الدروز الجدد يخرجون إلى الشوارع
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- حدث غير مألوف جرى يوم السبت الماضي في ساعات المساء على جسر إليكيم. ظاهرياً كان هذا جسراً آخر تجمعت فوقه مجموعة كبيرة من المتظاهرين جاءت للمشاركة في مسيرة كبيرة ضد سلطة فاسدة ومنقطعة عن الواقع. لكن المشهد هناك لم يكن عادياً. في أحد جانبي الطريق وقفت مجموعة من المحتجين حملت علماً آخر: العلم الدرزي.
- في السابق لم نر مشهداً كهذا، مجموعة من الشباب الدروز الخارجين للتظاهر وسط احتجاج واسع ليس معنوياً فقط في المجتمع الدرزي. أغلبية الاحتجاجات في الماضي ركزت على موضوعات تهم الطائفة. الاحتجاجات العامة لم تشهد تقريباً ممثلين للمجتمع الدرزي، وفي الأساس ليس ضد السلطة.
- في ذلك السبت وفي ذروة عيد الأضحى، وفي الوقت الذي كانت العائلات تحتفل بالعيد، خرجت مجموعة من الشباب بقيادة فادي مقلده، ناشط درزي مثقف وواعد، وانضمت إلى الاحتجاج الكبير. الحقيقة المثيرة أكثر هي أنهم كانوا جزءاً من ثورة أكبر بكثير، ثورة تنبجس في المجتمع الدرزي: ثورة الدروز الجدد.
- بعد سنوات طويلة من السيطرة الأبوية والعشائرية التي كانت تحدد جدول أعمال المجتمع الدرزي وتقرر من أجل ماذا يناضل المجتمع ومع مَن ومتى وأين، ومَن هو القائد ومَن هو الحليف- هذه المجموعة تبشر بولادة جيل جديد. جيل يتسم بالاستقلالية الفكرية، وحرية النضال من أجل مبادئه، ومن أجل الصالح العام، من دون الأخذ في الاعتبار أي هيئة أو طرف أو زعيم حمولة.
- هذا الجيل لا يكتفي بالشكوى. هذا الجيل يكتب مقالات ويُجري مقابلات، ويُسمع صوته العالي، ويعرض بصورة صحيحة وعقلانية مواقفه وحججه، يحتج ويصرخ ومستعد لأن يضرب بقبضته على الطاولة. هذا الجيل ناضج لإظهار شجاعة، ويقود نضالات ذكية من دون أنانيات، وبالتعاون مع أصحاب الخبرة حول طاولة مستديرة. هذا الجيل الجديد ليس في جيب أحد، لا يمكن المتاجرة بأصواته ولا أن تقدَّم له وعود مبدئية صحيحة وقتها، مع توقع أنه سينساها.
- هذه تنظيمات عفوية لأشخاص يئسوا من الصفقات البالية. إنه جيل مثقف ورصين، يعرف جيداً حقوقه وتطلعاته. هذا الجيل إسرائيلي بكل معنى الكلمة، جريء، وبارع. يتحدث إلى نظيره الإسرائيلي حديث الند للند من دون تمسّك بالرسميات. يعرف المطالبة بما هو من حقه بتصميم وإصرار لا هوادة فيهما.
- أنا أُسمّيهم الدروز الجدد. هم يؤمنون بالأخوة والشراكة فقط إذا كان هناك مساواة. هم جدد وكثيرون. وأحياناً غرباء عن البيئة التي تعودت على كذب السياسيين والجنرالات.
- قانون القومية هو الذي أدى إلى ولادتهم. يجب أن نشكر هذا القانون. فهو صفعة مدوية أدت إلى يقظة أغلبية الدروز. لطالما شعرنا بأن ولاءنا وعلاقتنا الخاصة بالدولة هي من طرف واحد، من جانبنا طبعاً. عندما جرى سن قانون القومية في صيف 2018- لم يعد هذا شعوراً فقط، منذ تلك اللحظة أصبح إدراكاً. الشعور تحول إلى حقيقة مكتوبة بالأسود على الأبيض. إنه إحساس بتخلّي الدولة عن مواطنيها. مثل سكين غرزه مشرّع القانون في ظهر "العرب الجيدين"، ومنذ تلك اللحظة يتساءلون هل الدولة تريدهم عموماً؟ وهل سيأتي يوم تتحقق فيه المساواة.
- المشهد الذي رأيناه في الكنيست في يوم الأربعاء حين قدمت اقتراحاً بتعديل قانون القومية سيبقى في ذاكرة كثيرين. الخروج المذعور لعدد كبير من أعضاء الكنيست قبل التصويت على القانون جسّد مرة أُخرى القيادة الجبانة الكذابة الاستغلالية والناكرة للجميل للجنرالات والسياسيين إزاء "إخوانهم". لقد أثبتوا أنهم ما زالوا يرون في المجتمع الدرزي صندوق اقتراع، يهتمون به فقط عشية الانتخابات. من دواعي سروري، أنه في حقبة الإعلام الجديد كل شيء مكشوف، وينقل نقلاً مباشراً. وبنقرة واحدة رأيت مَن الصادق ومَن الجبان الذي هرب. قراركم الهرب ومحاولة الدوس علينا من جديد هذه المرة استُقبلت بصورة مختلفة. بغضب شديد، وعن حق. الشارع غاضب، شبكات التواصل الاجتماعي اشتعلت، والجميع خلص إلى: كفى، ليس بعد الآن.
- الأكيد أن حزب أزرق أبيض أحرق نفسه أيضاً لدى الأقليات - وخصوصاً عند أخوتهم الدروز. لم يعد لديه ما يبحث عنه هناك في الحملة الانتخابية المقبلة.
- الشباب الجدد الذين انتفضوا الآن شبعوا وعوداً وشبعوا قيادات جبانة. من المهم بالنسبة إليهم التغيير، هم مليئون حكمة ونشاطاً اجتماعياً. هم معنيّون بقيادة سياسة جديدة في المجتمع الذي كبروا فيه. سمعوا ورأوا الكثير من الإخفاقات، والآن يريدون أن يكون لهم دور. الآن وقتهم كي يقودوا.
- أنتم، أيها الدروز الجدد، أنتم الأمل بالنسبة إلي وإلى الكثيرين. معاً في مسيرة رائعة مليئة بالتحديات، نقود المجتمع الإسرائيلي عموماً والدرزي خصوصاً نحو مستقبل عادل وأكثر أخلاقية. أنا فخورة بكم.