السعودية ومسألة التطبيع مع إسرائيل
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- في إطار الزّخْم للدفع قدماً باتفاقات سلام وتطبيع مع دول في الخليج وأفريقيا، لإسرائيل مصلحة في الدفع قدماً باتفاق مشابه مع المملكة السعودية بسبب أهميتها السياسية والاقتصادية والدينية. لكن للسعودية قيوداً متعددة، داخلية وخارجية، كما لديها أيضاً حساسيات تميزها. ثمن تطبيع العلاقات من المتوقع أن يكون أكبر مقارنة بباقي دول الخليج. يحلّل هذا المقال شبكة الاعتبارات السعودية - الفرص والتحديات المرافقة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل - وسيتوقف أمام تداعياتها واحتمالاتها.
- السعودية قطعت شوطاً بعيداً عن موقفها المعروف في الماضي كي تؤيد اتفاقات أبراهام. تظهر سياسة "التأييد من الخارج" هذه من خلال السماح لشركات الطيران الإسرائيلية بالتحليق في أجوائها، ومن خلال التغطية الإخبارية والتعليقات (الإيجابية بصورة نسبية) في وسائل الإعلام الكثيرة التي تملكها المملكة، وفي تصريحات كبار المسؤولين السابقين والحاليين.
- تطورت العلاقات بين إسرائيل والسعودية طوال سنوات في عدد من القنوات بالتوازي: قناة أمنية – استخباراتية لا تزال تشكل قاعدة صلبة، ولو ضيقة، لعلاقات بقيت بطبيعة الحال سرية؛ قناة اقتصادية – تجارية صامتة؛ وفي السنوات الأخيرة أيضاً قناة مركزها حوار بين الأديان. إلى جانب السرية التي تميز أغلبية العلاقات، تطورت مع الزمن علاقات علنية، وهي تشمل اليوم أيضاً اجتماعات بين مسؤولين كبار من الطرفين، في الأساس مع أشخاص تولوا في الماضي مناصب رسمية، ونقل رسائل علنية. وعلى الرغم من تكذيب مسؤولين كبار في السعودية، من المعقول أن المفاوضات والاتفاقات مع الإمارات والبحرين والسودان جرت بعلم وتأييد جزء على الأقل من القيادة السعودية. عموماً، الاتفاقات الموقّعة مع هذه الدول تخدم المملكة وتزودها بنوع من بارومتر يمكنها بواسطته أن توازِن بين الفوائد والمخاطر المحتملة، وفحص رد فعل الرأي العام على اتفاق محتمل مع إسرائيل.
تحديات التطبيع
- يبدو أن القيادة السعودية منقسمة حول مسألة التطبيع. بينما تسمع من مسؤولين سعوديين كبار، سابقين وحاليين، كلاماً براغماتياً فيما يتعلق بإسرائيل، يتمسك الملك سلمان على ما يبدو، بموقف تقليدي أكثر إزاء إسرائيل، وإزاء النزاع بينها وبين الفلسطينيين. في خطابه (أيلول/سبتمبر 2020) أمام الجمعية العامة في الأمم المتحدة، ربط سلمان مرة أُخرى بين التطبيع مع إسرائيل وبين احترام هذه الأخيرة سلسلة شروط تستند إلى أطر مبادرة السلام العربية. من المحتمل أن الاختلاف في الرسائل التي تُسمع من القيادة السعودية في هذه المسألة يعبّر أيضاً عن اهتمام بالمحافظة على هامش مناورة يسمح، بحسب الظروف والشروط، بالتراجع إلى الوراء، أو المضي قدماً نحو التطبيع. معقولية التطبيع مع إسرائيل سترتفع بعد موت سلمان، وبالتأكيد مع ابنه محمد بن سلمان، ولي العهد، إذا عُيّن ملكاً. من المعقول أيضاً أن مسألة التطبيع مع إسرائيل تتأثر أيضاً بإدراك بن سلمان إلى أي مدى يمكن أن يزعج مثل هذه الخطوة تعيينه، الذي يحتاج في كل الأحوال إلى الحصول على شرعية داخلية.
- بالإضافة إلى السياسة الداخلية، يُطرح السؤال إلى أي حد المجتمع السعودي المحافظ، في أغلبيته، منفتح لاستيعاب اتفاق مع إسرائيل. حتى الآن، وعلى الرغم من انتقادات معينة، استطاع المجتمع السعودي استيعاب عمليات تغيير اجتماعية واقتصادية مهمة في السنوات الأخيرة. لكن هذا لا يعني أن اتفاق سلام مع إسرائيل سيحظى بمثل هذا التأييد. وكمساعدة لخطوة تطبيع هناك من يبرز بعض التغييرات الهيكيلية الأخيرة التي جرت في المملكة، في الهيكلية وفي التعيينات في مجلس الشورى وهيئة كبار العلماء، والتي يمكن أن تمنح العائلة المالكة قاعدة مريحة وأكثر مرونة لاتخاذ خطوات بعيدة المدى من هذا النوع.
- لا تخفي العائلة المالكة رغبتها في تغيير الحديث الداخلي، بما فيه الديني. يلعب الدين دوراً مركزياً في الحوار في المملكة، ويُستخدم كأداة من جانب السلطات من أجل تهيئة القلوب وتعبئة التأييد الشعبي لسياساتها. ومن المتوقع أن يواصل بن سلمان الاستعانة بالمؤسسة الدينية الممولة من الدولة لصد المعارضات، ومحاولة جعل خطوات سياسية مقبولة، بينها التطبيع مع إسرائيل. هناك المزيد من الدلائل على تبنّي خطاب أكثر تسامحاً حيال اليهود واليهودية. والهدف منه على ما يبدو فحص ردة فعل الشارع، وأيضاً غرز رسائل التطبيع والتعايش في الحديث الداخلي. الردود السلبية على هذا الجهد تأتي في الأساس من منفيين سعوديين، أغلبيتهم من معارضي النظام، وليس من المواطنين الذين يتخوفون من التعبير علناً عن آرائهم المعارِضة للعائلة المالكة.
- تحدٍّ آخر له علاقة بالمحافظة على مكانة السعودية في العالم الإسلامي. هذه المسألة تشكل مصلحة عليا بالنسبة إليها، وهي يمكن أن تتضرر من الانتقادات الموجهة إليها من أطراف تسعى لاحتواء القضية الفلسطينية وإدانة السعودية بواسطتها، مثل تركيا وإيران. المملكة في سباق على النفوذ في العالم العربي في مواجهة الذين يريدون تحدي مكانتها، والاتفاق مع إسرائيل يمكن أن يضر بهذه المنافسة. وبالنظر إلى وزن المملكة في العالم الإسلامي، فإن اتفاقاً معها ينطوي على قيمة خاصة، سيسمح لإسرائيل بتحسين علاقاتها بالعالم الإسلامي كله.
ثمار التطبيع
- إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل سيساعد السعودية في تحقيق عدد من الأهداف الاستراتيجية. أولاً، في السنوات الأخيرة لوحظ شك النخبة السعودية في شأن استعداد الولايات المتحدة للوقوف إلى جانبها عندما تتضرر مصالحها الحيوية. للسعودية مصلحة واضحة في أن تتدخل واشنطن بصورة عميقة في الشرق الأوسط، وأن تدعم بقوة وحساسية المصالح السعودية، في الأساس في كل ما يتعلق بإيران، وتعتبر الرياض الاتفاق مع إسرائيل وسيلة لتعزيز هذه العلاقات مع الولايات المتحدة. من المحتمل أن يكون السعوديون محتفظين بنظرتهم إلى الموضوع إلى ما بعد الانتخابات في الولايات المتحدة، وحينها يكون لديهم ما يقدمونه إلى بايدن في حال فوزه. تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة هو مصلحة سعودية عليا، وله تأثير أيضاً في وضع بن سلمان داخلياً.
- ثانياً، الاتفاق مع إسرائيل يمكن، في نظرها، أن يحسّن صورتها ومكانتها الدولية التي تضررت في السنوات الأخيرة بسبب عدة خطوات قامت بها. كما سيحسّن الاتفاق مع إسرائيل صورتها، في الأساس في الكونغرس، وهو ينسجم مع المحاولة السعودية لتسويق "إسلام معتدل" كجزء من عملية تحديث مستمرة. وثمة فوائد إضافية محتملة للسعودية من الاتفاق مع إسرائيل، جزء منها معطى لها من دون الحاجة إلى إظهار العلنية في العلاقات. لكن العلنية في العلاقات ستسهل عليها مثلاً الوصول بسهولة أكبر إلى التكنولوجيا الإسرائيلية، وربما تعزيز مكانتها في الأماكن المقدسة الإسلامية في إسرائيل. تجدر الإشارة إلى أن تصاعُد التخوف السعودي من إيران يمكن أن يكون عاملاً محفزاً للتقرب من إسرائيل، وليس تحديداً لتوقيع اتفاق رسمي معها، كما يمكن أن يكون أيضاً عامل تباعُد.
دلالات بالنسبة إلى إسرائيل
- بالنسبة إلى المملكة مسألة العلاقات مع إسرائيل تبقى مرتبطة بمسألتيْ استقرارها ومكانتها، والتقدير أن الاتفاق مع إسرائيل في الوقت الحالي هو خطوة مستبعَدة. لكن هذا لا يعني ألّا نقوم بالتحضيرات استعداداً له، وخصوصاً في كل ما له علاقة بتحضير الرأي العام السعودي والعربي، الذي تعارض أغلبيته التطبيع مع إسرائيل. ما دامت العائلة المالكة تشعر بأن في مقدورها مراقبة الحديث العام والسيطرة عليه، فإنها ستشعر بثقة أكبر للقيام بخطوات تقارُب من إسرائيل.
- اتفاقات أبراهام حددت سقفاً منخفضاً في مجموعة موضوعات، ومن المعقول أن مطالب السعودية ستكون أعلى من مطالب الإمارات. أولاً إذا كبح الاتفاق مع الإمارات نية الضم الإسرائيلية في الضفة الغربية فإن مطالب السعودية يمكن أن تشمل سقفاً أعلى من مطالب سياسية من إسرائيل في القضية الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، تطالب الإمارات بالوصول إلى وسائل قتال أميركية متقدمة، بينها أيضاً طائرات أف-35، ومن المحتمل أن تكون مطالب السعودية في هذا الإطار أعلى بكثير من مطالب الإمارات - ربما أيضاً في المجال النووي. موقف دول الخليج من إسرائيل لم يكن ثابتاً، بل مر بعدة تغيرات مع مرور الزمن، مع تآكل شروط مبادرة السلام العربية. بناءً على ذلك، من المحتمل أن يكون تمسُّك السعودية بشروط المبادرة العربية كأساس للمفاوضات يخدمها، ليس فقط من أجل المحافظة على استقرارها ومكانتها، بل أيضاً كورقة مقايضة للمفاوضات مع الولايات المتحدة إزاء شروط التطبيع.
- في الخلاصة تقوم السعودية بخطوات مدروسة استعداداً لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، هي نوع من "تطبيع زاحف". عند الموازنة بين القيود والفوائد من الصعب أن نحدد متى ستكون ظروف المملكة ملائمة للانضمام إلى اتفاقات أبراهام. الدرس من اتفاقات أبراهام هو أنه لا يمكن استبعاد أي احتمال. في الطريق إلى الاتفاق ستحاول المملكة فحص إطارين أساسيين: استمرار وتوسع اتفاقات أبراهام وتحسُّن العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين. استعداد إسرائيلي لاتخاذ خطوات تؤيد عملية السلام سيساعد هذين الإطارين، كما سيعزز احتمال أن تطبّع السعودية في النهاية علاقتها مع إسرائيل. عوامل إضافية يمكن أن تساعد، هي موافقة أميركية على بيع سلاح متقدم، بصورة خاصة إلى السعوديين، وتغييرات داخلية في المملكة، لها علاقة بتحسين مكانة إسرائيل لدى الرأي العام، وهوية الملك السعودي.