الأردن في مواجهة ثلاثة، بل وحتى أربعة تحديات
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف
  • دخل الأردن في أزمة الكورونا منذ البداية في شروط سيئة. فالحرب الأهلية في سورية أدت إلى لجوء نحو 1.4 مليون سوري إلى الأردن، في ظل تفاقم المشكلات الاقتصادية التي كانت قائمة في المملكة قبل ذلك، وعلى رأسها البطالة. أيضاً أسعار النفط التي كانت في انخفاض حتى قبل سنة 2020، ألحقت الضرر بقدرة الأردن على جمع هِبات من دول الخليج. في المفاوضات التي أجراها الأردن مع صندوق النقد الدولي في سنة 2019 بشأن قرض متعدد السنوات، طُلب منه إجراء إصلاحات ضريبية، وقد أثار هذا الطلب انتقادات شديدة من جهات مختلفة في الأردن، لأن الاستجابة له يهدد مصالحها. خلال أيلول/سبتمبر 2019، تظاهر آلاف المعلمين والمعلمات في شتى أنحاء الأردن ضد المس برواتبهم ومنعوا افتتاح السنة الدراسية. بعد مفاوضات طويلة خضعت الحكومة لمعظم مطالبهم.
  • طريقة النظام المنظمة في الأردن بشأن معالجة وباء الكورونا على مختلف الصعد تستحق الكثير من الثناء، وخصوصاً على خلفية المعطيات الموجودة في البداية. فقد سمح الملك عبد الله الثاني للحكومة، وبصورة خاصة للوزراء المعنيين، بإدارة الأزمة، وهؤلاء حرصوا على إقامة صلة يومية بين السلطة والمواطن في كل ما يتعلق بالتعليمات المعتمدة، ومعلومات تفشي المرض، وخطوات المساعدة الاقتصادية. ظهور الملك في وسائل الإعلام كان قليلاً ومدروساً وهدفه تقديمه كدَوْر موحِّد، وليس كمن يهتم بالتفصيلات. بالنسبة إلى التوزيع غير المكتوب للعمل بينه وبين الحكومة قام الملك بمهمة تجنيد أموال المساعدة الخارجية. وفي الواقع، فإن الأرقام المنخفضة بصورة ملحوظة للوفيات والمصابين بوباء الكورونا (11 وفاة حتى الآن)، يمكن أن نعزوها في الأساس إلى التنظيم السريع للنظام، وخطوات الطوارىء التي اتخذها، والتطبيق الصارم للتوجيهات، بما في ذلك في المساجد. يجب أيضاً الإشارة إلى أن جزءاً كبيراً من المرضى المؤكَّدين كان مصدر إصابتهم من مواطنين أجانب، بينهم سائقو الشاحنات من سورية والسعودية.
  • شأنها شأن حكومات أُخرى، اضطرت حكومة الأردن إلى زيادة العجز في الميزانية من أجل تقليص الضرر اللاحق بالقطاعات الحيوية والعمال، وخصوصاً العمال الموقتين. حتى السنوات الأخيرة، نجح الأردن في المحافظة على نسبة ديْن أقل من 80%، مقارنة بالناتج المحلي الصافي، واستفاد من قروض من مؤسسات مالية دولية، ومن مداخيل قطاعات اقتصادية، وخصوصاً السياحة (10% من الناتج المحلي)، ومن تصدير الفوسفات، وتحويلات الأردنيين الذين يعملون في الخارج. التقديمات من الدول الخليجية ساعدت الأردن على مواجهة الضائقة الاقتصادية المستمرة منذ مجيء اللاجئين من سورية. لكن أزمة الكورونا أدت إلى عودة أغلبية الأردنيين الذين يعملون في الخارج إلى الأردن، قطاع السياحة مشلول، وأسعار النفط سجلت انخفاضاً دراماتيكياً (هذا الانخفاض تأثر أيضاً بعدم اتفاق روسيا والسعودية على طريقة مواجهة تقلُّص الطلب على النفط جرّاء الوباء العالمي). هبوط أسعار النفط والغاز أثر في قدرة واستعداد الدول المنتجة له لمساعدة الدول العربية الأُخرى، وبينها الأردن.
  • مع ذلك، وعلى الرغم من توقعات نمو اقتصادي سلبي في سنة 2020، بنسبة 3.7% فقط، فإن المنظومة المالية عبّرت عن ثقتها بالإدارة الاقتصادية للأردن. بالإضافة إلى القرض المتعدد السنوات، البالغ 1.3 مليار دولار، والذي منحه صندوق النقد الدولي، كان هناك قرض آخر لمواجهة تداعيات الكورونا، مقداره 396 مليون دولار. علاوة على ذلك، حظيت سندات الديْن التي أصدرتها الحكومة بطلب كبير بمعدلات فائدة معقولة (4.95% لخمس سنوات، و5.85% لعشر سنوات).
  • مع تأليف الحكومة الجديدة في إسرائيل في 17 أيار/مايو 2020، وفي ضوء ما جاء في الاتفاق بين حزب الليكود وحزب أزرق أبيض في 23 نيسان/أبريل، والذي سمح لرئيس الحكومة بأن يطرح في الأول من تموز/يوليو على الحكومة أو على الكنيست الاتفاق بين إسرائيل والولايات المتحدة على فرض السيادة على مناطق في الضفة الغربية، دخل الأردن في معركة سياسية هدفها منع هذه الخطوة. أكثر من نصف سكان الأردن هم من أصل فلسطيني، وأي خطة ضم إسرائيلي ستثير موجات احتجاج، وخصوصاً إذا لم يقف الملك ويعمل ضد الخطوة. أيضاً في هذا الموضوع، أظهر الملك وعياً تكتيكياً في إدارة المعركة في الساحة الدولية من خلال التنسيق مع السلطة الفلسطينية، في الأساس من أجل نيل تقدير وشكر مواطني الأردن الفلسطينيين. "صفحة الرسائل" كانت بسيطة وواضحة: الضم بأي حجم ولأي جزء من الضفة الغربية سيقضي على حل الدولتين الذي يُعتبر الحل الوحيد المقبول من جانب المجتمع الدولي؛ الضم سيؤدي إلى زعزعة السلام والأمن في المنطقة ويفاقم ضائقتها. لم تُذكر إسرائيل والولايات المتحدة تقريباً في صفحة الرسائل، والملك ووزير الخارجية الأردني كانا الوحيدين اللذين أدارا المعركة. رئيس الحكومة عمر الرزاز، وفي تصريح غير مسبوق (في الغارديان، 21 تموز/يوليو) أضاف إلى النسخة الرسمية رسالة بأن موت حل الدولتين سيؤدي إلى دولة أبرتهايد، لكن إذا كانت إسرائيل مستعدة لدولة ديمقراطية واحدة يتمتع فيها المواطنون العرب بالمساواة والحقوق الكاملة، فإن في استطاعة الأردن التعامل معها بإيجابية.
  • على خلفية هذا السجل المثير للإعجاب، يبدو أن قرار الالتزام بتطبيق القانون وإجراء انتخابات برلمانية في 10 تشرين الأول/أكتوبر لا ينطوي على مخاطر مهمة. خلال أزمة الكورونا سُمعت انتقادات قليلة ومعتدلة فقط على أداء الحكومة. أيضاً أشارت استطلاعات الرأي إلى تأييد متين لوزراء معينين، بينهم وزير الصحة. البرلمان المنتهية ولايته لم يتصرف كهيئة صورية، لكن باستثناء عدد من الموضوعات، بينها الإصلاحات التي طالب بها صندوق النقد الدولي أو صفقة شراء الغاز الطبيعي من إسرائيل، فقد تجنب تجاوز الخط والتشاجر مع الملك ودفعه إلى حل البرلمان.
  • يبدو أن انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2020 لن تغير جوهرياً ميزان القوى، بين الملك وحكومته من جهة، وبين المجلس النيابي من جهة أُخرى، لكن خلال تموز/يوليو اتخذ النظام خطوتين تثيران تساؤلاً: هل يشك النظام في تأثير إنجازاته على الناخب، ولذا احتاج إلى استخدام وسائل تؤذي صورته المضيئة والمسؤولة التي عمل الملك على بنائها؟ في 16 تموز/يوليو، أمرت المحكمة العليا بحل "حركة الإخوان المسلمين في الأردن". الدوافع السياسية والقانونية للخطوة غير واضحة، لأنه منذ "الربيع العربي" اعتُبرت حركة الإخوان حركة غير قانونية، وأُغلقت مكاتبها، وهي نفسها قررت عدم خوض الانتخابات القادمة. الخطوة الأُخرى التي بدت أكثر دراماتيكية هي اعتقال جميع أعضاء اللجنة الإدارية لاتحادات المعلمين في الأردن في 25 تموز/يوليو وإغلاق مكتبهم الرئيسي في عمّان، بالإضافة إلى إغلاق 11 فرعاً آخر لها في شتى أنحاء الدولة.
  • الخطوات التي اتُّخذت ضد الإخوان المسلمين واتحادات المعلمين تدل على أن النظام يعارض أي تغيير في قواعد اللعبة وميزان القوى السياسي - القانوني القائم.
  • في ضوء الوقت القليل المتبقي حتى الانتخابات، بالإضافة إلى قدرة النظام على اتخاذ خطوات إدارية في ظل الكورونا (مثلاً منع التنقل بين المحافظات)، وانتهاء ولاية البرلمان، تبدو فرص التغيير معدومة. النظام يريد الوصول إلى الانتخابات مع صورة إيجابية بناها في الأشهر الأخيرة، لذا من المعقول أن يحاول تسوية العلاقات مع اتحادات المعلمين، لمنع تجدد أحداث 2019.
  • إذا امتنعت إسرائيل من القيام بخطوات الضم في الضفة الغربية، من المحتمل بعد انتخاب رئيس ديمقراطي في الولايات المتحدة، أن تزول عقبة محتملة من مجموع التحديات التي يواجهها النظام الأردني، وأن تزداد فرص نجاحه في انتخابات 2020. مع ذلك، سيكون عليه أن يواجه لوقت طويل التحديات الصادرة عن التوتر بين الرغبة في الدفع قدماً بنظام متنور وديمقراطي، وبين الواقع الديموغرافي الذي لا توجد فيه أغلبية لمؤسسي المملكة، والضائقة الاقتصادية التي لا تبشر بالخير.