حزب الله الأكثر خطراً لكن غزة مُلحة أكثر: سلم الأولويات الجديد للجيش الإسرائيلي
تاريخ المقال
المصدر
الجزء الثاني
- في ضوء صورة الوضع الإقليمي الراهن وتراجُع حدة الاحتكاك في عدة قطاعات، غيّر الجيش الإسرائيلي ترتيب الإلحاح في أولوياته فيما يتعلق بمعالجة التهديدات. وبينما بقي حزب الله العدو الأكثر خطراً، أيضاً على الجبهتين الداخلية والشمالية، فإن التسوية في غزة، أو بدلاً منها الاستعداد لمعركة كبيرة هناك، تعتبرهما المؤسسة الأمنية اليوم الموضوعين اللذين يجب معالجتهما بصورة مُلحة أكثر بكثير.
- لماذا صعدت غزة فجأة إلى رأس سلّم الأولويات؟ يجيب مسؤول كبير في الجيش: "لأن غزة غير مستقرة وأكثر قابلية للانفجار." ويضيف بصراحة: "إذا لم نتوصل إلى تسوية مستقرة مع "حماس" تشمل تحويل مال قطري طوال نحو عام، وعملاً لعمال من غزة في إسرائيل، وتحلية مياه، وإقامة منطقة صناعية، وحل مشكلة الأسيرين والمفقودين، يمكن أن نواجه خلال وقت قصير تصعيداً يضطرنا إلى الدخول بقوات كبيرة إلى غزة."
- التسوية التي يحاول حالياً المصريون التوسط فيها بين إسرائيل و"حماس" (والجهاد الإسلامي) لا تتضمن مرفأً ومطاراً، بل تبحث فقط في أمور تخفف فوراً الضائقة الاقتصادية والاجتماعية لسكان غزة. في المقابل جرت مؤخراً في قيادة الأركان العامة مراجعة الخطط العملانية لمعركة في غزة يمكن أن تؤدي إلى تغيير الوضع. إسرائيل و"حماس" لا ترغبان في معركة كهذه، لكن مثلما كان الوضع باستمرار منذ سنوات - قد يجد الطرفان نفسيهما عميقاً في داخلها نتيجة مبادرة من "حماس" (مثلاً تظاهرة على السياج) تخرج عن السيطرة، أو خطأ عملاني من الجيش الإسرائيلي. لذا توجد غزة في أعلى سلّم الاهتمام في هيئة الأركان العامة.
- الرقم 2 في سلّم الأولويات العملانية كان وسيبقى الجهد الذي تبذله إيران لإقامة قاعدة جبهوية إضافية ضد إسرائيل في سورية والعراق واليمن. يرسل الإيرانيون إلى سورية صواريخ أرض - أرض دقيقة أو قطعاً لمثل هذه الصواريخ لتركيبها في سورية؛ ويحاولون أيضاً أن ينقلوا إلى هناك سلاحاً يقيّد حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي في سماء سورية ولبنان. تواصل إسرائيل إحباط هذه المحاولات بواسطة استخبارات وعمليات ضمن إطار المعركة بين الحروب.
- في المكان الثالث في ترتيب ما هو مُلح للمعالجة هو الإعداد لإحباط إمكان أن تقوم إيران فجأة "باختراق" نحو سلاح نووي، وأيضاً مواجهة التعاظم السريع لإيران بالصواريخ، وبمنظومات الدفاع الجوي، وفي السايبر.
- في المكان الرابع يوجد قطاع الضفة الغربية، الذي يغلي بسبب سياسة أبو مازن الاستفزازية والعديمة الجدوى، وهو قد تخطى الثمانين من العمر، والجيل الشاب من الفلسطينيين فقد الثقة به، وإلى حد كبير أيضاً في وَرَثته المحتملين وهم في ذروة صراعهم على الوراثة. وقْف التنسيق الأمني لم يلحق ضرراً بصورة واضحة بقدرة الشاباك والجيش الإسرائيلي على إحباط الإرهاب، لكنه حوّل الضفة الغربية إلى مكان قابل للانفجار، مثل غزة تقريباً. الجيش يتحضر لمواجهة إرهاب وأعمال شغب مختلفة الشدة.
- المفاجأة كانت بحلول حزب الله اليوم في المركز الخامس في ترتيب ما هو مُلح للمعالجة لدى الجيش الإسرائيلي. يوضح الضابط الكبير أن السبب هو أن الاستعدادات لكل أنواع مواجهة حزب الله استُكملت إلى حد بعيد - من حرب إلى تصعيد يؤدي إلى عدة أيام من القتال. في الأسابيع الأخيرة جرت مراجعة الخطط لحرب في لبنان. بحسب المسؤول الكبير، "ما تكبده لبنان خلال 33 يوماً من القتال في سنة 2006 (حرب لبنان الثانية) سيتكبده في يوم واحد."
- الجيش في حالة جهوزية وتأهُّب على الحدود الشمالية منذ أشهر بسبب نية نصر الله الانتقام لمقتل سائق شاحنة لبناني بقصف منسوب إلى إسرائيل في مطار دمشق. فعلياً يحاول نصر الله المحافظة على معادلة الردع مع إسرائيل التي وُضعت في لبنان أيضاً في سورية. الجيش الإسرائيلي لن يسمح له بتنفيذ مراده، وحالة التأهب في فترة الكورونا أقل وطأة على الجيش منها في الأيام العادية، لأن الخروج ممنوع تلقائياً، وقليلة هي التحركات بأحجام كبيرة على الأرض.
يصلّون من أجل الخلاص من واشنطن
- الحاجة إلى التعامل مع مواجهة في غزة أو في الشمال، التي يمكن أن تقفز من صفر إلى مئة خلال يوم، تضع الجهوزية والقدرة على الحرب في رأس سلّم أولويات الجيش الإسرائيلي. تفشي وباء الكورونا وزيادة الإصابات في الجيش يمكن أن يلحقا ضرراً بالجهوزية للحرب، وأيضاً بضرورة القيام بنشاطات عملانية وتدريبات بمشاركة مجموعات كبيرة من مقاتلين ومساعدين، وأحياناً بالقرب من مناطق مغلقة. هذه معضلة حادة، وخصوصاً في تدريبات يشارك فيها الاحتياطيون الأكبر سناً والأكثر عرضة للعدوى في حياتهم المدنية.
- بالإضافة إلى ذلك، أدى التقاطع بين أزمة الكورونا والأزمة السياسية، اللتين تسببتا بعدم إقرار ميزانية سنوية منتظمة للدولة، إلى ضائقة مالية في الجيش تجبر رئيس الأركان كوخافي والقيادة العليا في الجيش على الاختيار بين جهوزية عالية للحرب وبين القيام بإصلاحات بعيدة الأمد في أساليب استخدام القوة، ووسائل القتال، وفي التفكير العسكري ضمن إطار خطة "تنوفا" المتعددة السنوات. الاختيار ليس سهلاً، لأن كوخافي يؤمن بأن هذه الإصلاحات هي التي ستتيح للجيش أن ينتصر في الحرب المقبلة، وستقصّر مدة القتال. التدريبات تكلف مالاً كثيراً وهي حيوية للمحافظة على كفاءة الوحدات المتعددة.
- السياسة الحالية تتطلب أن يكون للمحافظة على جهوزية قصوى وفورية للحرب أفضلية مطلقة في المرحلة الحالية، لأن أي تصعيد يمكن أن يتطور خلال ساعات إلى حرب، كما جرى في حرب لبنان الثانية.
- قبل ثلاثة أسابيع رأيت تطبيق سلّم الأولويات هذا لدى مشاهدتي تدريباً بالنيران الحية لكتيبة استطلاع تابعة للواء غولاني ضم دبابات، وقوة من الهندسة، ومساعدة مدفعية؛ بلغة الجيش قوة مشتركة كهذه يطلق عليها اسم طاقم كتيبة قتالية. التدريب حاكى هجوماً في منطقة جبلية يختبىء فيها فوق الأرض وتحتها عناصر من حزب الله مسلحين بصواريخ مضادة للدبابات، وقذائف هاون.
- بالإضافة إلى التدريب استُخدم التمرين "كاختبار لعتبة" كفاءة طاقم كتيبة قتالي وقادته في تنفيذ مهمات تنتظرهم في القتال في لبنان. قائد المنطقة الشمالية يفرض على كل الوحدات التي تتدرب، وستخدم لاحقاً في الجبهة الشمالية، اجتياز هذا الاختبار. لدى قائد الكتيبة، وهو درزي، وسائل لجمع معلومات استخباراتية متقدمة تشمل مسيّرات وطائرات من دون طيار، وكومبيوترات نقالة، وألواحاً كرتونية يستخدمها قائد الطاقم وقادة القوات الفرعية للحصول على معلومات عن خريطة متعددة الطبقات، وللتواصل مع بعضهم البعض ومعرفة مكان العدو وإلى أين توجّه النار، كي لا تصاب القوة المهاجمة الموجودة على مداخل الموقع - الكومبيوترات تساعد على تحديد المواقع التي يجب أن تدمرها الدبابات بمدافعها.
- بخلاف التدريبات التي قامت بها هيئة الأركان العامة في الماضي، في التدريب هذه السنة ليس فقط القيادة العليا تتدرب على مواجهة المشكلات واتخاذ القرارات. هذه المرة ستتحرك وحدات قتالية على الأرض، وستقوم الطائرات بهجمات، وسيعمل سلاح البحر في مجال اختصاصه.
- في إطار الإعداد للحرب، حدّثت القيادة العليا للجيش مؤخراً خطط الحرب في غزة وفي لبنان، وأمر رئيس الأركان بالاستعداد أيضاً إلى وضع تكون فيه إيران قريبة جداً من سلاح نووي عملاني. لكن بحسب نائب رئيس الأركان اللواء أيال زمير، ورئيس شعبة العمليات، الوضع بعيد عن أن يكون مرضياً. بسبب الضائقة المالية، لا يوجد حالياً الكثير من الوسائل والمنصات القتالية الحيوية، ولا يمكن زيادة تدريبات جهاز الاحتياطيين. في ضوء هذا كله، في وزارة الدفاع وفي هيئة الأركان العامة يصلّون من أجل مجيء الخلاص من واشنطن - بغض النظر عمّن سيكون في البيت الأبيض.