"حماس" تحاول إخضاع إسرائيل ثانيةً
تاريخ المقال
المصدر
مركز القدس للشؤون العامة والسياسة
تأسس المعهد في سنة 1976، وهو متخصص في الدراسات السياسية والدبلوماسية والاستراتيجية. يترأس المعهد، حالياً، السفير الإسرائيلي السابق في الأمم المتحدة دوري غولد. ينشر المركز مقالات يومية يمكن الاطلاع عليها باللغتين العبرية والإنكليزية على موقعه الإلكتروني. كما تصدر عنه سلسلة من الكتب، ويمتاز بمواقفه التي تتماهى مع اليمين في إسرائيل.
[رفضت حركة "حماس" عرضاً إسرائيلياً لعقد صفقة تبادل أسرى تشمل، أيضاً، تطعيم سكان قطاع غزة بلقاحات ضد فيروس كورونا والإفراج عن مئات [المخربين] من السجون الإسرائيلية. المفاوضات بشأن هذه الصفقة وصلت إلى طريق مسدودة مرة أخرى، والفرضية الأساس التي تعمل "حماس" بموجبها هي أن الضغط الداخلي في إسرائيل سيرغم المستوى السياسي على الانصياع لمطالبها]
- تُعتبر "صفقة شاليط" من سنة 2011 أحد النجاحات الكبرى التي حققتها حركة "حماس" في نضالها ضد إسرائيل، وهي ما زالت تحاول جعلها سابقة ينبغي لإسرائيل أن تتصرف بموجبها في أي صفقة تبادُل أسرى مستقبلية مع "حماس". في إطار هذه الصفقة، التي جرت على مرحلتين، أفرجت إسرائيل عن 1027 [مخرباً] فلسطينياً في مقابل جندي إسرائيلي واحد في قيد الحياة ـ جلعاد شاليط.
- بناء على هذا، يحدد قادة "حماس" ثمن الصفقة المقبلة: جندي إسرائيلي واحد "يعادل" نحو ألف من [المخربين]. ولهذا، هم يعتقدون أن في مقابل جثتي جنديين إسرائيليين (أورون شاؤول وهدار غولدين) ومواطنين اثنين آخرين (إيفرا منغيستو وهشام السيد)، يجب أن يحصلوا على ألفيْ [مخرّب]، على الأقل.
- هذا الموقف بعيدٌ، بُعد السماء عن الأرض، عن الموقف الإسرائيلي وعن توصيات "لجنة شمغار"، لكن لدى حركة "حماس" ما يكفي من الوقت وقد تعوّدت على العيش في ظل جائحة كورونا في قطاع غزة وتراهن على أن الضغط الداخلي في إسرائيل سيؤدي إلى تراجع الحكومة الإسرائيلية أولاً في "لعبة البوكر" التفاوضية، ثم إذعانها إلى مطالبها (مطالب "حماس").
- خلال الأسبوع الماضي، زار قطاع غزة وفدٌ من الاستخبارات المصرية. ولأن قائد "حماس" في القطاع، يحيى السنوار، أصيب بعدوى فيروس كورونا، فقد التقى الوفد نائبَه خليل الحية. كان الوفد المصري يحمل معه عرضاً إسرائيلياً الهدف منه كسر الجمود واختراق الطريق المسدودة التي وصلت إليها المفاوضات المتعلقة بصفقة جديدة لتبادل الأسرى: تسهيلات إنسانية واسعة، نقل لقاحات للتطعيم ضد فيروس كورونا إلى قطاع غزة، والإفراج عن مئات [المخربين] من السجون الإسرائيلية، في مقابل استعادة جثتيْ الجنديين في الجيش الإسرائيلي هدار غولدين وأورون شاؤول، إضافة إلى المواطنيْن الإسرائيليين إيفرا مانغيستو وهشام السيد، الموجوديْن في الأسر لدى "حماس" منذ ما يزيد عن خمس سنوات.
- مصادر في "حماس" قالت لصحيفة "الأخبار" اللبنانية، يوم 15 كانون الأول/ديسمبر الحالي، إن إسرائيل خرجت في عرضها هذا عن توصيات "لجنة شمغار"، لأول مرة، ووافقت على الإفراج أيضاً عن أسرى "أيديهم ملطخة بالدم" وكانوا ضالعين في قتل إسرائيليين، إلّا إن حركة "حماس" رفضت هذا العرض رفضاً قاطعاً.
- لم يصدر في إسرائيل أي تعقيب رسمي على هذا النشر، بل يستمر اعتماد الضبابية ـ لا نفي ولا تأكيد، غير أن "حماس" تبدي تصلباً وإصراراً على المبادئ التي حددتها للمفاوضات.
- لا توجد أية علاقة بين الوضع الإنساني القاسي في قطاع غزة وبين صفقة تبادل الأسرى الجديدة.
- يجب تنفيذ الصفقة الجديدة على مرحلتين، على غرار "صفقة شاليط"، وليس دفعة واحدة، كما تطلب إسرائيل.
- في المرحلة الأولى، تنقل "حماس" إلى إسرائيل معلومات عن مصير الأسرى الأربعة المفقودين، على أن تكون هذه المعلومات مصحوبة بأدلة وإثباتات، في مقابل إطلاق سراح أسرى من المسنين، والمرضى، والنساء، والأطفال القاصرين.
- في المرحلة الثانية، يتم إطلاق سراح نحو 2000 أسير أمني، بينهم بضع مئات من [المخربين القتلة] وضمنهم "قادة الإرهاب"، من تنظيمات فلسطينية متعددة، المحكومون بالسجن بمؤبدات عديدة: مأمون السيد، عبد الله برغوثي، أحمد سعدات، مروان البرغوثي وغيرهم.
- مصادر أمنية في إسرائيل قالت إن "حماس" تريد تجزئة الصفقة، كي تضطر إسرائيل إلى دفع الثمن مرتين بالإفراج عن [مخربين]؛ وحتى لو استُكملت هذه الصفقة في المستقبل، فهي لن تكون مستعدة للتعهد بالمحافظة على الهدوء لمدى طويل يمتد سنوات في المواجهة مع إسرائيل.
- تريد "حماس" مواصلة الاحتفاظ بجهازها الإرهابي بصورة فعالة ونشطة كي يكون قادراً على ابتزاز إسرائيل في أي لحظة زمنية محددة.
- أعادت قيادة "حماس" الكرة إلى الملعب الإسرائيلي، إذاً، وهي تتوقع أن يؤدي رفضها للعرض الإسرائيلي بشأن صفقة التبادل إلى ممارسة المزيد من الضغط على إسرائيل حتى تذعن وتقدم تنازلات إضافية أُخرى. وتُجري قيادة "حماس" مشاورات مع القيادة الجديدة التي انتخبها أسرى "حماس" في السجون الإسرائيلية مؤخراً، مع الإشارة إلى أن موقف "حماس" متأثر، أيضاً، بالانتخابات الداخلية الوشيكة التي ستُجرى لرئاسة الحركة قريباً ويتنافس فيها كلّ من خالد مشعل وإسماعيل هنية المعنيَّيْن بإبداء مواقف متصلبة في المفاوضات مع إسرائيل، لا أن يظهرا كخاضعَيْن أمام الضغط الإسرائيلي.
- يبدو أن المفاوضات قد وصلت إلى طريق مسدودة مرة أُخرى. فقد كانت إسرائيل تفكر في استغلال تفشي وباء كورونا في قطاع غزة كرافعة للإقناع من خلال عرض مساعدات طبية جدية لسكان قطاع غزة، في مقابل إبداء "حماس" مرونة في مسألة الأسرى، لكن ليس هذا ما يعني قادة "حماس" الذين يرون أمام أعينهم الانتخابات الداخلية لقيادة الحركة ويبحثون عن إنجازات ومكاسب شخصية، بينما يستطيع سكان القطاع والأسرى الأمنيون في السجون الإسرائيلية الانتظار، من ناحيتهم.
- محمود الزهار، أحد القادة البارزين في حركة "حماس"، قال ذلك بصورة واضحة تماماً، قبل أيام: "لدينا مبدأ ـ إمّا أسرى في مقابل أسرى وإمّا جثث في مقابل أسرى، ولا ثمن سوى هذا الثمن. لن نتخلى عن هذه المعادلة في مقابل المال أو اللقاحات."
- المسار الذي عرضته إسرائيل على "حماس" للدفع قدماً نحو صفقة تبادل جديدة هو مسار خطر، لكنه يرمي إلى كسر الجمود المتواصل وتحقيق انطلاقة معينة. في هذا المسار ليس ثمة استخلاص لدروس من "صفقة شاليط"، وهو يتعارض مع توصيات "لجنة شمغار" التي أقرت، على سبيل المثال، عدم جواز الإفراج عن [مخربين] أحياء في مقابل جثث إسرائيليين.
- يبدو أن الطريقة الوحيدة التي بقيت أمام الحكومة الإسرائيلية لدفع حركة "حماس" إلى تليين مواقفها هي تبني واعتماد التوصيات التي وضعها المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية - الأمنية قبل نحو ثلاث سنوات وتركزت في سبل ممارسة الضغوط على "حماس"، والتي منها، على سبيل المثال، تجميع أوراق مساومة، اختطاف [مخربين] كبار، اغتيال قيادات وغيرها من التوصيات التي من الأفضل إبقاؤها طي السرية والكتمان.
- ستستمر هذه الطريق المسدودة خلال الأشهر المقبلة أيضاً، وقريباً ستُجرى انتخابات داخلية في حركة "حماس"، إضافة إلى انتخابات رابعة في إسرائيل على ما يبدو ـ ولهذه التطورات كلها تأثير في مجرى المفاوضات ويُحظر على إسرائيل الإذعان إلى الإرهاب، بل عليها التحلي بالصبر والتصميم، فحركة "حماس" في هذه المفاوضات في موقف أدنى من جميع النواحي ولا يجوز لإسرائيل أن تضعف.