإضافة إلى ذلك يجب عليها أن توضح أن الظروف الحالية يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات في المنظومة الفلسطينية، وخصوصاً ازدياد قوة تيار الإخوان المسلمين، وهذا سيناريو يمكن أن يكون سيئاً بالنسبة إلى المعسكر المعتدل في العالم العربي وبالنسبة إلى المجتمع الدولي.

على الصعيد العملي يتعين على إسرائيل أن تتخذ حالياً 4 خطوات:

  • التنسيق السياسي مع القوى المركزية في العالم العربي (في الأساس مصر، والأردن، والسعودية، والإمارات)، وفي الساحة الدولية. في هذا الإطار المطلوب التزام "حماس" بالشروط الدولية كشرط للبحث في إجراء الانتخابات في القدس.
  • فتح حوار مستمر مع قيادة السلطة الفلسطينية ومع الجمهور الفلسطيني (في الأساس بواسطة عمليات الدعاية والوعي)، لتوضيح مواقف إسرائيل وثمن الخسارة الذي يمكن أن تتكبده الأطراف كلها بسبب اضطربات سياسية.
  • نقل رسائل ردع علنية وسرية إلى "حماس" مفادها إذا واصلت التهديد بتخريب الانتخابات في إسرائيل، فإن إسرائيل ستتخذ خطوات عملية في الموضوع. وفي هذا السياق من الضروري التوضيح أن من المتوقع أن تلغي إسرائيل التفاهمات في قطاع غزة التي تؤمن استقراراً لحكم الحركة.
  • إحباط إمكان ترشيح مروان البرغوثي إلى الانتخابات الرئاسية في السلطة الفلسطينية، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تعقيدات سياسية وقانونية حادة بالنسبة إلى إسرائيل والسلطة الفلسطينية معاً.

كلما أصبحت الانتخابات أكثر جدية، المطلوب من إسرائيل أن تقرر كيف ستواجه النشاطات السياسية والدعائية لـ"حماس" أو أي كيان سياسي سيعمل من طرفها في الضفة الغربية. إذا لم يظهر تبدل في الشروط الحالية، سيُطلب من إسرائيل فحص كيفية منع هذه النشاطات، بواسطة اعتقال كبار مسؤولي "حماس" في المنطقة، وفرض قيود على حركتهم بين المحافظات، ومنعهم من إقامة نشاطات عامة للحركة.

  • باستثناء سيناريو فوز "حماس" في الانتخابات، الذي يُعتبر الآن احتمالاً محدوداً، فإن كل السيناريوهات تنطوي على تحديات، وربما تهديدات استراتيجية بالنسبة إلى إسرائيل: بدءاً من فوز "حماس"؛ مروراً بإقامة حكومة وحدة فلسطينية تمنح "حماس" حرية العمل والتمركز في الضفة الغربية من دون أن تلتزم بالشروط الدولية، أو أن تتحمل عبء الحكم؛ وانتهاء بقيام السلطة الفلسطينية أو إسرائيل بإحباط نتائج انتخابات تفوز فيها "حماس". كل تلكؤ إسرائيلي في بلورة موقف منظم واتخاذ خطوات عملية يمكن أن يؤدي إلى زيادة التحديات ويزيد صعوبة مواجهتها بنجاح.