ترامب يتقدم على بوتين في الشرق الأوسط
تاريخ المقال
المصدر
الجزء الأول
- صورة التحديات الأمنية لإسرائيل تغيرت ليس قليلاً في نصف السنة الأخيرة. من بين التطورات الإيجابية البارزة يمكن أن نعدد: استعداد الدول السنية المعتدلة لإقامة علاقات علنية، على الرغم من الفيتو الفلسطيني التقليدي؛ التباطؤ الواضح في الجهود التي توظفها إيران في التمركز في سورية؛ الردع الذي يحافظ عليه الجيش الإسرائيلي (وربما عزّزه قليلاً) في الساحة اللبنانية. هذا على الرغم من تصريحات نصر الله المتغطرسة وجهوده التي فشلت مرتين في إقامة معادلة ردع بين حزبه وبين إسرائيل في الساحة السورية أيضاً.
- في الجانب الإيجابي أيضاً، زاد الجيش الإسرائيلي بنحو 25% عدد عمليات المعركة بين الحروب (لتحييد تعاظُم قوة الخصم وإحباط النوايا الهجومية) مقارنة بالسنة الماضية؛ وما لا يقل أهمية أن الجيش فعل ذلك من دون التسبب بحرب، وحتى لم يتسبب بتصعيد خطِر. فعالية العمليات ضمن إطار معركة بين الحروب في كل القطاعات (بما في ذلك غزة) زادت قليلاً.
- من بين التطورات السلبية كان الأكثر خطورة تقدُّم إيران في مشروع السلاح النووي. تجميع كميات كبيرة من اليورانيوم المخصّب (على درجة منخفضة) وتطوير نماذج جديدة سريعة وأكثر فعالية من أجهزة الطرد المركزي وتخصيب اليورانيوم، كل ذلك يقصّر عدة أشهر المدة الزمنية التي يحتاج إليها آيات الله لإحداث اختراق إلى السلاح النووي نفسه، والاتجاه مستمر. سيجبرنا هذا مع حلفائنا، أو من دونهم، على العمل على إحباط التهديد في وقت أسرع مما توقعنا.
- تطوُّر سلبي سُجّل أيضاً في الساحة الفلسطينية، التي تصبح أكثر قابلية للانفجار يوماً بعد يوم، في الأساس في غزة، لكن الضفة أيضاً تغلي.
- تطور سلبي يثير قلقاً هو سعي أردوغان الحثيث والعنيف أحياناً لمنح بلده وضع قوة إقليمية عظمى – مهيمنة. السلطان أردوغان، كما يسميه محبّوه وكارهوه على حد سواء، يعمل انطلاقاً من مزيج قوي التأثير، من دوافع اقتصادية، ودينية وتطلُّع نيو - عثماني إلى كرامة وعظمة وطنية. لذلك فإن استعراضات القوة التي يقوم بها في سورية وفي البحر المتوسط تنطوي على احتمال تفجير، وقد تقود إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل.
- تطوُّر سلبي يجب إعطاؤه اهتماماً خاصاً هو التآكل الذي طرأ على صورة المناعة الوطنية التي تُظهرها إسرائيل... هذا التآكل لم يضر بعد بالردع، العسكري والاستراتيجي. لكن التصدعات الاجتماعية الداخلية؛ الأداء السيئ المتردد والفوضى اللذان يظهران في إدارة الحكومة لأزمة الكورونا؛ تفضيل الاعتبارات السياسية في اتخاذ القرارات على اعتبارات مصلحة الدولة والمواطنين؛ التعبير عن عدم الثقة بالحكومة ونتنياهو - خلقت لإسرائيل صورة دولة فاشلة تقريباً.
- ما هو أكثر خطِورة هو أن هذه الظواهر قد تعيد إحياء الأمل وسط متخّذي القرارات في إيران ومَن يدور في فلكهم، ووسط الفلسطينيين، بأن المجتمع الإسرائيلي سيبدأ بعد وقت قليل بالتفكك داخلياً، وبالتالي فإن ضغطاً خارجياً، بواسطة صواريخ، وهجمات إرهابية، وربما بواسطة تهديد نووي على الجبهة الداخلية، سيقوض نهائياً الكيان اليهودي المستقل، وسيمحوه من خريطة الشرق الأوسط.
ترامب حوّل المنطقة إلى مكان أكثر أمناً
خمسة عوامل تغيير مهمة أثّرت في صورة الوضع الإقليمي:
- الكورونا.
- العقوبات الأميركية على إيران.
- اغتيال الأميركيين لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني: أدى الاغتيال إلى انخفاض دراماتيكي في حجم وفعالية الأنشطة التآمرية العنيفة التي تديرها إيران بواسطة وكلائها لزعزعة الاستقرار، وفرض إرادتها على سورية ولبنان والعراق واليمن والبحرين، ولترسيخ جبهة إضافية ضدنا.
- اتجاه الانخفاض المستمر في أسعار النفط في السوق العالمية، تضاؤل المداخيل من النفط والغاز أحدث تغيراً في التصورات الاقتصادية والاستراتيجية لدى كبار منتجي الطاقة، وساهم بصورة غير مباشرة أيضاً في استعدادهم لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
- الانتخابات المنتظَرة للرئاسة الأميركية في بداية الشهر المقبل. في هذا السياق من المهم الإشارة إلى أن الرئيس ترامب والولايات المتحدة أثّرا في سلوك الشرق الأوسط أكثر من أي شخصية أو عنصر قوة آخر. مَن نعى تراجُع تأثير الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في أيام ترامب، من المفيد أن يعيد تقييمه من جديد. بوتين المتّزن والعنيف، الذي أنشأ لنفسه صورة استراتيجي ناجح، أثّر فقط في سورية عندما أنقذ نظام الأسد؛ في مقابله ترامب، الشخص غير المتوقع، لعب في كل الملاعب وسجّل عدداً من الإنجازات لمصلحته.
- ساهم ترامب في إحداث انعطافة في علاقة الدول العربية المعتدلة بإسرائيل (ليس بسبب مؤهلات صهره جاريد كوشنير الدبلوماسية - بل أكثر بسبب الخوف الذي سيطر على زعماء الخليج عندما لاحظوا نية الولايات المتحدة المستمرة تقليص تدخُّلها العسكري إلى الحد الأدنى في المنطقة والتركيز على المواجهة الاستراتيجية الكبيرة مع الصين في شرق آسيا. على أية حال، النتيجة بين ترامب وبوتين في الشرق الأوسط 1:3.
السؤال الكبير: الرئيس المقبل وإيران
- السؤال الكبير الذي يثير المخاوف في إسرائيل هو كيف سيتصرف الرئيس المقبل إزاء إيران. المرشحان للرئاسة يكرهان بصورة متساوية فكرة توريط بلدهما في حرب. السؤال هو إلى أي حد سيكونان مستعدَّيْن للتنازل لدى البدء بمفاوضات من جديد مع طهران، وإلى أي حد سيكونان صارمَيْن على طاولة النقاشات؟
- بالإضافة إلى عدم اليقين وعدم الاستقرار الجوهريَّيْن اللذين أدخلهما الوباء إلى حياتنا، تنتظرنا فترة غير قصيرة من غموض استراتيجي - أمني سميك إلى أن تتوضح الصورة من جديد. ربما قبيل حزيران/يونيو 2021.