الاتفاق مع الإمارات يضع إسرائيل في وسط النزاعات في الشرق الأوسط
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- اتفاق تطبيع العلاقات المنتظر توقيعه بين إسرائيل واتحاد الإمارات يقدمه رئيس الحكومة كنافذة فرص اقتصادية تفتح أسواقاً جديدة أمام شركات إسرائيلية، ويؤسس رسمياً تعاوناً بين الدولتين في مجالات البحث والطبابة والحوسبة. إنه من دون شك إنجاز سياسي ينطوي على احتمال اتفاقات سلام مع دول عربية أُخرى، مثل البحرين، وعُمان، والسعودية. مستشار ترامب وصهره جاريد كوشنير قال لـ إن.ب.سي. إن "التطبيع بين إسرائيل والسعودية هو أمر مفروغ منه"، من دون أن يحدد موعداً له، لكن من دون تكذيب من الرياض.
- الاتفاق يضع إسرائيل في محور الدول التي تتدخل عسكرياً وسياسياً في حروب وخطوات تجري في الشرق الأوسط، وبذلك يضعها أيضاً على جدول الاستهداف. إنه محور يقال إنه مُعاد لإيران، لكن هذا التعريف ضيق وغير دقيق تماماً.
- في السنوات الخمس الأخيرة تطورت دولة الإمارات لتصبح دولة عظمى إقليمية صغيرة، شريكة أيضاً في حرب اليمن. وهي تعمل مع مصر والسعودية وفرنسا وروسيا ضد تركيا وقطر على الساحة الليبية، واستأنفت علاقاتها الدبلوماسية مع سورية الأسد، وخططت مع إسرائيل ومصر ولبنان لبناء أنبوب لنقل الغاز من الحقول الإسرائيلية، والمصرية، والقبرصية، واللبنانية إلى إيطاليا. المشروع، الذي جُمّد، بسبب انخفاض أسعار الغاز وأزمة الكورونا، ولكنه لم يُلغَ، هدفه منافسة، وحتى المس، بالمشروع التركي لنقل النفط والغاز من ليبيا إلى أوروبا، بعد توقيع اتفاق التحالف الاستراتيجي بين تركيا وليبيا.
- التوتر بين تركيا والإمارات ليس جديداً. الدولتان اللتان أقامتا قبل عشر سنوات علاقات وثيقة، وكان حجم التبادل التجاري بينهما يقدَّر بـ7 مليارات دولار سنوياً، حالياً يسود بينهما عداء شديد إلى حد أن سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، قال إن تركيا هي أخطر عدو للدول العربية. قبل 3 سنوات، عندما فرضت السعودية، ومصر، والبحرين، والإمارات حصاراً اقتصادياً على قطر، هبّت تركيا إلى نجدتها، وأرسلت قطاراً جوياً عاجلاً من الغذاء والسلع الأساسية، وأقامت قاعدة عسكرية، ودانت سلوك دول الخليج إزاء قطر.
- تركيا، التي تقوم بحماية الإخوان المسلمين- بينما يعتبرهم اتحاد الإمارات أعداء وحركة إرهابية- تحاول الآن المشاركة في جهود إعادة إعمار لبنان، وهو ما يثير مخاوف دول الخليج. في تقدير هذه الدول أن رجب طيب أردوغان يحاول أن يسحب البساط من تحت أقدام السعودية التي كانت حتى الآن زعيمة السُنة في لبنان. ليس مستغرباً أن ردة فعل أردوغان على الاتفاق بين إسرائيل والإمارات كانت أكثر حدة حتى من ردة فعل إيران. فقد صرّح في الأسبوع الماضي أنه يفكر في قطع العلاقات مع أبو ظبي، بينما إيران دانت فقط الاتفاق ولم تهدد بقطع العلاقات. السبب هو أن إيران بحاجة إلى الإمارات كمحطة عبور للبضائع، ولأنها تستضيف 3000 شركة إيرانية، معظمها تحت سيطرة الحرس الثوري. والمثير للاهتمام أن أردوغان يريد معاقبة الإمارات، بينما لدى تركيا نفسها تمثيل دبلوماسي في إسرائيل.
- الفلسطينيون الذين يبدون حالياً أكبر الخاسرين من الاتفاق، لا يستطيعون الادعاء أنهم فوجئوا أو أنهم تعرضوا للخيانة. عدم اكتراث الدول العربية وتجاهُل الجامعة العربية لوعودها بتحويل نحو 100 مليون دولار شهرياً إلى السلطة الفلسطينية، ووقف الضغوطات السياسية على إسرائيل من جانب الدول المؤثرة، مثل مصر والسعودية، والصمت النسبي الذي استُقبل فيه نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بضم الجولان- كل ذلك ليس وليد السنة الأخيرة.
- المبادرة العربية التي أُقرت في سنة 2002 في مؤتمر الجامعة العربية في بيروت لم تعد ذات صلة، وفارقت الحياة بعد الخطوة الإماراتية. بالاستناد إلى المبادرة، فإن التطبيع مع إسرائيل يجري فقط إذا انسحبت من كل الأراضي التي احتلتها، بما فيها الجولان. بالتأكيد تجميد الضم لا يلبي هذا الشرط الأساسي، ويبدو أن السعودية أيضاً حررت نفسها من قيود المبادرة التي تحمل اسمها.
- السلطة الفلسطينية التي رفضت في الشهر الماضي استلام شحنات مساعدات طبية جاءت في طائرات حطت في مطار بن غوريون "كي لا تُستعمل كجسر للتطبيع مع إسرائيل"، تجد نفسها في مواجهة مشهد تطبيعي واضح. صحيح أن محمود عباس استدعى السفير الفلسطيني في أبو ظبي للتشاور، وطالب بعقد اجتماع خاص للجامعة العربية، لكنه يدرك أنه لا يستطيع أن يذهب بعيداً، لأن نحو 150 ألف فلسطيني يعيشون ويعملون في اتحاد الإمارات، أغلبيتهم في دبي، والأموال التي يحولونها إلى الضفة الغربية تشكل مكوناً مهماً من مداخيل الاقتصاد الفلسطيني.
- بيْد أن الرضى الإسرائيلي عن عزلة الفلسطينيين لا يمكن أن يخفي الفيل الكبير الذي يربض في الضفة والقطاع. وكما أن اتفاقيْ السلام مع مصر والأردن لم يمنعا نشوب انتفاضة في المناطق ولم يستطيعا تهدئة قطاع غزة، أيضاً الاتفاق مع الإمارات لن يزيل مسؤولية إسرائيل عن الحياة في المناطق المحتلة.