عقد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية- الأمنية أمس (الأحد) اجتماعاً لمناقشة أبعاد وتداعيات القرار الذي اتخذته المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي يوم الجمعة الفائت، والذي ينص على منح الصلاحية للمدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا للتحقيق في جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.
وأكد مسؤولون رفيعو المستوى في إسرائيل أن هذه المحكمة لم تباشر بعد بالتحقيق ضد شخصيات إسرائيلية بهذه الشبهة، لكن قرارها هذا من شأنه أن يمهد الطريق لمثل هذا التحقيق.
وفي وقت سابق أوضح المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية أفيحاي مندلبليت أن القرار يفتقر إلى أي صلاحية، إذ لا يوجد شيء اسمه دولة فلسطينية ذات سيادة كما أنه ليس هناك مناطق تابعة لها، وبالتالي ليس للسلطة الفلسطينية ولاية قضائية على إسرائيليين.
وتوالت ردات الفعل الإسرائيلية على قرار هذه المحكمة.
وأصدر الجيش الإسرائيلي أول أمس (السبت) بياناً تعهد فيه بمواصلة الدفاع عن السكان الإسرائيليين ودعم جنوده وقادته، وانتقد قرار الجنائية الدولية واعتبره متحيزاً وغير ذي صلة ولا سلطة له.
وقال الجيش في بيانه إنه دافع وسيواصل الدفاع بعزم عن دولة إسرائيل وسكانها في كل المجالات من منطلق الالتزام الكامل بروح الجيش الإسرائيلي وقيَمه وقوانين دولة إسرائيل والقانون الدولي.
ولم تُفاجأ قيادة الجيش الإسرائيلي بقرار المحكمة الجنائية الدولية، وبدأت بالاستعداد لمواجهة القرار منذ عدة أشهر. وعيّن الجيش منسقاً عاماً لشؤون مواجهة القرار هو اللواء إيتاي فيروف، الذي يشغل منصب قائد الكليات العسكرية ويتولى المسؤولية عن إجراء تحقيقات عملانية داخل صفوف الجيش. كذلك شُكِّل طاقم خاص تحت قيادة فيروف يترأسه خبير في القانون الدولي.
وفي وقت سابق هاجم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قرار المحكمة الجنائية الدولية. وقال نتنياهو في بيان صادر عنه إنه عندما تحقق هذه المحكمة مع إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب وهمية فإن ذلك يُعَد معاداة للسامية. وأعرب نتنياهو عن أسفه لأن المحكمة أُنشِئت لمنع فظائع، مثل المحرقة النازية ضد الشعب اليهودي، والآن هي تستهدف الدولة الوحيدة للشعب اليهودي. وأكد كذلك أن المحكمة الجنائية الدولية تدّعي بصورة شائنة أنه عندما يعيش اليهود في وطنهم فهذه جريمة حرب، في إشارة إلى احتمال قيام المحكمة بالتحقيق في سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية. في الوقت نفسه اشتكى رئيس الحكومة من أن المحكمة الجنائية الدولية ترفض التحقيق في ممارسات أنظمة ديكتاتورية وحشية، مثل إيران وسورية، ترتكب فظائع مروعة بصورة شبه يومية.
وبعث وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس أول أمس برسالة إلى الجيش الإسرائيلي وصف فيها قرار المحكمة الجنائية الدولية، الذي أكد أن لديها اختصاصاً قضائياً في فتح تحقيق في ارتكاب إسرائيل لجرائم حرب، بأنه قرار خطر ولا صلاحية له. وأكد غانتس أن القرار يهدف إلى أن يكون بمثابة أداة في أيدي أعداء إسرائيل وأولئك الذين يسعون إلى إلحاق الأذى بها من خلال الاستغلال السياسي للهيئات الدولية، ووعد بحماية ضباط الجيش وجنوده من أي تداعيات محتملة له.
وكتب غانتس: "سيستمر الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية بأكملها في الدفاع عن الدولة ومواطنيها بتفانٍ ومهنية، مع التمسك بقيم دولة إسرائيل والجيش الإسرائيلي والالتزام بقواعد القانون الدولي." وأضاف أنه يتعين على الدولة أن تواجه تحديات أمنية صعبة ومعقدة وهي مستعدة لأي عواقب محتملة تنشأ عن هذا القرار الخاطئ والسياسي والمنحاز.
كما اعترضت وزارة الخارجية الأميركية على القرار. وقالت في بيان صادر عنها إن لديها مخاوف جدية بشأن محاولات المحكمة الجنائية الدولية ممارسة ولايتها القضائية على الأفراد الإسرائيليين. وأضافت أن الولايات المتحدة تبنّت دائماً الموقف القائل إن اختصاص المحكمة يجب أن يقتصر على الدول التي وافقت على إنشائها، أو على القضايا التي يُحيلها عليها مجلس الأمن الدولي.
في المقابل رحّب رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية بقرار المحكمة الجنائية الدولية، والذي أكد أن اختصاصها القضائي يشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقال اشتية إن هذا القرار هو انتصار للعدالة والإنسانية وقيم الحق والعدل والحرية، وإنصاف لدماء الضحايا ولذويهم.
واتُّخذ القرار بأغلبية 2 مقابل 1 من قضاة الدائرة التمهيدية في محكمة لاهاي، ونصّ على أن هذه المحكمة تمتلك الحق في بدء تحقيق بشأن احتمال قيام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب لكون فلسطين دولة طرفاً في "ميثاق روما" الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية. وأقرت المحكمة أن فلسطين مؤهلة كدولة على الأرض التي حدث فيها السلوك المعني، وأن اختصاص المحكمة يمتد إلى القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة.
والآن تقع على عاتق المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا مهمة اتخاذ قرار البدء بالتحقيق.
ورحّب مكتب بنسودا بالوضوح القضائي للقرار، وذلك في تغريدة نشرها في حسابه الخاص على موقع "تويتر"، لكنه أكد في الوقت عينه أنه يحتاج إلى وقت قبل اتخاذ قرار بشأن كيفية المضي قدماً. وأضاف أن المكتب يقوم حالياً بتحليل القرار بعناية، وسيقرر بعد ذلك خطوته التالية، مسترشداً بدقة بتفويضه المستقل والمحايد.
وكانت بنسودا أشارت في آخر سنة 2019 إلى أنها تنوي القيام بهذا التحقيق، وأوضحت أن التحقيق الجنائي سيركز على الحرب التي دارت بين إسرائيل وحركة "حماس" سنة 2014 [عملية "الجرف الصامد"]، وعلى سياسة الاستيطان الإسرائيلية، وعلى الرد الإسرائيلي على الاحتجاجات التي جرت في منطقة الحدود مع قطاع غزة ["مسيرات العودة"].
تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، ولا الولايات المتحدة، في حين أن الفلسطينيين انضموا إلى المحكمة سنة 2015.