خمسة أهداف تسعى إدارة ترامب لتحقيقها قبل خروجها من البيت الأبيض
تاريخ المقال
المصدر
- غروب إدارة دونالد ترامب والفوضى السياسية في الولايات المتحدة هما اللذان يديران الشرق الأوسط حالياً، ويبدو أن هذا سيستمر أيضاً بعد مغادرة ترامب البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير 2021. معظم اللاعبين الإقليميين الكبار، والولايات المتحدة ذاتها، يستغلون الوضع في واشنطن للدفع قدماً بمصالحهم الاستراتيجية، وتحسين مواقفهم إزاء إدارة جو بايدن، وأيضاً لتقليص مخاطر تبدُّل الحرس في البيت الأبيض.
- اللاعب الرئيسي الذي يعمل حالياً بصورة مكثفة هو إدارة ترامب. الرئيس المنتهية ولايته ووزير الخارجية مايك بومبيو يحاولان تحقيق خمسة أهداف أساسية حتى نهاية الولاية. الأول، استخدام كل الطرق الممكنة كي يكون من الصعب على بايدن وطاقمه رفع العقوبات عن إيران والعودة إلى الاتفاق النووي. لهذا فرضت إدارة ترامب في الأيام الأخيرة المزيد من العقوبات على شركات ومؤسسات وشخصيات إيرانية لها ضلع في نشاط إيران التآمري، وفي تطوير وإنتاج صواريخ باليستية لطهران.
- في إمكان بايدن إلغاء العقوبات المفروضة على إيران بسبب نشاطها النووي من خلال التوقيع على أوامر رئاسية، وإعلان العودة إلى الاتفاق النووي العائد إلى سنة 2015، والذي انسحب منه ترامب. لكن في كل ما يتعلق بنشاط إيران لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط وتحدّي الولايات المتحدة، يحتاج بايدن إلى موافقة مجلسيْ النواب والشيوخ. ليس أكيداً أنه سيكون لبايدن سيطرة أيضاً على مجلس الشيوخ الأميركي، الذي يسيطر عليه حالياً الجمهوريون. لذلك لا يستطيع بايدن إبطال العقوبات التي يفرضها ترامب الآن.
- الهدف الثاني للإدارة المنتهية ولايتها هو ردع الإيرانيين عن زيادة وتيرة تخصيب اليورانيوم وتطوير أجهزة الطرد المركزي الجديدة التي تخصّب اليورانيوم أسرع بثماني مرات من أجهزة الطرد القديمة. وتتخوف أوساط استخباراتية في الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا من أن إيران على وشك القيام بخطوة استفزازية تدفع بها قدماً بصورة واضحة نحو إنتاج سلاح نووي في الفترة المتبقية حتى تنصيب بايدن، من أجل وضع الرئيس الجديد أمام أمر واقع، والضغط عليه للاستجابة إلى مطالبها، ورفع العقوبات عنها.
- في الزيارة الأخيرة إلى القدس قال بومبيو لمحاوريه الإسرائيليين إن الولايات المتحدة مصرّة على منع حدوث مثل هذه الخطوة. هذا هو أيضاً سبب تسريب واشنطن إلى وسائل الإعلام العالمية أن ترامب فحص إمكان مهاجمة منشأة نووية في إيران في أعقاب تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية الذي نُشر قبل أسبوعين، وجاء فيه أن طهران تواصل خرق شروط الاتفاق النووي. مسرّبو الرواية قالوا للمراسلين إن مستشاري الرئيس كبحوه بصعوبة كبيرة ومنعوه من قصف منشأة تخصيب اليوارنيوم في نتانز.
- كانت هذه خطوة ردع تستهدف الوعي، وقد أحدثت وقعاً كبيراً في طهران. آيات الله والمرشد الأعلى علي خامنئي تعاملوا مع التهديد بجدية كبيرة، وأرسلوا كبار المسؤولين في الجيش والحرس الثوري، بهلع، إلى العراق للتحاور مع نظرائهم العراقيين وإقناعهم بمنع الولايات المتحدة من مهاجمة إيران من الأراضي العراقية. الافتراض الإيراني أن الأميركيين يستطيعون مهاجمة إيران فوراً، في الأساس من قواعدهم في العراق، وفي دول الخليج السنية الأُخرى. لا تملك إيران أي تأثير في دول الخليج المعادية لها، وعلى رأسها السعودية ، لكنها تستطيع التاثير في حكومة العراق الشيعية، وهذا ما حدث.
- الهدف الثالث لإدارة ترامب هو منع إيران من تحقيق إنجازات في العراق. تتطلع طهران إلى طرد الأميركيين من العراق لأن طهران تعتبر وجود قوات برية وجوية أميركية على الحدود مع إيران الخطر رقم واحد بالنسبة إلى نظام آيات الله.
- يمارس النظام الإيراني ضغطاً كبيراً على الحكومة العراقية، وفي المقابل يعمل ضد القوات الأميركية بواسطة الميليشيات الشيعية التي تمولها إيران وتحصل على توجيهات من فيلق القدس والحرس الثوري. هذه الميليشيات أطلقت مؤخراً صواريخ على القواعد الأميركية القليلة التي بقيت في العراق. في الأسبوع الماضي أعلن ترامب أنه ينوي تقليص عدد الجنود المنتشرين في العراق بـ500. وهذا يعطي الإيرانيين أملاً بأنهم قادرون على تحقيق هدفهم الاستراتيجي في الأسابيع المقبلة من خلال الضغط على الحكومة العراقية.
- الهدف الرابع لإدارة ترامب هو بلورة وتسليح محور مُعادٍ لإيران في منطقة الخليج الفارسي، الذي أصبحت إسرائيل حالياً جزءاً منه. الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى السعودية واجتماعه ببومبيو وبولي العهد السعودي محمد بن سلمان هما جزء من هذا الجهد.
- الهدف الخامس لإدارة ترامب مرتبط بالهدف الرابع، وهو منح إسرائيل تقديمات في اللحظة الأخيرة بصورة تخدم ترامب وطاقمه وسط جمهور الناخبين الإنجيليين في الولايات المتحدة، في حال قرر ترامب أو بومبيو خوض المعركة الرئاسية في سنة 2024.
- إعلان بومبيو في القدس أن الإدارة الأميركية قررت اعتبار حركة الـBDS منظمة مُعادية للسامية، كذلك أيضاً الاجتماع في السعودية، هدفهما خدمة هذا الهدف. لكن الهدف الذي لا يقل أهمية لهاتين الخطوتين هو تقديم مساعدة في اللحظة الأخيرة لنتنياهو في انتخابات ستجري في إسرائيل، على ما يبدو بعد بضعة أشهر.
- من الممكن الافتراض، بمعقولية كبيرة جداً، أن اللقاء في نيوم لم يؤد إلى تطبيع أو اتفاق بين السعودية وإسرائيل. ربما محمد بن سلمان معني بذلك، لكن الملك المُسن سلمان بن عبد العزيز يعارض ذلك. فهو مصرّ على ضرورة حل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني قبل أن تطبّع السعودية علاقتها رسمياً مع إسرائيل. هذا هو أيضاً سبب عدم إجراء اللقاء الثلاثي في العاصمة السعودية الرياض، بل في مدينة نيوم على البحر الأحمر. لقاء لا يمكن اعتباره خطوة رسمية للاعتراف بإسرائيل، لكن الزيارة "السرية" المسرَّبة تخدم جيداً، سواء صورة نتنياهو أو صورة بن سلمان.
- من الممكن الافتراض أن هذا اللقاء بحث أيضاً في الوسائل المحتملة التي ستتخذها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الشرق الأوسط إذا حاولت إيران استغلال الفوضى في الولايات المتحدة من أجل تخصيب اليورانيوم إلى درجات مرتفعة قريبة من تلك المطلوبة لسلاح نووي. الولايات المتحدة التي تتخوف من ذلك قامت بخطوة إضافية لردع إيران عندما أرسلت القاذفة B52 برحلة مباشرة حلقت فوق إسرائيل والأردن والسعودية إلى القاعدة الأميركية الكبيرة في قطر. هذه القاذفة هي واحدة من الطائرات القليلة القادرة على حمل قنابل ضد التحصينات تحت الأرض، تبلغ زنتها 16 طناً، وقادرة أيضاً على تدمير منشأة نووية مخبأة تحت الأرض في نتانز، وفي فوردو.
- هذا التلميح أيضاً التقطته طهران جيداً. من المعقول الافتراض أن نتنياهو وبن سلمان سمعا من بومبيو عن الوسائل التي ينوي ترامب بواسطتها جعل رفع العقوبات عن إيران صعباً على بايدن. حقيقة أن نتنياهو لم يصطحب معه إلى الاجتماع وزير الدفاع بني غانتس، ورئيس الأركان أفيف كوخافي، ورئيس الاستخبارات العسكرية تامير هايمن، واكتفى برئيس الموساد يوسي كوهين، يدل على أن المجتمعين بحثوا في موضوعات سياسية، وليس في خطة مشتركة للهجوم على إيران.
- لكن حقيقة عدم تشاوُر نتنياهو مع كبار وزراء حكومته، ومع الجهاز المسؤول عن شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، تثبت مرة أُخرى أن نتيناهو قرر اتخاذ القرارات وحده، وبالاستناد إلى اعتبارات تنحصر فيه فقط أيضاً في موضوعات حساسة تتعلق بالأمن القومي لإسرائيل. وهذا ليس طبيعياً، بل يمكن أن يكون خطِراً.