البندقية "روجر" قتلت فتى فلسطينياً آخر في الثالثة عشرة من عمره – ما الجديد؟
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

  • مقتل الفتى علي أبو عليا ابن الـ13 عاماً في يوم الجمعة بنيران الجيش الإسرائيلي استُقبل بلامبالاة مطلقة تقريباً في إسرائيل، وفي النشرات الإخبارية لم يتطرقوا إلى الخبر إطلاقاً. الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي برر القتل بأن القوات "ردت بوسائل تفريق التظاهرات"، لكنه شدّد على أنه "لم يجرِ إطلاق رصاص حي على مثيري الشغب"، وراء هذا الكلام الإشكالي تختبىء بندقية روجر Ruger - بندقية فتاكة باسم جميل  تستخدم طلقات بقُطر صغير نسبياً تسمح للجيش بقول الشيء وضده في الوقت عينه.
  • شهادة قدمتها مجندة سُرّحت من الجيش لمنظمة "لنكسر الصمت" في سنة 2014، توضح كيف تعمل هذه الخدعة: "عندما يقول الفلسطينيون أطلقوا علينا رصاصاً حياً، يقولون لا استخدمنا فقط وسائل تفريق التظاهرات، وروجر تُعتبر سلاحاً لتفريق التظاهرات."
  • خرج أبو عليا مع رفاقه وأفراد عائلته للتظاهر ضد نهب أراضي قرية المغير لمصلحة بؤرة استيطانية جديدة استولى عليها في هذه الأيام متطرفو التلال. في الجيش سارعوا إلى التوضيح أن إطلاق النار كان سببه "أعمال شغب" شملت رشق حجارة وإطارات مشتعلة. لكن حقيقة أن الجيش الإسرائيلي نفسه قرر الرد على ذلك بسلاح يُعرّف ظاهرياً بأنه "غير قاتل" يثبت أيضاً أنهم يعترفون بأنه لا يمكن الحكم بالموت على "مثيري شغب".
  • حتى صورة العينين الواسعتين والجسد الطفولي التي ظهرت خلال إخلاء أبو عليا لم تمنع الخبر عن الحدث من أن يغرق كالعادة بسرعة بين عناوين الأخبار الأولى. وبالحقيقة، ما الجديد؟ ما الذي تغير كي يتحول هذا إلى خبر يجب التوقف عنده؟
  • للأسف الشديد لم يتغير الكثير. في سنة 2001، في أيام الانتفاضة الثانية، قرر المدعي العام العسكري آنذاك اللواء مناحيم فينكلشتاين، ضرورة اعتبار بندقية روجر سلاحاً نارياً بكل معنى الكلمة، وأمر بالتوقف عن استخدامها. وفعلاً طوال 8 سنوات أُخرجت من ترسانة الوسائل التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي ضد المتظاهرين. لكن منذ بداية سنة 2009 رجعت، وعادت معها التقارير عن وقوع قتلى، بينهم أولاد من عمر علي، أكثر أو أقل.
  • بعد حادثة أُخرى وقعت في سنة 2015، أُجريت في استديو صحيفة "يديعوت أحرونوت" مقابلة مع يوسف يكوتوئيل، نائب مفوض عام للشرطة سابق، والذي أدخل بندقية روجر إلى الاستخدام قبل 39 عاماً لمحاربة الإرهاب، وحذّر يومها: "هذا ليس سلاحاً غير قاتل، إنه سلاح يقتل."
  • نائب المفوض العام للشرطة آنذاك اعترف في أحاديث داخلية بأن بندقية روجر لا يمكن تسميتها "سلاحاً غير قاتل"، وبأنها بندقية بكل معنى الكلمة. أيضاً وثيقة داخلية كتبها رئيس قسم الأمن في الجيش الإسرائيلي حددت أن روجر "لا يمكن استخدامها في أي حال من الأحوال كسلاح لا يقتل، ويجب التعامل معها كسلاح بنيران حية لكل أمر ومسألة."
  • إذن لماذا أنه على الرغم من تكرار كبار الضباط أنها بندقية فتاكة وممنوع اعتبارها كوسيلة لمحاربة أعمال الشغب - تُعطى لنا نحن الجنود الأوامر باستخدامها طوال سنوات؟ جواب حقيقي وصريح يفرض الاعتراف بأن روجر ليست المشكلة بل أحد العرَض. إنها عرَضُ مسموم واحد من بين كثيرين لمدى استرخاصنا لحياة الفلسطينيين؛ وللسهولة التي اعتدنا أن نسيطر فيها على حياة ملايين الناس؛ وللأثمان التي تكبدنا إياها هذه السيطرة اليومية؛ ولبلادة المشاعر، وتدهور الإجراءات والأوامر.
  • ما دمنا نتمتع بهدوء أمني، من السهل علينا أيضاً أن نقمع حاجات ورغبات "الطرف الثاني". الحق في الاحتجاج الذي نناضل من أجله في شوارعنا ممنوع عليهم على الدوام، لأن أي احتجاج فلسطيني في المناطق المحتلة يُعتبر غير قانوني - لا يهم أين ومتى يريدون التظاهر. من السهل علينا أيضاً أن نواصل تجاهُل أن الاحتلال يتسلل إلى داخلنا، وهو يستولي على القيم في داخل إسرائيل نفسها؛ قنابل مسيلة للدموع فتاكة استخدمتها الشرطة في تفريق تظاهرات مواطنين إسرائيليين – في البداية من العرب، ومؤخراً من أصول أثيوبية. من السهل علينا أن ننسى أن الاحتلال هو في الخلفية المرض الذي يجعلنا كلنا أكثر هشاشة.
  • في نهاية الأسبوع الماضي وفي أثناء إقامة خيمة عزاء جديدة في بلدة المغير، شارك مئات الإسرائيليين في شبكات التواصل الاجتماعي في شريط وثّق صورة جندي إسرائيلي يلعب كرة القدم مع أولاد فلسطينيين في الخليل. يمكن أن نفهم الرغبة في المشاركة بمشاعر إنسانية، والعثور على شيء من الحياة الطبيعية في واقع يولد لحظات صعبة. مثل هذه اللحظة كانت إطلاق النار على أبو عليا، وهي لحظة لا تقل أهمية عن جندي يلعب كرة القدم، لكن لم نسمع عنها في وسائل الإعلام الإسرائيلية. مقتل أبو عليا لا يخدم الدعاية. ولا يمكن أن نتشارك فيه ونقول "انظروا كل شيء طبيعي" لأنه لا يوجد شيء طبيعي في مقتل فتى في الثالثة عشرة من عمره، وهذا ما لا يجب أن ننساه.