اتفاقات أبراهام: النظرة الاستراتيجية
تاريخ المقال
المصدر
مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية
تأسس في سنة 1993 على يد الدكتور توماس هيكت، وهو من زعماء اليهود في كندا، وكان تابعاً لجامعة بار إيلان، وأُطلق عليه هذا الاسم تخليداً لذكرى اتفاق السلام الإسرائيلي -المصري الذي وقّعه مناحيم بيغن وأنور السادات. يعالج مسائل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والصراعات في المنطقة والعالم. يميل نحو وجهة نظر اليمين في إسرائيل. كما أصدر المركز مئات الدراسات والكتب باللغتين العبرية والإنكليزية.
- لا شك في أن اتفاقات السلام بين إسرائيل وبين الإمارات في الخليج، المسماة "اتفاقات أبراهام"، هي إنجاز سياسي له دلالات استراتيجية بالنسبة إلى مكانة إسرائيل الإقليمية. الاجتماع المُسرّب بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وبين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يعزز الاختراق الكبير في محور جديد يتشكل في الشرق الأوسط. ومن الواضح أن الدافع المركزي وراء ارتباط "الخليجيين"، بمباركة من الرياض، بالدولة اليهودية هو خوف هذه الدول من إيران، ففي الشرق الأوسط أيضاً يصح القول المعروف "عدو عدوي هو صديقي"، وخصوصاً بشأن كل ما له علاقة بالتحالفات الدولية. مع ذلك يتعين على إسرائيل أن تأخذ في الحسبان قواعد أُخرى في السياسة الدولية، لأن هذه العلاقات التي دخلت فيها تنطوي على التزامات ذات أهمية استراتيجية. تكتسب هذه العلاقات أهمية إضافية مع نهاية إدارة ترامب، العرّاب المركزي لهذا الاختراق، ودخول إدارة بايدن إلى البيت الأبيض.
- الخلفية السياسية للاختراق الحالي هي الضغط الأميركي لتحويل "العلاقات السرية"، التي تطورت في العقود الأخيرة بين إسرائيل ودول الخليج، إلى علاقات علنية وشرعية. الحاجات السياسية للرئيس الأميركي، كما الحاجات الاقتصادية أيضاً للصناعة الأميركية للسلاح، تطابقت مع الحاجات العسكرية لدول الخليج. لكن الهجمات الإيرانية على منشآت النفط السعودية وحرب اليمن برعاية إيران لم تحظيا إلا بفترات متباعدة برد أميركي. هذه الاستفزازات أُضيفت إلى تفكير جديد من طرف دول الخليج حيال الميزة التي تنطوي عليها تحالفات علنية مع دولة كانت تُعتبر "منبوذة" في العالمين العربي والإسلامي لسنوات طويلة. وبينما يتجاوز الكلام العالي السقف عن تكنولوجيا متقدمة وتعاون اقتصادي، فإن المنطق الجيو- استراتيجي وراء اتفاقات أبراهام هو انضمام حليف جديد لديه سلاح نووي إلى جهد كبح التمدد الإيراني.
- يكتسب هذا المنطق أهمية خاصة في ضوء الانسحاب المستمر للولايات المتحدة من الشرق الأوسط منذ أكثر من عقد، الناجم، من بين أمور أُخرى، عن استقلالها على صعيد الطاقة، والتعب المتزايد من تدخلاتها في المنطقة. حقيقة أن كون هذه الخطوة جرى الدفع بها قدماً من الجمهوريين والديمقراطيين معاً، تدل على أنها عقيدة جديدة يمكن أن تكتسب زخماً تحت الإدارة الديمقراطية القادمة التي بالتأكيد قد تُظهر مستقبلاً تأييداً أقل حيال دول الخليج التي كان يتودد إليها الرئيس الأميركي المنتهية ولايته.
- كتلة الدول المحافظة في الشرق الأوسط يقظة تجاه هذا التوجه وتتابع بقلق الانسحاب الأميركي الحاصل في الوقت الذي تعمّق روسيا والصين تغلغلهما في الشرق الأوسط، وتوسع إيران وتركيا نفوذهما الإقليمي. الغطاء الأيديولوجي- الديني للصراع الإقليمي الحالي هو حرب الإسلام السني المعتدل ضد الإسلام الشيعي الإيراني، والإسلام السني النضالي لحركة الأخوان المسلمين التي تتماهى مع تركيا أردوغان. وانسجاماً مع القاعدة المعروفة، لا وجود لتحالفات أبدية، بل فقط مصالح ثابتة، تجد إسرائيل نفسها في تحالف مع دول عربية ضد "صديقتيها" في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي- إيران وتركيا.
- بمقدار ما تواصل الولايات المتحدة انسحابها من المنطقة بمقدار ما يزداد وزن إسرائيل في الحلف الإقليمي الآخذ في النشوء، ويمكن أن تجد نفسها في أوضاع تفرض عليها القيام بخطوات عسكرية ليست مطلوبة بالضرورة للدفاع عن مصلحة إسرائيلية وجودية. رفض القيام بهذه الخطوات يمكن أن يولّد تصدعاً قي المنظومة المعادية لإيران، إلى حد الهروب إلى كتلة إيرانية و/أو كتلة الأخوان المسلمين/أنقرة.
- بناء على ذلك، تفرض التقديرات الجديدة في الشرق الأوسط على الحكومة الإسرائيلية إعداد الجمهور الإسرائيلي لتبصّرات والتزامات لم يعرفها في الماضي، مثل تدخّل عسكري تقوم فيه إسرائيل بالدور الذي كانت تقوم به الولايات المتحدة في الماضي. في المقابل على القدس أن تبذل كل ما في وسعها لإبطاء عملية انفصال واشنطن عن المنطقة، لأن الشراكة الأميركية الإسرائيلية المتينة تشكل الأساس لنجاح المحور الجديد الناشىء في المنطقة.