رجلنا في بغداد
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • مرتان على الأقل، جاء السياسي العراقي مثال الألوسي [عضو في البرلمان العراقي عن حزب المؤتمر الوطني العراقي] إلى إسرائيل في زيارة علنية ورسمية. في سنة 2004، عندما كان عضواً في لجنة التحقيق للكشف عن نشطاء حزب البعث [كان رئيساً للجنة اجتثاث البعث]، وفي سنة 2008، عندما جاء للمشاركة في مؤتمر عقده مركز هرتسليا المتعدد المجالات بشأن الإرهاب. بعد زيارته الأولى طُرد من اللجنة وصار هدفاً لعدة محاولات اغتيال. في إحداها في سنة 2005، أطلق ركاب دراجة نارية النار على سيارته وقتلوا اثنين من أبنائه، أيمن وجمال.
  • لم يردع ذلك الألوسي. وكعضو في البرلمان العراقي التقى مرات عدة بإسرائيليين في مؤتمرات ومناسبات في إسرائيل وخارجها، والتقى أيضاً بمسؤولين إسرائيليين كبار. كلفه هذا طرده من البرلمان، وأيضاً قُدمت ضده دعوى "خيانة خطرة" عقوبتها الإعدام. الألوسي قدم استئنافاً، ومحكمة الاستئناف أبطلت قرار البرلمان.
  • هذه الخطوات يتضح أيضاً أنها لم تغيّر وجهة نظره بأن على العراق إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. في الأسبوع الماضي، وبعد إعلان تطبيع العلاقات بين اتحاد الإمارات وبين إسرائيل، قال في مقابلة: "يتعين على العراق الانفصال عن معسكر الحروب، والتطرف والأوهام، وإقامة علاقات مستقرة مع كل دول العالم. العراق بحاجة إلى اتفاق سلام مع إسرائيل، شبيه بالاتفاق الذي سيجري مع اتحاد الإمارات." وتابع: "هناك علاقات غير رسمية بين عدة سياسيين عراقيين وبين إسرائيليين، لكن سيطرة إيران على الساحة السياسية في العراق تمنع التطورات على هذا الصعيد." وكما كان متوقعاً، أثار كلامه انتقادات حادة من سياسيين عراقيين، وخصوصاً من جانب السياسيين الذين يُعتبرون من مؤيدي إيران - في المقابل، اكتفت وسائل الإعلام في العراق بنقل الكلام، واعتبرته كلاماً مثيراً للفضول لا أكثر.
  • لكن في الفترة التي يُجري فيها العراق حواراً استراتيجياً مع إدارة ترامب، ورئيس الحكومة مصطفى الكاظمي يُستقبل باحترام شديد في البيت الأبيض، يثير الحديث العام عن إقامة علاقات بين إسرائيل والعراق مخاوف وشكوكاً من أن العراق "على وشك الوقوع في الفخ الذي تنصبه الإدارة الأميركية"، بحسب قول أحد المعلقين.
  • العراق هو هدف استراتيجي في نظر الولايات المتحدة - في الأساس، لأنه يُعتبر الفرع الأكثر أهمية لإيران في الشرق الأوسط، أهم من سورية ولبنان. لكن كميات النفط الضخمة في أراضيه ومليارات الدولارات التي وظفتها الولايات المتحدة في الحروب لم تحول العراق إلى دولة قادرة على الوقوف على قدميها. ديونه ارتفعت إلى أكثر من 104 مليارات دولار، نصفها لمؤسسات تمويل دولية ونحو 5 مليارات لإيران. التزود بالكهرباء والغاز في مناطق واسعة من العراق يعتمد على مصادر إيرانية، وتقدَّر التجارة مع إيران بنحو 12 مليار دولار، وبعض أحزاب السلطة قريب من النظام الإيراني ويُستعمل كفرع سياسي لطهران في بغداد، بالإضافة إلى نشاطات الميليشيات الشيعية التي تحظى بتمويل من إيران إلى جانب تمويلها من الدولة العراقية.
  • صحيح أن العراق حظي بإعفاء جزئي من العقوبات الأميركية على إيران، انطلاقاً من تفهّم اعتماده على إيران والرغبة في منع انهيار كامل للدولة. لكن إلى جانب العقوبات على إيران، من الواضح لواشنطن أنه ما دام هناك علاقة تجارية واقتصادية وسياسية وثيقة جداً بين العراق وإيران، لا يمكن تحقيق التطلع إلى بناء جدار عقوبات محكم حول إيران. أيضاً في العراق يدركون أنه من دون دعم ومساعدة من الولايات المتحدة لا تستطيع الدولة أن تتعافى اقتصادياً، وأن تستقر سياسياً.
  • الاحتجاج الشعبي والتظاهرات العنيفة التي نشبت في بداية العام أديا إلى سقوط حكومة عادل عبد المهدي، ولم تهدأ الانتقادات ضد تدخل إيران في الدولة، ويشكل هذا موضوعاً دائماً في التظاهرات، وفي الحديث على وسائل التواصل الاجتماعي. في المقابل، الحكومة العراقية ملزمة بالقرار الذي اتخذه البرلمان العراقي في كانون الثاني/يناير، بعد اغتيال قاسم سليماني، والذي طالب بخروج كل القوات الأجنبية من العراق. في الاجتماع بين الكاظمي وترامب في الأسبوع الماضي، أوضح الاثنان علناً أن الولايات المتحدة ملتزمة بقرارها سحب كل قواتها من العراق، لكن من دون تحديد جدول زمني. أيضاً ليس واضحاً ما إذا كان سيبقى في العراق بعد الانسحاب مدربون أميركيون لمواصلة تدريب الجيش العراقي. ولا يقل أهمية التوقيع على اتفاقات بحجم يقدَّر بنحو 8 مليارات دولار بين العراق وبين شركات طاقة أميركية، هدفها تطوير وترميم حقول النفط في العراق وإقامة محطة توليد للطاقة قادرة على تحرير العراق من اعتماده على إيران. واشنطن تدفع قدماً أيضاً بالتعاون في مجال الطاقة بين السعودية والعراق، وتحاول تجنيد مساعدة مالية من دول خليجية أُخرى، بينها اتحاد الإمارات، ضمن إطار استراتيجيا فصل العراق عن إيران.
  • لكن ثمة شك في أن تستطيع هذه الاستراتيجيا الأميركية تحقيق أهدافها. على خلفية البنية السياسية للنظام في العراق وتركيبته السكانية - الفترة الزمنية وكميات المال المطلوبان من أجل تحويل العراق إلى دولة مستقلة من الناحية الاقتصادية لا يمكن تقديرهما. بالإضافة إلى ذلك، من المنتظر أن تجري الحكومة العراقية انتخابات في حزيران/يونيو 2021، في موعد قريب من الانتخابات الرئاسية في إيران، وبعدهما ليس مؤكداً أن الكاظمي سيبقى في منصبه كرئيس للحكومة. "الفخ الأميركي" الذي تتخوف منه إيران وحلفاؤها في العراق – الذي يمكن أن يؤدي إلى سلام بين العراق وإسرائيل- يبدو حالياً كفزاعة، وليس كتهديد حقيقي.

 

 

المزيد ضمن العدد 3382