معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- التصعيد الحالي في ساحة غزة بدأ بعد فترة هدوء نسبي ركزت خلالها "حماس" جهودها على مواجهة وباء الكورونا. إشارة البداية أُعطيت في 6 آب/أغسطس مع التقارير التي تحدثت عن نشوب حرائق في مختلف أنحاء غلاف غزة. وعُثر في المكان على بقايا بالونات حارقة. في تلك الليلة رد الجيش الإسرائيلي بمهاجمة بنية تحتية تابعة لـ"حماس" في شمال القطاع، بتشجيع من "حماس"، بينما تعاملت وسائل الإعلام الإسرائيلية مع البالونات الحارقة كعامل للخوف، ونشرت أضرار الحرائق، وهو ما زاد الحافز لدى مطلقي البالونات. رد الجيش بهجمات جوية وإطلاق قذائف مدفعية على مواقع ومنشآت تابعة لـ"حماس"، ناطقون بلسان الحركة قدموا البالونات الحارقة كـ"أداة للمقاومة الشعبية غير العنيفة"، ورأوا أن الهجمات الإسرائيلية ليست متوازنة، وهي دليل على العدوانية الإسرائيلية. لذلك تسمح "حماس"، من وقت إلى آخر، للفصائل التي تشغلها بإطلاق صواريخ على مستوطنات غلاف غزة.
أسباب التصعيد
- التركيز على وقف تفشي وباء الكورونا في العالم، وفي إسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية، وحتى في قطاع غزة - الذي أغلقته "حماس" تماماً تقريباً، ومنعت دخول الناس إليه - أوقف تقدم تنفيذ مشاريع، الغرض منها تحسين شروط حياة سكان القطاع. قدّرت "حماس" أنها نجحت في وقت تفشي الوباء في القطاع، لكن في ظل عدم حدوث تحسُّن جوهري في الوضع المدني للبنى التحتية، وصلت إلى خلاصة أنه من دون الضغط على إسرائيل وعلى الأطراف الدولية ذات الصلة، لا يمكن الدفع قدماً بالمشاريع البعيدة الأجل التي جرى الاتفاق عليها، وبينها إقامة منشأة لتحلية مياه البحر ومناطق صناعية. تشعر قيادة "حماس" بالقلق جرّاء التدهور الاقتصادي في القطاع، والذي تسارع في أعقاب وباء الكورونا والبطالة المتصاعدة، وفي تقديرها أن التلكؤ المستمر من جانب إسرائيل في تحقيق التزاماتها مقصود، ويهدف إلى التسبب بنشوب احتجاج داخل القطاع ضد سلطتها. تسعى "حماس" لإشغال الجيش الإسرائيلي بواسطة احتكاكات محدودة ومتواصلة على طول حدود القطاع للتخفيف من الاحتقان، في الأساس وسط الشباب العاطلين من العمل الذين يعبّرون عن غضبهم وإحباطهم إزاء إسرائيل.
- في المقابل، تقدّر قيادة "حماس" أن موقفها ازداد قوة حالياً على الساحة الداخلية في أعقاب التطورات التي سُجلت في الأشهر الأخيرة على الساحة الإسرائيلية – الفلسطينية - خطة الرئيس ترامب (التي ما زالت مطروحة)؛ نية الضم الإسرائيلي لمناطق في الضفة الغربية (التي جرى تأجيلها فقط ولا تزال ذات صلة، بحسب رئيس الحكومة نتنياهو)؛ اتفاق تطبيع العلاقات بين اتحاد الإمارات وإسرائيل. الهدف الإستراتيجي الذي يوجّه "حماس" هو إثبات فشل الطريقة السياسية لرئيس السلطة محمود عباس، وأن المقاومة المنظمة التي تقودها الحركة هي التي ستحقق إنجازات للشعب الفلسطيني، والتصعيد في ساحة غزة هو الطريق لتحقيق ذلك.
- لكن كلما مر وقت من دون أن تحقق وجهة نظر "حماس" أي إنجاز، تخسر الحركة أهميتها ويتزعزع استقرار حكمها ومكانتها. الإنجاز الذي حُرمت تحقيقه كان مبادرة زعيم "حماس" في القطاع يحيى السنوار، الدفع قدماً بصفقة لإطلاق الأسرى الفلسطينيين (في الأساس الكبار في السن) لقاء معلومات عن الأسرى الإسرائيليين والجنديين الذين تحتفظ بهم الحركة، كمرحلة تسبق صفقة واسعة. المبادرة فشلت بسبب فجوات غير قابلة للتجسير بين الطرفين، وبسبب الأزمة السياسية في إسرائيل، والتي تجعل من الصعب اتخاذ قرارات في الموضوع.
- ثمة مشكلة أُخرى تُقلق "حماس" هي مدة الالتزامات القطرية بتحويل الأموال إلى القطاع. كما في الماضي، ثبت أن التصعيد المضبوط في مواجهة إسرائيل هو أداة ابتزاز ناجعة ضد إسرائيل من أجل إقناع قطر بتمديد فترة التزاماتها. وفي الواقع، أعلنت قطر في 16 آب/أغسطس تمديد فترة المساعدة حتى نهاية هذه السنة، وربما أكثر من ذلك. وعلى الرغم من تجديد الالتزامات القطرية، فإن "حماس" لا تكتفي برزمة المساعدة الحالية، وهي تطالب بتمديدها وزيادتها، بحيث يمكن أن تساعد في تسريع تطوير مشاريع البنى التحتية في القطاع، وبالتالي ترسيخ سلطتها، بالإضافة إلى تقديم المساعدة إلى سكان غزة.
- السلوك الاستراتيجي والعدائي للسنوار، والذي يبرز من خلال استعداده للسير حتى النهاية، يمكن تفسيره أيضاً بأنه يعود إلى الانتخابات الداخلية في صفوف "حماس" المنتظر إجراؤها قبيل نهاية السنة، وذلك لتحصين موقعه كرئيس للحركة في القطاع.
الوسيط الدائم
- في أواسط آب/أغسطس زار وفد الوساطة المصرية رام الله، والقدس، وقطاع غزة. وكشفت مصادر مصرية وفلسطينية أنه في مقابل الهدوء، عرضت "حماس" المطالب التالية: 1- فتح معبر كرم سالم 24 ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع، وزيادة عدد الشاحنات والبضائع ذات الاستخدام المزدوج التي تدخل إلى القطاع؛ 2- زيادة عدد الأذونات التي تسمح بدخول تجار من القطاع إلى إسرائيل؛ 3- توسيع الموافقة على استيراد بضائع إلى القطاع والتصدير منه؛ 4- توسيع منطقة الصيد إلى 20 ميلاً بحرياً؛ 5- الدفع قدماً بمشاريع بنى تحتية للمياه، ومد خط كهرباء 161 من إسرائيل إلى القطاع، والذي من المفترض أن يزيد 30% في كمية تزود القطاع بالكهرباء؛ 6- الدفع قدماً بمشاريع عمل للأكاديميين والعمال في القطاع؛ 7- زيادة المساعدة القطرية ومضاعفة عدد الذي يحق لهم الحصول على دعم. مع ذلك، تؤكد مصادر مقربة من الحركة أن "حماس" مستعدة للتساهل في جزء من مطالبها التي من الواضح أن الحصول عليها غير واقعي. من جهتها نقلت إسرائيل رسالة تحذير إلى "حماس" أن من الممكن أن تُستأنف الاغتيالات ضد كبار مسؤولي الحركة الذين تعتبرهم مسؤولين عن تأجيج التوترات.
- في 19آب/أغسطس التقى وزير الدفاع بني غانتس في تل أبيب رؤساء سلطات من جنوب البلد، وقال لهم إن إسرائيل "غيرت المعادلة" في قطاع غزة، وسترد على أي اعتداء على سيادتها. وبحسب كلامه، "نحن قادرون على ضرب، ليس فقط مبان وأهداف، بل أيضاً كل من يعمل في داخلها. ليس لدى إسرائيل مصلحة في قطاع غزة سوى استعادة أبنائها وتحقيق هدوء كامل. إذا تحقق هذان الهدفان، نستطيع تطوير غزة."
خلاصة واستنتاجات
- لم تقبل "حماس" المعادلة التي قدمها بني غانتس، بل طلبت قبل ذلك تقديم تسهيلات كبيرة، والتخفيف من الحصار، والدفع قدماً بمشاريع بنى تحتية، وبعدها وقف عمليات الاحتكاك في غلاف غزة. بناءً على ذلك، من المتوقع أن يتواصل إطلاق البالونات الحارقة، وإطلاق القذائف بصورة متقطعة، واستخدام خلايا الإزعاج الليلي بالقرب من السياج الحدودي، إلى حين بروز فرصة حقيقية لتحسين الوضع داخل القطاع.
- الحكومة الحالية في إسرائيل، المنشغلة في مشكلات داخلية إلى جانب تداعيات أزمة الكورونا، ليست مستعدة للتفرغ لمعالجة جذر المشكلات في غزة، بالإضافة إلى عدم وجود حل جاهز على الرف في الإمكان تطبيقه بحزم. الفكرة الاستراتيجية التي توجّه سلوك إسرائيل إزاء قطاع غزة تعتمد على تشبيه الوضع في غزة بـ"مريض لا علاج له" يطالب بتخفيف ألمه فوراً. بالنسبة إلى إسرائيل، "حماس" هي العنوان المسؤول حصرياً عمّا يحدث في القطاع، وعلى الرغم من عدم وجود اتصالات مباشرة بالحركة، فإنها فعلياً شريكة في التسوية التي تدفع نحو "تفاهمات" لا "اتفاقات"، بواسطة وسطاء. تدير إسرائيل المواجهة إزاء "حماس" في محاولة لتربح الوقت، وعلى أمل أن شيئاً ما يتغير في المستقبل، وهي عملياً تستعيد ما جرى الاتفاق عليه في جولات قتال سابقة، من خلال تقاسُم العبء مع لاعبين آخرين (مصر، وقطر، والأمم المتحدة). حالياً ليس لدى إسرائيل أي ورقة جديدة، بما في ذلك الحصول على مساعدة من صديقتها الجديدة دولة اتحاد الإمارات، من أجل استثمار موارد في تحسين شروط الحياة في القطاع.
- الدينامية الحالية في قطاع غزة ستؤدي على ما يبدو إلى أيام قتال، ولاحقاً إلى عملية عسكرية واسعة. من أجل لجم عملية التصعيد، لا مفر من العودة إلى مسار تطبيق التفاهمات في إطار التسوية التي تبلورت في كانون الأول/ديسمبر 2019 بتدخّل من الأمم المتحدة، أي التخفيف بصورة كبيرة من الحصار، وتنفيذ مشاريع بنى تحتية حيوية مدنية لسكان القطاع.
- الآن، وبعد اكتشاف بؤر تفشي مرض الكورونا في القطاع، وإذا انتشر الفيروس، تستطيع إسرائيل، وكعلامة على حسن نيتها، زيادة المساعدة الطبية والإنسانية لسكان القطاع. وذلك انطلاقاً من الإدراك أنه من دون تحسين الوضع المدني الذي يُعتبر كإنجازات حققتها "حماس" إزاء إسرائيل، فإن الحركة ستواصل التصعيد الحالي.
إطلاق الصواريح خلال "التدهور الأمني" (آب/أغسطس):
باللون الأزرق إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وباللون البرتقالي على القطاع