المواجهة بين أذربيجان وأرمينيا تفرض علينا انتهاج دبلوماسية حذرة
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف

 

  • مؤخراً تدور معارك بين جيش أذربيجان وقوات أرمنية انفصالية في منطقة نوغورني قره باخ المتنازَع عليها. تقع المنطقة فعلاً في أذربيجان وتشكل جيباً، لكنها فعلياً قائمة بصورة مستقلة ويسيطر عليها انفصاليون من الأرمن. نشبت المعارك بعد ادعاء كل طرف تعرُّضه لقصف مدفعي من الجهة الثانية. ليست هذه أول مرة تتقاتل فيها الدولتان على هذه الأرض. بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وقعت حرب بين الدولتين من 1991 وحتى 1994. منذ تلك الفترة هذه المنطقة واقعة فعلياً تحت سيطرة أرمينيا. بعد سنوات من ذلك اندلعت معارك أُخرى بين الدولتين.
  • بالإضافة إلى الصراع على الأرض، المواجهة بين أذربيجان وأرمينيا لها أبعاد دينية- تعود إلى بداية القرن الثامن عشر. تاريخياً مثلت أرمينيا المسيحية الأرثوذكسية بينما مثلت أذربيجان الإسلام. وكان من الطبيعي أن تتقاتل الدولتان العظميان التاريخيتان، الإمبراطورية الروسية- التي مثلت المسيحية الأرثوذكسية الشرقية- والسلطنة العثمانية، التي مثلت الإسلام العالمي- على النفوذ في هذه المناطق، وأن يدافع كل منهما عن حلفائه (روسيا دافعت عن أرمينيا، وتركيا عن أذربيجان). يظهر هذا البعد الديني في هذه الأيام أيضاً، عندما سارع الرئيس التركي أردوغان، الذي يحاول أن يجعل من دولته ومن شعبه زعيمي العالم الإسلامي، إلى إعلان أنه سيساعد أذربيجان. وفعلاً نقلت تركيا مئات المرتزقة السوريين من ساحة القتال في إدلب السورية إلى منطقة المعارك بهدف مساعدة القوات الأذرية.
  • في المقابل، اكتفت روسيا حتى الآن بتصريحات دبلوماسية حيادية، لكن السنوات الأخيرة دلت على أنها تعرف كيف تستغل جيداً الأزمات في دول الاتحاد السوفياتي سابقاً من أجل تعميق نفوذها في هذه الدول، على سبيل المثال السيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم في سنة 2014، والتدخل الروسي في الحرب الأهلية في أوكرانيا. وما دامت المواجهة العسكرية المباشرة بين أذربيجان وأرمينيا مستمرة، ستزداد فرص  وقوع مواجهة بين القوى العظمى.
  • بالنسبة إلى إسرائيل، المواجهة بين أذربيجان وأرمينيا تتطلب حذراً دبلوماسياً شديداً، وسياسة مسؤولة حذرة جداً. وهذه مهمة معقدة جداً، والدليل على ذلك عندما أعلن وزير خارجية أرمينيا استدعاء سفير بلاده في إسرائيل (سفارة أرمينيا في إسرائيل فُتحت قبل أسابيع معدودة) للتشاور، احتجاجاً على صفقات السلاح الإسرائيلي لأذربيجان. من ناحية أُخرى لإسرائيل علاقات دبلوماسية مع أرمينيا، وهناك تضامن بين الدولتين في موضوعات عديدة، بينها الإبادة التي تعرّض لها الشعب الأرمني على يد الأتراك (التي تُذكر إلى جانب المحرقة)، وحقيقة أن الدولتين محاطتان بدول إسلامية معادية. علاوة على ذلك، تقربت إسرائيل من أرمينيا في السنوات الأخيرة على خلفية التدهور في العلاقات بينها وبين تركيا نتيجة سياسة أردوغان المعادية لإسرائيل. في السنوات الأخيرة تتردد إسرائيل في الاعتراف بالمجزرة الأرمنية رداً على سياسة أردوغان- خطوة بالتأكيد ستؤدي إلى المزيد من تدهور العلاقات مع تركيا.
  • من ناحية ثانية؛ يوجد بين إسرائيل وأذربيجان علاقات مهمة في نظر إسرائيل.ولإسرائيل مصلحة أمنية في المحافظة على العلاقات مع الأذريين، قبل كل شيء، لأن أذربيجان جارة لإيران، وهذا واقع يعزز الردع في مواجهة طهران؛ ثانياً، بسبب بيع السلاح من إسرائيل إلى الأذريين؛ ثالثاً، لأن أذربيجان تشكل مصدراً مهماً للطاقة تشتري منه إسرائيل النفط. الهدف الإسرائيلي يجب أن يكون المناورة بين الاعتبارات المتناقضة وإرضاء الطرفين. على سبيل المثال، تستطيع إسرائيل العمل من وراء الكواليس إزاء الدولتين وأن تحاول التوصل إلى تفاهمات بشأن تأجيل تزويد أذربيجان بالسلاح خلال فترة القتال. مثل هذا الوضع سيحظى بالتأكيد برضا أرمينيا وأذربيجان. حسناً تفعل القدس إذا حافظت على حيادها، وألّا يغريها الرد بصورة أحادية على أحد الطرفين في المواجهة الحالية.