عبّروا عن إعجابكم بالاحتلال: ما الذي يمكن تعلّمه من صفحات الفايسبوك التي يستخدمها الشاباك
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
[القسم الثاني]
صفحات عربية إسلامية أخلاقية
- صفحات الشاباك مزينة بصور إسلامية، وآيات من القرآن، وأمثال وحكم عربية. الهدف خلق انطباع بأن ضباط الشاباك يعرفون الثقافة العربية والإسلامية، ويحترمون التقاليد ويشكلون، إلى حد ما، جزءاً من النسيج الاجتماعي المحلي. القراء الفلسطينيون الذين يدخلون إلى صفحة الشاباك يردون على ذلك بأساليب مختلفة. هناك مَن لا يفهمون بالضبط أي صفحة فايسبوك فتحوها، في الأساس صفحة "بدنا نعيش" التي لا تقدم نفسها كصفحة للشاباك، ويطرحون أسئلة من نوع "هل أنتم عرب؟" أو "هل أنتم مسلمون؟" وغيرها. مشاركون آخرون يعرفون أن الاستخبارات الإسرائيلية هي وراء صفحات الفايسبوك هذه، ويستغلون أخطاء نحوية ولغوية للسخرية من طاقم كتّاب الشاباك. "حوّل إليّ تعليقاتك قبل نشرها"، كتب فلسطيني من منطقة بيت لحم إلى الكابتن بشير الذي أخطأ في أسماء قرى من منطقته.
- الآيات القرآنية التي يستشهد بها المنسقون تتكرر بصورة كبيرة وتنقل رسائل تتلاءم مع توجه الشاباك. هناك آية مشهورة جداً هي "لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" (من سورة البقرة)، والتي تُذكر كجزء من الاقتراح بالامتناع من القيام بعمليات ضد الاحتلال أو ضد إسرائيل، لأن هذا يؤدي إلى ضرر ذاتي (يشدد الضباط في الشاباك على أن نهاية أي هجوم هو الموت أو الاعتقال أو هدم منزل العائلة). في زمن الكورونا أُضيف مضمون آخر إلى هذه الآية - المحافظة على قواعد الوقاية من الوباء، ولقد استخدمها عناصر الشاباك الذين يحاولون إظهار حرصهم على جميع السكان.
- نشر التهاني قبل الأعياد، وقبل شهر رمضان، أمر مألوف. الكابتن أديب الذي يعمل في الخليل من قِبَل الشاباك، على سبيل المثال، نشر مثل كثيرين من نظرائه، تهاني بعيد الفطر مع صورة تقليدية للهلال منيراً فوق مسجد مكة وفوقه كتابة: "شهر التوبة والغفران". وحصل على ردود قليلة جافة "رمضان هو شهرنا وليس شهركم". وعن التهنئة التقليدية التي كتبها – كل عام وأنتم بخير، أجابه أهالي الخليل: "بعون الله نحن بخير، فقط ابتعدوا عنا."
أي بطل يقتل طفلاً؟
- أداة مألوفة في الحرب النفسية هي التشهير - له أساس أو من دون أساس - بنشطاء "حماس" أو تنظيمات أُخرى. فيما يلي عدة أنواع من التشهير. في صيف 2019، نشر الشاباك على صفحته على الفايسبوك تعليقاً عن ناشط من "حماس" يعيش في غزة، وهو من الخليل، ويتحرش جنسياً بالأولاد. لا يمكن معرفة ما إذا كانت هذه المعلومة صحيحة أم لا، لكنها تنسجم جيداً مع خط الشاباك الذي يدعي أن النشطاء الفلسطينيين منحطون أخلاقياً. الهاشتاغ الذي أُلحق بالصورة يقول: "هذا ليس رفيقاً لنا"، أي، هو عار على الخليل. هكذا يقدم الكاتب نفسه كأنه يستطيع أن يتحدث باسم أهل الخليل، كما في حالات أُخرى يتحدث فيها عناصر الشاباك عن الواقع الفلسطيني بضمير المتكلّم (مثل أنا، نحن). الردود على هذا التعليق كانت في معظمها ساخرة.
- محاولة من نوع آخر لزعزعة شرعية القيادة الفلسطينية من خلال الادعاء أن عناصر "حماس"، في الأساس الموجودين في غزة، يستغلون الفتيان الصغار في الضفة الغربية من أجل أغراضهم السياسية. الافتراض وراء هذا الادعاء هو أن الفتيان الصغار الذين ينضمون إلى "حماس" لا يفعلون ذلك عن إيمان ديني، أو عن واجب وطني، بل لأن هناك طرفاً خارجياً يتلاعب بهم. هذا هو أيضاً التوجه الذي يقدمه عناصر الشاباك إزاء قيادة السلطة الفلسطينية في الضفة، على الرغم من كونها تتعاون مع الشاباك في الصراع ضد "حماس". في 28 كانون الثاني/ يناير 2020، ومع نشر خطة ترامب، بادرت قيادة السلطة إلى عمليات احتجاج. عمل عناصر الشاباك هذه المرة على تشويه سمعة قيادة السلطة بهدف تقليص الاحتجاج الفلسطيني. "من المهم لي أن تمر الأيام القادمة بسلام"، كتب الكابتن مفيد الذي يعمل في الخليل. "جزء منكم يمكن أن يتأثر بتحريض القيادة الفلسطينية الفاشلة التي عملت طوال سنوات من أجل مصالحها الخاصة فقط. إنني أنصحكم بعدم الانجرار وراء تحريضها، هي ببساطة لا ترسل أولادها إلى الشوارع، ولا يرشقون الحجارة، ولا يشاركون في أعمال الشغب، لأن أهميتهم في نظرهم تعلو على أهمية أكبر من سائر أبناء الشعب."
- وسيلة أُخرى للمس بصورة النضال الفلسطيني، هي الإشارة إلى عناصر غير أخلاقية في الهجمات التي ينفذها فلسطينيون. خلية عصام البرغوثي المذكورة أعلاه، نفّذت في كانون الأول/ديسمبر هجوماً بإطلاق النار في تقاطع عوفرا. وكان بين الجرحى امرأة حامل في الشهر السابع. الجنين الذي كان في بطنها أصيب، وقام الأطباء بعملية ولادة قيصرية طارئة، لكن المولود توفي بعد ثلاثة أيام. الشاباك نشر صورة جثة مغطاة قبل الدفن وإلى جانبها العبارة التالية: "كيف يشعر شعب عندما يفتح أبطاله النار على امرأة حامل؟ أي بطل يقتل طفلاً قبل ولادته وهو لا يزال في رحم أمه؟ وأي بطل يهرب بعد أن يفتح النار على جنود؟ هؤلاء ليسوا أبطالاً. عناصر حماس ليسوا أبطالاً، بل جبناء."
- من المحتمل أن طاقم الشاباك في صفحة الفايسبوك "بدنا نعيش" الذي كتب هذا التعليق عانى جرّاء موت الجنين مثل كثيرين من الجمهور الإسرائيلي الذي تابع وضعه عبر وسائل الإعلام. بيْد أن نشر الصورة والتعليق أشار أكثر من أي شيء آخر إلى الفجوة بين حديث الشاباك المتعالي (وربما الإسرائيليين عموماً) وبين الحديث الفلسطيني. نال التعليق مئات الردود التي هدفت إلى الوقوف في مواجهة الشاباك. الردود أوضحت أن الحديث الإسرائيلي – الفلسطيني الذي يدّعي الاهتمام بحياة الشعبين ويتفاخر بأخلاقية عالية، هو بمثابة ذر الرمال في العيون. فلسطينيون رأوا مراراً وتكراراً صور أولاد مقتولين في غزة (وأحياناً أيضاً في الضفة)، وهناك مَن يعرفون شخصياً أو من خلال وسائل الإعلام حالات أجهضت فيها نساء فلسطينيات على المعابر، رفضوا المشاركة في دموع منسقي الشاباك. وكالعادة كان هناك مَن قدم حججاً منطقية، ومَن اكتفى بالسخرية، وكان هناك مَن شتم، ومَن تمنى موت كل يهودي.
- التعبير عن تعاطف أو حزن كان قليلاً. وهو ترافق مع اقتراح لمنسقي الشاباك توسيع نظرتهم: "هنا حرام (ممنوع مرفوض ومدان)، لكن هل القتل في غزة ليس حراماً؟ "كتبت إحدى المشاركات. شخص آخر (يبدو من صفحته أنه من الإخوان المسلمين) ادعى أنه من الواضح له أن النية لم تكن قتل الجنين أو المرأة، لأن هذا يتعارض مع الدين الإسلامي."
نهاية بشعة لمعارضي الاحتلال
- كلمة "احتلال" لا تشكل جزءاً من قاموس الشاباك السياسي، والأكيد هي ليست جزءاً من حملات تغيير الوعي. في نظر الشاباك، الوضع الحالي الذي تسيطر فيه إسرائيل وتتوسع المستوطنات، هو معطى لا مجال لمناقشته والشاباك يدافع عنه. شبان فلسطينيون يخرجون للتظاهر، أو لرشق الحجارة، أو يشاركون في الكفاح المسلح، في العالم الافتراضي الذي بناه الشاباك، هم يعملون ضد السلام، أو ضد إسرائيل، أو لإلحاق الضرر بحسن الجوار مع المستوطنين اليهود. علاوة على ذلك، هم في نظر الشاباك يفعلون ذلك لأن أطرافاً خارجية زرعت أفكاراً مؤذية في رأسهم.
- الحجة التي ينشرها الشاباك بسيطة وسهلة الاستيعاب. هؤلاء الشبان يضرون قبل كل شيء بأنفسهم وبعائلاتهم. لذا، يتوجه الشاباك إلى أمهات النشطاء، ويدعوهن إلى إبقاء أولادهن في المنزل كي لا يخسروا حياتهم أو حريتهم. "من أجلهم ومن أجل سلامتك أيتها الأم العزيزة إذا كنت تشكّين في أن لابنك علاقة بهذه الهجمات بلّغينا، أو انقلي الخبر إلى سلطات مسؤولة." في حزيران/يونيو 2020، وعند اعتقال شخصين من الخليل بتهمة إقامة علاقة مع "حماس"، أحدهما طالب طب والثاني محاسب، نشر الشاباك على الفايسبوك فيديو يصور اعتقالهما وصورتهما بعد اعتقالهما وعبارة "العلاقة مع حماس تضر بمسار حياتكم"، هذا الفيديو حظي بأكثر من 20 ألف مشاهدة.
- هذه الحجة تنطوي على منطق معين: الفرص كثيرة بأن تصل قوات الأمن إلى هؤلاء النشطاء، ومصيرهم سيكون الموت أو السجن. لكن حديث الشاباك يتجاهل وجود شعور وطني وديني وإحساس بالعدالة واستعداد للتضحية وغير ذلك. صحيح أن هذا هو أسلوب الحملات لتشكيل الوعي: البحث عن حلقات ضعيفة، وتقديم صورة جزئية للعالم، ليست كاذبة تماماً، من أجل تعزيز الحوار السائد للذين يريدون الهدوء واليائسين من أمل بالحصول على الحرية، ومن أجل إخفاء الدوافع الإيجابية للمناضلين من أجل حريتهم.
- هذا أيضاً هو هدف نشر صور هدم منازل فلسطينيين، أو اعتقال أولاد. هذه الصور تظهر أحياناً في وسائل الإعلام كي تعرض الوجه السلبي لإسرائيل. الهدف هنا هو تعزيز خوف الفلسطينيين من التدخل في عمليات المقاومة.
- لكن الفايسبوك يسمح لنا أيضاً برؤية ردود مناقضة. ليس فقط الادعاء أن أعمال الشاباك إرهابية، بل أيضاً تقديم دوافع النشطاء من وجهة نظرهم: "هؤلاء الشباب يعملون من أجل تحقيق حقوقهم الأساسية : العدالة والحرية"، ردت إحداهن. "أسرى حماس هم فخر لنا كلنا." رد آخر. رد أحدهم "صفحة حقيرة"، وأضاف آخر "تعيش حماس. حماس الأسد، وأنتم ستذهبون إلى مزبلة التاريخ."
- نشطاء فلسطينيون يعيشون في عمق العالم الافتراضي يدركون أن صفحات الشاباك هي جزء من معركة أوسع من حرب نفسية إسرائيلية - تضم ظاهرة متحدثين إسرائيليين على قنوات تلفزيونية عربية، صفحات تويتر وفايسبوك لمنسق الأنشطة في المناطق، مواقع عربية للناطق بلسان الجيش الإسرائيلي وغيرها - حرب هدفها تقويض التزام سكان المناطق بقوميتهم الفلسطينية. هؤلاء الناشطون نشروا تعليقاً دعوا فيه إلى عدم الإعجاب بصفحة منسق الأنشطة في المناطق، وكشف دوره المخادع، وعدم التعاون أيضاً مع الوجوه الإيجابية للاحتلال. حركة "فتح" وأطراف أُخرى نشرت تعليقات على الفايسبوك مع هاشتاغ: "أو المنسق أو نحن"، حقق آلافاً من الردود الإيجابية.
- لكن العالم الافتراضي لديه حياته الخاصة، وعلى الرغم من التحفظات، أيضاً الفلسطينيون الذين لديهم معرفة سياسية وأولئك الذين ليس لديهم، يدخلون إلى صفحات الشاباك، أحياناً يردون، وأحياناً لا يردون. هل تحقق هذه الصفحات هدفها؟ هل ينجحون في تغيير الوعي الفلسطيني؟ الصحافي يوني بن مناحيم استشهد بمصادر أمنية تدّعي أن كثيراً من الهجمات أُحبط بفضل هذه الصفحات. لكن من الممكن التشكيك في الادعاء بحد ذاته - من الممكن أنه هو ذاته جزء من الحرب النفسية. مع ذلك، من المحتمل أن تستطيع هذه الصفحات في أوقات التهدئة التأثير في جزء من الشباب ومنعهم من الانضمام إلى النضال المسلح.
- هل هذه المنشورات قادرة على إجراء تغيير حقيقي للوعي الفلسطيني؟ من المعقول الافتراض أن هذا لن يحدث. السبب الأساسي هو غطرسة الكتّاب وعدم تعاطفهم مع الوضع الفلسطيني. أحد النماذج من ذلك توقّع الشاباك والتوقّع الإسرائيلي أن الفلسطينيين ستصدمهم صور طفل يهودي مقتول، بينما المنسقون أنفسهم، وأيضاً الإسرائيليون عموماً لا يعبّرون عن صدمتهم إزاء عشرات الأولاد الفلسطينيين الذين قُتلوا على يد الجيش الإسرائيلي. نموذج آخر هو التعليقات التي يقدمها عناصر الشاباك مع التفسيرات عن أهمية يوم الاستقلال بالنسبة إلى الإسرائيليين، من دون ذكر الثمن الذي دفعه الفلسطينيون لقاء استقلال الدولة اليهودية، وبينما الإسرائيليون أنفسهم يمنعون استقلال الفلسطينيين. بهذا المعنى، صفحات الفايسبوك تشكل أكثر من أي أمر آخر نصباً افتراضياً للغطرسة، وللانفصال عن الواقع، وعمى إسرائيل الرسمية وممثليها في المناطق.